الحمد لله كما أمر، والشكر له كلما نُسي أو ذُكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وما خفي وما ظهر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير البشر، جاء من ربه بالبشر، حذر وأنذر، صلى الله عليه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وعلى آله وصحبه الغرر، وتابعيهم أهل الدرر، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم المستقر.
مقدمة:
الحسد من الأمراض القلبية التي تصيب بعض الناس، بسبب الغيرة، وعدم الرضا بالقضاء، فمن الناس من إذا رأى نعمة أنعمها الله - عز وجل - على أحد من الناس، تحركت نفسه الخبيثة، وغيرته القبيحة، وبدأ يفري ويهري في ذلك المسكين، وكان الواجب عليه أن يدعو الله لأخيه بالبركة، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ويمنعه عمن يشاء، بحكمته وعلمه - سبحانه -.
فإذا أحس الحاسد بشيء في قلبه على المحسود فليجاهد نفسه، ويكظم ما عنده، ولا يفعل شيئاً يخالف الشرع، لا يؤذي المحسود، لا بقول ولا بفعل، ويتضرع إلى الله - تعالى -بالدعاء أن يزيل الحسد من قلبه، فالإنسان إذا حسد ولم يحقق شيئاً لم يضره ذلك، لأن الحسد كبيرة من كبائر الذنوب، يؤاخذ عليها العبد ويحاسب عليها، لأن في الحسد ضرراً للغير، فإذا لم يفعل أذى للمحسود، ولا كان سبباً في إزالة نعمة عنه، ولم يتكلم في عرضه، وإنما شيء في نفسه كظمه، فإنه لا يضره، ولكن عليه الحذر، حتى لا يقول شيئاً يضر المحسود، أو يفعل شيئاً يضره.
فالحسد خبيث، يبدأ بصاحبه فيهلكه، فهو يؤذي صاحبه قبل غيره، ومتى أحس بشيء فليجاهد في كظمه وإبقائه في القلب من دون أذى للمحسود، لا أذى فعلي ولا قولي.
وليعلم كل إنسان عاقل مؤمن أن الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن والنفس، وإفساده للدين، حتى أن الله أمر بالاستعاذة من شره، وسبب للهم، وجالب للغم، وربما قضى على صاحبه دون نكاية في عدو، ولا إضرار بمحسود، فكانت النزاهة عن الحسد كرماً، والسلامة منه مغنماً.
تعريف الحسد:
لغة:
كره النعمة عند الغير وتمني زوالها.
اصطلاحاً:
تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يحصل للحاسد مثلها، وقد يقال: تمني عدم حصول النعمة للغير.
الحسد والبخل:
البخل والحسد يشتركان في أن صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثم يتميز البخيل بعدم دفع ذي النعمة شيئاً، والحاسد يتمنى ألا يُعطى أحد سواه شيئاً [نظرة النعيم 10/4418].
الحسد والغبطة:
الغبطة: أن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل الذي عند الغير، دون زوال تلك النعمة عن الغير.
والحسد: فهو تمني زوال النعمة عن الغير، سواء حصلت له أم لم تحصل، المهم أن يتمنى زوال النعمة عن المحسود.
والغبطة صفة المؤمن، والحسد صفة المنافق نسأل الله السلامة والعافية.
حسد إبليس لآدم - عليه السلام -:
الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وذلك عندما حسد إبليس اللعين، آدم - عليه السلام -، فامتنع من السجود له، وعصى أمر ربه - تعالى -، فطرده الله من رحمته.
قال - تعالى -: {وَإِذ قُلنَا لِلمَلآئِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إَلاَّ إِبلِيسَ قَالَ أَأَسجُدُ لِمَن خَلَقتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ لأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء 61-62].
حسد ابني آدم:
وأول ذنب عُصي الله به في الأرض الحسد، وذلك عندما حسد أحد ابني آدم أخاه فقتله، فأصبح من النادمين الخاسرين، خسر الدنيا والآخرة، وأعد الله له عذاباً ممدوداً، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه أول من سن القتل، فهو يُعاقب عن كل من قَتَلَ.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لا تُقتل نفس ظلماً، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل \" [متفق عليه].
فكل من قتل من الناس كان على ابن آدم نصيب من العذاب، لأنه أول من سن القتل، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً.
قال - صلى الله عليه وسلم -: \" من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء \" [أخرجه مسلم].
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" من سن سنة حسنة فعُمل بها، كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة، فعُمل بها، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئاً \" [أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني - رحمه الله -].
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من سن سنة حسنة، فله أجرها ما عُمل بها في حياته وبعد مماته حتى تُترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تُترك، ومن مات مرابطاً في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط في سبيل الله حتى يبعث يوم القيامة \" [رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به].
حسد الكفار للمسلمين:
الكفار يحسدون المسلمين على ما هيأ الله لهم من نعمة الإسلام والاستقامة على دينه الحنيف، واتباع نبيه الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم يحسدون أهل الإسلام على نعمة الهداية، ومنة التوفيق.
قال - تعالى -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِّن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَداً مِّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد