بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
تزوج قرد! وماذا تعتقدون أنه تزوج، أكيد مقرودة مثله، قردة طبعاً، يعني راح يتزوج غزالة مثلاً، المهم حصل الزواج، وفي يوم من الأيام والقردة في أحضان زوجها القرد، جاءها قرد شاب صغير شقي لعَّاب، وغمزها، فانتبهت، فأشار إليها - يعني الحقي بي - فانسلت بهدوء من بين أحضان الزوج الغافل النائم، ولحقت بذلك القرد الشاب.
سفهربا بعيداً جداً، حيث حصلت الخيانة الزوجية هناك، فزنيا - والعياذ بالله ثم عادت إلى زوجها، وأخذت مضجعها بين يديه، وبينما هي تفعل ذلك، إذ انتبه الزوج لها، فاستيقظ من نومه، وإذا به يشم رائحة غريبة، فصاح وصرخ مستنجداً بمن حوله، فأتت القرود من كل حدب وصوب..
وبدأت القرود في التحقيق مع القردة الزانية حتى اعترفت بفعلتها الشنيعة، ثم أتوا بالقرد الذي زنا بها، وحفروا لهما حفرة فوضعوهما فيها، وقام الجميع برميهم بالحجارة حتى الموت.
هذه القصة ليست من نسج الخيال، أو ضربٌ من الأمثال، بل هي قصة صحيحة موجودة في صحيح البخاري مختصرة، وفي غيره مطولة، رواها عمرو بن ميمون - رضي الله عنه -، وهو صحابي جليل، والصحابة كلهم عدول، كما هو معلوم عند العلماء وغيرهم، حتى قال عمرو بن ميمون - رضي الله عنه -: لقد رجمتهما مع القرود، وإليك حديث البخاري:
عن عمرِو بن مَيمونٍ, - رضي الله عنه - قال: " رأيتُ في الجاهليةِ قِردةً اجتمعَ عليها قِرَدةٌ قد زَنَت فرَجموها، فرَجمتها معهم " [أخرجه البخاري].
وللعلماء مع هذا الحديث كلام، ولي مع هذه القصة وقفات:
الوقفة الأولى: تحريم الزنا:
الزنا حرام، وفيه تعدٍ, لحدود الله - تعالى -، وهو جريمة بشعة، فيه اختلاط الأنساب، وضياع الأسر، وتفرق الأبناء، ولم يُحل في ملة قط، لفظاعته وبشاعته وقذارته، ولقد جاءت الأدلة من كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الأمة على تحريمه، وتجريم فاعله ومرتكبه.
قال - تعالى -: {وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء32]، وانظر إلى قوله - تعالى -: {ولا تقربوا الزنى}، ولم يقل - سبحانه -: {ولا تزنوا}، لأن التحذير من قرب الزنا ودواعيه ودوافعه أبلغ في الزجر والنهي.
وقال - تعالى -: {وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاماً} [الفرقان68].. فالذين يوحدون الله، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به: من كفر بعد إيمان، أو زنى بعد زواج، أو قتل نفس عدوانًا، ولا يزنون، بل يحفظون فروجهم، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلقَ في الآخرة عقابًا أليماً شديداً.
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لاَ يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ. وَلاَ يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ. وَلاَ يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ. وَالتَّوبَةُ مَعرُوضَةٌ بَعدُ " [متفق عليه].
قال ابن المنذر - رحمه الله - في كتاب الإجماع: " وأجمعوا أي العلماء على تحريم الزنا " [160].
الوقفة الثانية: عقوبة الزاني والزانية في الدنيا:
نظراً لأن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، وعظيمة من عظائم الخطوب، فإنه - جل وعلا - رتب عليه عقوبة في الدنيا، فالزاني إما أن يكون أعزباً أو متزوجاً.
فإن كان أعزباً وزنا فإنه يقام عليه الحد، بجلده مائة جلدة، ويسجن ويبقى في غياهب السجن مدة من الزمن كما يحكم عليه القضاء، فإن تكرر منه الفعل فإنه يرجم.
قال - تعالى -: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ, مِّنهُمَا مِئَةَ جَلدَةٍ, وَلَا تَأخُذكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَليَشهَد عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤمِنِينَ} [النور2].. أما إذا كان الزاني - الزانية - متزوجاً فإنه يرجم حتى الموت.
عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيتُ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ, حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعضَلُ، لَيسَ عَلَيهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى? نَفسِهِ أَربَعَ مَرَّاتٍ, أَنَّهُ زَنَى?، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " فَلَعَلَّكَ؟ "
قَالَ: لاَ وَاللّهِ إنَّهُ قَد زَنَى الأَخِرُ، قَالَ: فَرَجَمَهُ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: " أَلاَ كُلَّمَا نَفَرنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَلَفَ أَحَدُهُم لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ، يَمنَحُ أَحَدُهُمُ الكُثبَةَ، أَمَا وَاللّهِ إن يُمكِنِّي مِن أَحَدِهِم لأُنَكِّلَنَّهُ عَنهُ " [أخرجه مسلم].
عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَد جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكرُ بِالبِكرِ جَلدُ مِائَةٍ, وَنَفيُ سَنَةٍ, وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلدُ مِائَةٍ, وَالرَّجمُ " [أخرجه مسلم].
ففي الزنا تحد لقوة الله وقدرته وجبروته وبطشه، وارتكاب نهيه، فمن حكمة الله - تعالى -أنه لا يأخذ بالذنب لأول وهلة، وأول مرة، بل يملي للظالم لعله يتوب ويرجع عن غيه وفساد قلبه، وانتكاس فطرته، فإن لم يعد فقد أنزل الله بالعالم اليوم بلاءً يعرفه كل إنسان..
هذا البلاء سببه جريمة الزنا واللواط والشذوذ الجنسي عند الجنسين، فما داء الإيدز إلا نذير للبشر، لمن شاء أن يتوب أو يقع في المقدَّر، وكم هي الإحصاءات العالمية التي تشير إلى ارتفاع معدل الإيدز في العالم نتيجة ارتكاب فاحشة الزنا - أعاذانا الله منها - فهذه العقوبة الدنيوية بسبب تعد الحدود الإلهية، وفعل الفواحش الشهوانية، والنزوات الشيطانية، وارتكاب الجرائم البشعة الجنسية.
فقارن أيها المسلم بين لذة دقائق أو ثوان، وعقوبة مئات السنين أو آلافها في نار جهنم؟ وتأمل هذا الحديث العظيم في خطورة الزنا على الأمم والأفراد، عن ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: أَقبَلَ عَلَينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
" يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ! خَمسٌ خِصَالٌ إذا ابتليتم بهن، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَن تُدرِكُوهُنَّ: لَم تَظهَرِ الفَاحِشَةُ فِي قَومٍ, قَطٌّ حَتَّى يُعلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوجَاعُ الَّتِي لَم تَكُن فِي أَسلاَفِهِم الَّذِين مَضَوا... " [أخرجه ابن ماجة وغيره وصححه الحاكم والذهبي، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 7978].
وربما سأل سائل فقال: ليس في القرآن آية تدل على الرجم؟
والجواب: أن آية الرجم كانت موجودة في كتاب الله - تعالى -، ثم نُسخت لفظاً وبقيت حكماً، وهي قوله - تعالى -: {والشَّيخُ والشَّيخَةُ إذَا زَنَيا فارجُمُوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ الله والله عَزِيزٌ حَكِيم} [كانت موجودة في سورة الأحزاب ثم نُسخت أي رفعت لفظاً، وحكمها باق إلى يوم القيامة].
وقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنبَرِ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنزِلَ عَلَيهِ آيَةُ الرَّجمِ، قَرَأنَاهَا وَوَعَينَاهَا وَعَقَلنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمنَا بَعدَهُ، فَأَخشَى، إن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أَن يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجمَ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَيَضِلٌّوا بِتَركِ فَرِيضَةٍ, أَنزَلَهَا اللّهُ، وَإنَّ الرَّجمَ فِي كِتَاب اللّهِ حَقُّ عَلَى مَن زَنَى إذَا أَحصَنَ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَو كَانَ الحَبَلُ أَو الإِعتِرَافُ " [أخرجه البخاري ومسلم].
ثم اعلم أيها المسلم أن السنة جاءت لتدل على ما أجمله القرآن، وتفسر ما أُبهم من الكتاب العزيز، وجاءت مكملة لكثير من الأحكام التفصيلية، ومما جاء فيها وجوب الرجم على الزاني والزانية المتزوجين، وقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً، والغامدية، وصاحبة العسيف - رضي الله عنهم - أجمعين، ورجم اليهودي، ثم رجم أصحابه من بعد، وهكذا تقبلت الأمة هذا الحكم بالتنفيذ والسمع والطاعة، وهذا محل إجماع بين العلماء لم يخالف فيه أحد البتة.
فهذا الدين محفوظ بحفظ الله له، لا يستطيع التشكيك فيه إنسان أو جان أو شيطان، لأن الله - تعالى -أنزله وتكفل بحفظه، فلله الحمد والفضل والمنة.
فائدة مهمة:
من وقع في فاحشة الزنا، ثم تاب وأقيم عليه الحد رجماً أو جلداً، فهذا الحد كفارة له يوم القيامة بألا يمسه العذاب بإذن الله - تعالى -، عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجلِسٍ,، فَقَالَ: " تُبَايِعُونِي عَلَى أَن لاَ تُشرِكُوا بِاللّهِ شَيئاً، وَلاَ تَزنُوا، وَلاَ تَسرِقُوا، وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بِالحَقِّ، فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللّهِ، وَمَن أَصَابَ شَيئاً مِن ذالِكَ فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَن أَصَابَ شَيئاً مِن ذالِكَ فَسَتَرَهُ اللّهِ عَلَيهِ، فَأَمرُهُ إلَى اللّهِ، إن شَاءَ عَفَا عَنهُ، وَإن شَاءَ عَذَّبَهُ " [أخرجه البخاري ومسلم].
الوقفة الثالثة: عقوبة الزاني والزانية في القبر:
كما أسلفت أن الزنا جريمة بشعة، وتغيير للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، في الزنا إرضاء للشيطان، وإغضاب للرحمن، ولهذا رتب على فعل الزنا عقوبة شديدة في القبر، وذلك بوضع الزُناة والزواني في تنور - فرن - أعلاه ضيق، وأسفله واسع..
ومن أراد تشبيهاً له، فليذهب لفرن الخبز - التميس - ولينظر شكله في الدنيا، لكن فرن القبور يختلف شدة وحرارة، فيوضع فيه أهل الزنا، ويأتيهم اللهب من كل مكان، يصرخون ويستغيثون، ولكن هيهات هيهات أن ينقذهم أحد من العالمين، ويستمر بهم العذاب إلى قيام الساعة، فإذا قامت القيامة، فالساعة أدهى وأمر.
عن سَمُرَة بن جندب - رضي الله عنه - قال: " كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعني مما يكثرُ أَن يقول لأصحابِهِ: هل رأى أَحدٌ منكم من رُؤيا؟ قال: فيَقصٌّ عليه ما شاء الله أن يَقصَّ، وإِنه قال لنا ذاتَ غَداةٍ,: إِنَّه أتاني الليلةَ آتِيان وإِنهما ابتعثاني وإِنهما قالا لي: انطلِق، وإِني انطلقتُ معهما، وإِنا أَتينا على رجل مَضطجع... إلى أن قال: " فانطلقنا فأتَينا على مثل التنٌّور "..
قال: وأَحسِبُ أَنه كان يقول: فإِذا فيه لَغَطٌ وأَصواتٌ، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراةٌ، وإِذا هم يأتيهم لَهَبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوضَوا صرخوا قال: قلتُ لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلِق انطلق... إلى أن قال: " وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثلِ بناءِ التنور فهمُ الزٌّناة والزواني " [أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم].
ألا فاعلم أيها المسلم، وأيتها المسلمة، أن الوقوع في مثل هذه الجرائم العظام، كالزنا واللواط والربا وغيرها من الكبائر، ما هي إلا طريق سهل ميسر ومُعَبَّدٌ إلى نار جهنم والعياذ بالله، فالنار محفوفة بالشهوات، فمن وقع في الشهوات وقع في النار، عَن أنسٍ, - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " حُفَّتِ الجنةُ بالمكارِهِ، وحُفَّتِ النارُ بالشهواتِ " [متفق عليه واللفظ لمسلم].
الوقفة الرابعة: عقوبة الزاني والزانية في الآخرة:
ونأتي إلى نهاية المشوار البشري منذ خليقته وحتى مماته، ثم بعثه ونشره وحشره، فالزاني في الدنيا إما أن يُرجم، وإما أن يجلد، وفي القبر مصيره تنور فيه نار محرقة تحرق الجلود والأبدان، وتتأثر منها الأفئدة والقلوب، وفي نهاية المشوار، استقرار في نار جهنم إلى أمد يريده الله - عز وجل -، لا يعلم مداه إلا هو - سبحانه -، فربما استمر مئات السنين أو ملايين السنين، ومع ذلك، فالله - عز وجل - لا ينظر إلى الزناة يوم القيامة، ولا يلقي لهم بالاً، ومن لا ينظر الله إليه، فمن يرحمه، ومن ينقذه من النار، وغضب الجبار.
قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاماً * يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان6879].
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِم، وَلاَ يَنظُرُ إلَيهِم، وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيخٌ زَانٍ, رجل كبير وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُستَكبِرٌ " [رواه مسلم].
ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه: " لاَ يَنظُرُ اللَّه يَومَ القِيَامَةِ إلَى الشَّيخِ الزَّانِي، وَلاَ العَجُوزِ الزَّانِيَةِ ".
الوقفة الخامسة: أخذ الحيطة والحذر:
فأخذ الحيطة والحذر هو السبيل بإذن الله - تعالى -إلى إصلاح المنزل وأهله، وفي مقابل ذلك الحذر من الشك، فإن الشك دمار، لاسيما إذا لم يكن له سبب، فعلى رب الأسرة أن يسعى جاهداً لتفقد أسرته، ولا يترك لهم الحبل على الغارب، تسرح الأم، ويسرحن البنات، بلا زاجر ولا رادع.
فمن النساء من تقول لزوجها: أنها ذاهبة لزيارة جارتي، وبعد ذلك سأسهر مع فلانة، وإذا تأخرت اخلد أنت للنوم، وسوف آتي متأخرة، وربما قالت البنت مثل كلام أمها، فهذا الأب مسؤول عما يحصل لزوجته وابنته أمام الله - تعالى -عن هذه الأمانة الملقاة على عاتقه، أحفظ أم ضيع؟
وما يدريك أيها الزوج أين تذهب زوجتك، ومع من تتحدث، ومن ستقابل، وكذلك ابنتك؟
ولا شك أن ذلك غشٌ للرعية التي بين يديه، وسيعاقب عليها يوم القيامة عقاباً أليماً، عَن مَعقِلِ بنِ يَسَارٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَا مِن عَبدٍ, يَستَرعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشُّ رَعِيَّتَهُ إلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ "، وفي رواية: " فَلَم يَحُطهَا بِنُصحِهِ لَم يَرَح رَائِحَةَ الجَنَّةِ " [رواه البخاري ومسلم].
وكم قبضت الهيئات على نساء وبنات وهن في حالة خلوة غير شرعية مع رجال أجانب لا يمتَّون لهن بصلة، فأين القوامة؟ وأين الغيرة؟ وأين الخوف من الله؟
الوقفة السادسة: التحذير من أقارب الزوج والزوجة:
هناك من الأزواج من يدمر بيته بيديه، وذلك بإدخال أقاربه أو أقارب زوجته إلى بيته في غيبته، ولا ريب أن ذلك خطر عظيم، فهناك من الأزواج من يأتي بأخيه ليدرس عنده، أو يكمل جامعته، أو غير ذلك، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان.
ولهذا جاء الشرع القويم، بالتحذير من مغبة وخطورة هذا الوضع القائم في كثير من بيوت المسلمين اليوم، بقصد العفة والشرف والثقة، وإذا بالأمور تنتكس فطرها، وتتغير أوضاعها، فيجد الزوج زوجته وهي بين أحضان أخيه والعياذ بالله، فيقول: معقول؟ أخي، وزوجتي، فنقول له: نعم أخوك وزوجتك، وما الذي يمنعهما من ارتكاب الفاحشة، إذا توفرت أسبابها، وأُغلقت عليهم الدور أبوابها، وكان الشيطان ثالثهما..
وقد ضجَّتِ الصحف بخبر ذلك الرجل، الذي أنجبت زوجته خمسة من الأبناء، وكان أخوه يسكن معه مدة طويلة من الزمن في بيت واحد، وفي يوم من الأيام احتاج الزوج أن يذهب إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية..
ويا للمفاجأة، فعندما هو مع الطبيب يتحدثان إذ دخل عليه أولاده عند الطبيب، فسأله الطبيب من هؤلاء؟ قال: أبنائي، قال الطبيب: لا يمكن، لأنك عقيم لا تنجب، وعندما أُخذت عينه من الأطفال والزوج وأخوه، اتضح أن الأبناء للأخ، وليسوا للزوج، وهذه قصة حقيقية وليست خرافية.
فلو أننا تتبعنا زواجر الشريعة، وحمايتها للأسرة المسلمة، وعنايتها بها، وأغلقنا باب الحرام ومداخلة لسلمنا من أمور كثيرة، ولهذا جاء في الحديث، عَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ, - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِيَّاكُم وَالدٌّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَرَأَيتَ الحَموَ؟ قَالَ: " الحَموُ المَوتُ " [متفق عليه]، أتدرون من الحمو: إنه قريب الزوج، فالأخ هو الموت هو المصيبة هو الطامة.
وربما قال قائل: أنا أُحسن إلى أخي، بل أنت تسيء إلى أخيك، وتعين الشيطان عليه وعلى زوجتك وقريبتك.. نعم أيها الأخوة هناك من الأزواج من بلغت به السذاجة مبلغها، حتى أدخل على زوجته أخوه، وابن عمه، وابن خاله، وابن عمها، وابن خالها، وغيرهم ممن هم في سن المراهقة أو أكثر منها، فيذهب لعمله أو يخرج من بيته ويترك النار مع البنزين..
ونسي المسكين أن للشيطان مداخل، ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من ذلك، وسد الباب أمام الفواحش كي لا تقع، قال - تعالى -: {وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ, ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب 53].
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قاَل النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: " لاَ يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ,، فَإنَّ الشَّيطَانَ ثَالِثُهُمَا " [أخرجه الطبراني].
الوقفة السابعة: التحذير من دواعي الزنا:
للزنا دواع كثيرة، ومثيرات وفيرة، فمن أعظم ذلك:
- الخلوة بين الرجال والنساء الأجانب.
- ومن ذلك تعطر المرأة وخروجها من بيتها وهي متعطرة متطيبة.
- ومن ذلك خروج المرأة من بيتها دون محرم، لاسيما وهي بكامل زينتها.
- ومن ذلك تحدثها مع الرجال الأجانب بتكسر وميوعة وخلاعة.
- ومن ذلك ضحك المرأة في الهاتف مع الرجال الأجانب.
- مشاهدة النساء والرجال عبر التلفاز، فهذه المشاهد تسبب فتنة كبيرة، وعواقب وخيمة.
- ومن أعظم ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة الفظيعة التي تجلب الشر للناس، وتحرك مكامن غرائزهم وشهواتهم.
- ومن ذلك خروج المرأة مع السائق لوحدها دون محرم ولو كان لعدة أمتار، فالشيطان معهما وهو ثالثهما.
- الخلوة بين الرجال والنساء في العمل، ولقد أثبتت الوقائع والحوادث خطورة الوضع القائم اليوم في المستشفيات وغيرها.
وختاماً:
يا أيها الزاني! أقلع عن الذنوب، فلعل الله عليك يتوب، أما تستحي حين زنيت بأمته، أما خفت حين انتهاكك لحرمته؟ أظننت أنك لا توقف بين يديه؟ أم زعمت أنك لا تعرض عليه؟ كلا، فإنك مسؤول عن ذلك، ومطلع على تلك المهالك.
أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن أكون قد وفقت في هذا الموضوع الحساس، لتذكير من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لينتبه لنفسه، ويأطرها على الحق أطراً، ويحذرها من عاقبة فعل الزنا.
ونسأل الله الثبات على دينه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد