المؤسسة التعليمية المغربية العمومية نسق مجتمعي بخصوصيات اجتماعية ومهنية معينة تعيش في نسق مجتمعي عام، بخصوصيات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وإيديولوجية ودينية..عامة وشاملة لتلك الخصوصيات الجزئيةº حيث هذه الأخيرة يمكنها التأشير عن الخصوصيات العامة بصورة ما.
وما يجري في السياق العام من حراك اجتماعي يترجمه السياق الخاص للمؤسسة التعليمية ويتمظهر بمظاهره، ومن جملة تلك المظاهر العنف المدرسي بما يحمل من مضمون مادي أو رمزي يمارس فيما بين مكونات العملية التعليمية داخل المؤسسة التربوية والتكوينية.مما يطرح أكثر من سؤال حول تحول المؤسسات التعليمية من ثقافة السلم إلى ثقافة العنف! ومن ثقافة القيم إلى ثقافة اللاقيم؟! ومن الانضباط إلى الفوضى؟!..
العنف المدرسي ظاهرة عالمية لا يخص المؤسسة التعليمية المغربية وحدها، وإنما نتاج ثقافة عالمية تؤمن بصراع الحضارات والضربات الاستباقية وفق تقارير مخابراتية مفبركة بوهم وجود عدو داخلي أو خارجي فتاك.. إلى آخر المقولات والسلوكيات المغذية للعنف العالميº الذي ترفد منه المجتمعات عنف الدولة وعنف المخزن وعنف الأسرة.. فيجد العنف المدرسي مرجعه في سياق العنف العام بمختلف وجوهه. غير أنه في ظل منظومة القيم التي سادت المؤسسة التعليمية والمنتظمة في تفعيل ثقافة سلطة المؤسسة والنظام والكفاءة العلمية ضمن إطار حقوقي ضامن لحقوق الأفراد والمؤسسة والنظام التعليمي، وضمن القواعد الاجتماعية المتواطئ عليها بين أفراد المجتمع، بتحصين أخلاقي داعم لموقع المؤسسة الاجتماعي، بما يفيد أنها مؤسسة عمومية تتمتع بمصداقية القبول في المجتمع عامة والتعليمي خاصة، وبالإنتاجية العلمية والتطبيقية ذات القيمة المالية والنفعية العامة، وبالمخرج البشري ذي الكفاءة العالية، وبالتساوي أمامها بين الطبقات الاجتماعية، يعد العنف المدرسي بتلك المقاييس طارئا على المدرسةº لم يسبق أن كان بهذه الحدة، ولم يسبق للمؤسسة أن كانت ضعيفة أمامه. مما رفع من بُعد توطينه ثقافيا بين الأجيال القادمةº نتيجة تفكك تلك القيم وضعف النظام التعليمي خاصة تربويا واجتماعيا وإنتاجيا، حيث لم يعد يمرر القيم المؤسسة لثقافة سلطة المعرفة والكفاءة وتكافؤ الفرص بين المتعلمين وبين الأسر المغربية في التمدرس الوازن والفاعل والمنتج، وقيم احترام العنصر البشري كقيمة مطلقة أولا واعتبارها في التعامل مع رواد وأطر المؤسسة قبل أية اعتبارات أخرىº التي يمكن توظيفها في استثمار الإيجابي منها، وتصحيح السلبي منها، ومراعاتها فروقا فردية تتأسس عليها العملية التدريسية حتى يجد كل فرد في المؤسسة نفسه، ويعي موقعه في النظام التعليمي، ومن ثم يتجلى مبدأ تكافؤ الفرص. وهو مدخل حقيقي للإحساس بأن المؤسسة التعليمية هي للجميع، وليس لنخبة المتفوقين فضلا على أن طبيعة العلاقات المهنية والاجتماعية السائدة بين مكوناتها تلعب الحاضن الأساسي للسلم أو للعنف. ففي دراسة قمت بها حول العلاقات الاجتماعية في المؤسسة التربوية، تبين أن طبيعة العلاقة بين الأستاذة/ الأستاذ والتلميذة/التلميذ علاقة سلطوية بنسبة 72.85% في مقابل 4.26% علاقة ديمقراطية، تدعم هذه السلطوية نسبة العلاقة الفوضوية التي بلغت 17.14% وكذلك نسبة العلاقة اللامبالية التي بلغت 5.71%. كما أن العلاقة بين الإدارة والمتعلمة والمتعلم تتسم هي الأخرى بالسلطوية بنسبة 74.28% مقابل نسبة علاقة الديمقراطية التي بلغت 5.71%، وهي علاقة منغلقة بنسبة 94.28% فضلا عن كونها علاقة تتسم بطابع الفوضى بنسبة 15.71% مدعمة باللامبالاة بنسبة 4.28%، في حين بلغ انفتاحها نسبة 5.71%. وأما العلاقة بين المتعلمات والمتعلمين فيما بينهم فإنها متوترة شيئا ما حيث بلغت نسبتها 55.71% مقابل نسبة 44.28% للعلاقة العادية. وهذه النسب تبين أن المؤسسة التعليمية متوترة في ذاتها، مما تعد معه منبتا خصبا للعنف. يـغذيه نقصان المضمون الاجتماعي للمؤسسة الذي بلغ 38.57% مقابل لا اجتماعية المؤسسة البالغ نسبتها 61.42%. ومنه فطبيعة المؤسسة التعليمية في بعدها الاجتماعي يزيد من العوامل النفسية والتربوية والاقتصادية والسياسية والعقائدية والاثنية.. المغذية للعنف المدرسي بجانب المجالات الطبيعية أو الرمزية أو الخيالية التي ترفد العنف المدرسي بصفة \" العنف العادي \" الطبيعي المتزامن مع الحراك الاجتماعي. فالأسرة الأبوية المتسلطة، والمؤسسات الرسمية القمعية التي تتسم بالعنف والتسويف والمماطلة والكذب واللاوعي، ووسائل الإعلام وتوابعها التكنولوجيا وعوالمها الخيالية، والشارع المتميع، والأمية الأبجدية والثقافية، والفقر، والأمراض الاجتماعية،.. كلها تصب في توطين ثقافة العنف عامة والعنف المدرسي خاصة. إلا أن العنف المدرسي يتخذ أفعالا مادية أو رمزية على الآخر وهو عنف موجب، أو يتخذ أفعالا مادية أو رمزية على الذات وهو عنف سالب.
والعنف المدرسي بمختلف مظاهره وأسبابه يستدعي الدارسة العلمية المتأنية لإيجاد الحلول لهº لأنه ينتج أضرارا متنوعة في الكم والنوع، ويعد من معاول الهدم للنظام الاجتماعي ولقواعده الضابطة له، كما يعد نسفا لأداة البناء الاجتماعي والعلمي للإنسان، ونسفا لمدخل البناء البشري الإنساني كأساس لكل تنمية بشرية وحجريةº وهي المؤسسة التعليمية.
إن انهدام الأداة ستؤدي تبعا إلى انهدام البناء، وهو بناء من نوع خاص، لا يستقيم إصلاحه إلا في ظل القرون لا السنوات. إنه الإنسان الذي يعد ثروة أساسية في ثورة المعرفة. ومنه فمؤسستنا التعليمية لا بد لها من مراجعة بجانب مراجعة العديد من المؤسسات الاجتماعية. ولابد من جعلها مؤسسة علم وسلم وحقوق.. إذا أردنا فعلا الحد من العنف المدرسيº وإلا فإن الممارس في المؤسسة التعليمية المغربية سيحولها إلى مولد للعنف الذي لن نجد له حلا إذا استفحل واستعظم واستأسد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد