بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أثنى الله -عز وجل- على الكاظمين الغيظ فقال في وصف المؤمنين الذين على ربهم يتوكّلون: (وَالَّذِينَ يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُم يَغفِرُونَ).
وتأمل كيف قال (هُم يَغفِرُونَ) بعد ذِكر الغضب؟
ذلك أن الغضب يدفع على الانتقام والتعدّي، فإذا غضب المؤمن لِـحَـظِّ نفسه تذكّر ما أعدّ الله له من الجزاء إذا عفا فيعفو ويغفر ويصفح.
وقال -سبحانه وتعالى- في وصف المتقين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ).
رُوي عن ميمون بن مهران أن جاريتَه جاءت ذاتَ يومٍ, بِصَحفَـةٍ, فيها مَرَقَـة حارة وعنده أضياف فعثرَت فصبّتِ المرقـةَ عليه، فأراد ميمون أن يضربـها.
فقالت الجارية: يا مولاي استعمل قولَ الله - تعالى -: (وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ) قال لها: قَد فعلتُ، فقالت: اعمل بما بعده: (وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: قد عفوت عنك، فقالت الجارية: (وَاللّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ) قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حـرَّةٌ لوجه الله - تعالى -.
وروي عن الأحنف بن قيس مثله. ذكره القرطبي في التفسير.
وفي فضل كظم الغيظ، وامتلاك التّصرّف، وضبط النفس، جاءت الأحاديث النبوية
فمن ذلك:
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
ولما كان الغضب يضرّ بصاحبه مع ما يتسبب به من أذية للآخرين فقد جاء الثناء على من ملَك نفسه وقهرها عند غلبة الغضب.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس الشديد بالصٌّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. رواه البخاري ومسلم.
وقال: ما تعدون الصٌّرعة فيكم؟
قالوا: الذي لا يَصرعه الرجال.
قال: ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب. رواه مسلم.
ولذا لما جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أوصني. قال: لا تغضب. فردّد مرارا. قال: لا تغضب. رواه البخاري.
والغضب مدخل من مداخل الشيطان على النفس:
قال سليمان بن صرد: كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجلان يستبان، فأحدهما احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد. فقالوا له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تعوّذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون؟! رواه البخاري ومسلم.
ليتأمل الإنسان نفسه حال الغضب:
قال ابن ابن القيم -رحمه الله-: إذا خَرَجَت من عدوك لفظةَ سَـفَـهٍ, فلا تُلحِقها بمثلها تُلَـقِّـحـها، ونَسل الخصام نسل مذموم! اهـ.
وقد حذر علماء الطب الألمان من أن الغضب يشكل خطرا على القلب، مشيرين إلى أن أكثر الذين أصيبوا بأمراض في القلب كان "الغضب" أحد أسبابه الرئيسية.
وأعلن الأطباء في مؤتمر عقدوه يوم الثلاثاء الموافق 16-4-2002م في العاصمة الألمانية برلين أن أكثر الذين توفٌّوا بجلطة قلبية كان "الغضب" وخيبة الأمل أحد أسباب الوفاة الرئيسية، إذ أن الغضب يعمل إما على تقوية سرعة القلب بحيث تخرج عن السيطرة أو إبطاء نبضاته ليُصبح من الصعب إعادته إلى حالته الأولى.
وأشار عالم الطب من المستشفى الجامعي فى مدينة بون "بيتر فاجلر" في محاضرته إلى أن إجراء عملية تبريد القلب يمكن أن تساعد صاحبه على المضي في الحياة بإذن الله إذا ما توفرت العناية به، مشيرا إلى أن المستشفى الجامعي قام بإجراء بحوث حول عملية التبريد شملت حوالي 275 مريضا وُضعوا في غرفة عناية فائقة لمدة 24 ساعة مجهزة بمكيف هواء بارد يناسب جسم المريض، على أن تكون حرارة جسمه الداخلي ما بين 32 و 34 درجة مئوية.
وأكد على ضرورة أن يبعد عن المريض الثقلاء من الزوار! موضِّحا أن نسبة التجارب الناجحة على مرضى القلب بعملية التبريد وصلت إلى 41% من الذين يعانون من أمراض قلبية مختلفة.
ليُعلم أن دِين الله -عز وجل- هو الدِّين الكامل الشامل لجميع نواحي الحياة، فما مِن خير إلا دلّ عليه، وما مِن شرّ إلا حذّر منه.
والله يحفظكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد