الشح مأخوذ من مادة (ش ح ح) التي تدل على المنع، والشٌّح بُخلٌ مع حرص، وقد فسره ابن رجب - رحمه الله - بأنه: تشوق النفس إلى ما حرم الله ومَنَعَ مِنه، وعدم قناعة الإنسان بما أحله الله له من مالٍ, أو مزج أو غيرهما.
الفرق بين البخل والشٌّح:
قال ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: \" الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة حرص على الشيء، والإخفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجَشَع النفس عليه.
والبخل: مَنع إنفاقه بعد حصوله.. فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل، والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومَن لم يبخل فقد عصى شحه ووُقِيَ شرَّه، وذلك هو المفلح، قال الله - تعالى -: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ)(الحشر: 9).
ومما لا شك فيه أن الشٌّح من أقبح الصفات، فهو مُنافٍ, للإيمان، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا))(رواه النسائي وصححه الألباني، وأحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح).
والشٌّح يُهلك صاحبه، وإذا شاع في المجتمعات مزقها وأهلكها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((... وأما الملهكات: فشحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه))(ذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال: حسن من حديث ابن عمر).
ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الخُلق الذميمº لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم، وقطيعة الرحم، وسفك الدماء، وأكل الأموال، فعن عبد اله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا..))(رواه أبو داود وأحمد وللفظ وصححه الشيخ أحمد شاكر).
والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس، إذ يبخل حتى على نفسه، وهو يجمع لغيره، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس، مما يروى في هذا (أن الحسن البصري - رحمه الله - دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته، ثم قال: يا أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً، ولم أصِل منها رحمـًا؟ قال الحسن: ثكلتك أمك، ولم كَنتَ تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، وجَفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. ثم مات، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن - رحمه الله -: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فخدره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عما رزقه الله إياه وغمره فيه.
انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا، ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث، لا تُحذ عن كما خُدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالاً، أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا، من باطل جمعه، ومن حق منعه.
إن يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة، لا تُقال، وتوبة لا تُنال.
وقال محمود الورَّاق - رحمه الله - تعالى -:
تمتع بمالك قبل الممـاتِ *** وإلا فلا مـال إن أنت مُتَّا
شَقِيتَ به ثـم خَلَّفتَـهُ *** لِغيرك بُعدًا وسُحـقًا ومقتا
فجاد عليك بِزُورِ البُـكَا *** وَجُدتَ له بالذي قـد جمعتا
وأعطيتَه كُلَّ ما في يديك *** فخلاّك رهنـًا بما قد كسبتا
وقد عدَّه النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات، أما من طهَّر نفسه من الشح فقد وعده ربه بالفلاح، قال - تعالى -: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) (الحشر: 9).
__________________________
المصادر:
- موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم. (مجموعة من العلماء).
- الترغيب والترهيب. (المنذري).
- منهاج المسلم. (أبو بكر الجزائري).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد