ما هي الرسالة ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

صدمة كبيرة أصابت المجتمع الأردني يوم الأربعاء 9/11، وحزن غمر مشاعر ملايين الأردنيين، الذين لم يستيقظوا بعد من الصدمة، ولا تزال التساؤلات والاستفسارات تملأ الشارع الأردني منذ بداية تدفق صور المدنيين والأبرياء الجرحى التي تبثها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء.والسؤال الأول والرئيس الذي يلحّ على الجميع هو: لماذا؟ ومَن وراء هذا العمل الإجرامي؟ وبأي جريرة أو ذنب يمكن أن يُقتل طفل في عمر الشهور؟ أو تُستباح دماء الآمنين؟ وما هو الجرم الذي قام به هؤلاء أو قام به الشعب الأردني، وهو الشعب المعروف بتضحياته ومواقفه الوطنية المشرفة تجاه القضايا العربية والإسلامية؟!

كان من المتوقع منذ البداية أن تكون جماعة الزرقاوي هي وراء الأحداث، خاصة أن هذه العملية تأتي بعد عدة عمليات ومحاولات لجماعات وأفراد مرتبطين فكرياً وحركياً بالزرقاوي وخلاياه. لكن بعد أن شاهد الجميع حجم الدمار والأذى الذي لحق بالمدنيين الأبرياء لم نكن نتوقع أن يجرؤ الزرقاوي على إعلان مسؤوليته أخلاقياً، لكن يبدو أن البصيرة فُقدت، وصوت العقل في إجازة لدى هذا التنظيم. فأيّ رسالة يمكن أن تحملها هذه التفجيرات للحكومة الأردنية؟ وهل يتوقع من يقومون بها أنها ستغير من سياسات الحكومة الأردنية التي بالتأكيد- لا نوافق على جزء كبير منها؟ لم تستطع هذه الأعمال في أي وقت من الأوقات أن تغيّر سياسات دول، بل كانت –ولا تزال- مجالاً خصباً للاستثمار الممتاز من قبل النظم والحكومات لتسويغ سياساتها والمضي قدماً في ذلك. بل إن المتضرر الرئيس من هذه الأعمال هو الإنسان العربي والمسلم في كل مكان في الأردن والعراق والسعودية ومصر وأندونسيا، أو الأبرياء العزل والمدنيين الذين لا علاقة لهم بسياسات دولهم ومصالحها، وربما يكونون متضررين أكثر من هذه السياسات!

في تقديري إن الرسالة الرئيسة لـ 9/ 11 هي للمواطن العربي، الذي كانت تمثل له عمان مكاناً آمناً، ورئة صحية يأتي ليتنفس فيها.. فمئات الآلاف من العراقيين وفدوا إلى الأردن للعلاج والسلامة والأمن، وسيكونون اليوم محط مراقبة ومتابعة من قبل الأجهزة الأمنية. وكأن الإنسان العربي لا يكفيه ما يلاقيه من الاحتلال الأميركي والصهيوني من قتل ودمار وإذلال ليجد نفسه الهدف الأول لهذه الجماعات العدميّة!

أما أن هذه الأعمال هي رسالة إلى الكيان الصهيوني فإنها على النقيض من ذلكº فهي تخدم تماماً الكيان الصهيوني، وتوفر لها مسوّغاً كبيراً وقوياً ليتمسك بالحجة الأمنية للاستمرار بمسلسل الاعتداء على الشعب الفلسطيني بدعوى أن أمنه مستهدف من هذه الجماعات، وأن من حقه اتخاذ جميع الإجراءات والسياسات الوقائية. وهو ما يذكرنا تماماً بما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبرº إذ كان الكيان الصهيوني هو المستفيد الرئيس والأول. وتمكن الكيان الصهيوني من الزجّ باسم حركات ومنظمات المقاومة الشرعية كحماس والجهاد في قائمة المنظمات الإرهابية العالمية، وتعطي هذه الأعمال أيضاً ذرائع للعمليات التي يشنها الجيش الأميركي في العراق، ويسقط فيها مدنيون وأبرياء بحجة ملاحقة جماعات العنف والإرهاب. ومن المعروف أن العديد من الأعمال التي استهدفت المدنيين والأبرياء في العراق، والتي نُسبت إلى جماعة "أبو مصعب الزرقاوي" أو ما يُسمّى بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين قد شوهت المقاومة العراقية، وضربت شرعيتها، وخدمت بدرجة رئيسة الدعاية الأميركية التي تحاول تصوير كل المقاومة العراقية بأنها جماعات إرهابية تستهدف أمن العراق والعراقيين.

لكن ما سبق يجب ألاّ يصرفنا عن قضية رئيسة ومهمة، وهو أن هذه العمليات تؤكد أيضاً أن الاحتلال الأميركي للعراق أصبح بؤرة توتر وقلق، وسبباً رئيساً لحالة الإحباط واليأس التي تجتاح المنطقة العربية، وتسيطر على آلاف الشباب العربي. وقد باتت روح التطرف والعنف والدمار تنتقل من العراق إلى المنطقة المحيطة، وتحوّل العراق إلى مصدر للجماعات والأفراد الغاضبين "عابري الحدود" بعد أن كان بالأمس مستورداً رئيساً لهم. والمفارقة اللافتة للانتباه أن المشتبه بهم في العمليات الأخيرة في الأردن أغلبهم عراقيون يرتبطون حركياً وفكرياً بالزرقاوي، وهو ما يعني أن الاحتلال الأميركي قد وفر للزرقاوي ولجماعات العنف الإسلامي البيئة والتربة المناسبة الخصبة للتجنيد السياسي، وذلك أيضاً في ظل عجز النظام العربي الرسمي عن مواجهة التحديات الخطيرة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

دعاؤنا إلى أرواح الشهداء الذين سقطوا بالتفجيرات بالرحمة والقبول، وللمصابين بالشفاء، والتحدي واضح وصريح ليس أمام الأردنيين وحدهم بل أمام المجتمع العربي والإسلامي بأسره وهو: هل بالعنف وتدمير الذات وبالجنون والفوضى تكمن مقاومة الاحتلال ومواجهة التحديات أم بالتخطيط والعقل الرشيد؟!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply