ينتهي الشوط الأول والنتيجة التعادل بدون أهداف مع استحواذ الفريق الأول على الكرة في الملعب استحواذًا كاملاً.
هكذا نطق المعلق على مباراة الكأس بينما نحن جلوس حول التلفاز، قام أحدنا ليغلق الجهاز لإنقاذنا من طوفان الإعلانات المسيء للعين والأذن حتى يأتي وقت الشوط الثاني.
حقيقة: لست من هواة الاستمتاع بكرة القدم لكن التعبير لفت انتباهي ومدلول الكلمة \'الاستحواذ\' صار واضحًا في ذهني بصورة لم أعمدها مسبقًا، إن الفريق المستحوذ على الكرة في أقصى صورة هو الذي لا يسمح للفريق المنافس بلمس الكرة فضلاً عن استلامها والأقل من ذلك درجة ألا يستطيع الفريق المنافس إذا استلم الكرة العبور بها من منتصف الملعب الخاص به.
يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: {استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ فَأَنسَاهُم ذِكرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزبُ الشَّيطَانِ أَلا إِنَّ حِزبَ الشَّيطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19].
إن استحواذ الشيطان للعبد يلزم منه نسيان ذكر الله، فالعبد لا ينسى الله لكن ينسى ذكره، الذي هو فطرة خلق الإنسان باستحواذ الشيطان عليه، وما يعنينا هنا تأمل صورة من صور هذا الاستحواذ الشيطاني وصلت أقصاها في هذا الزمان والنظر إليها من هذه الصورة سيحل جزءًا كبيرًا من المشكلة.
ولأجل ذلك نتأمل هذا المشهد الذي حدث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة فقد روت كتب السير أن رجلاً من المهاجرين قد تزوج امرأة من الأنصار وكان هذا الحي من قريش يشرح النساء شرحًا منكرًا ولم تكن الأنصار تفعل ذلك، فاستنكرت الأنصارية من زوجها هذا الأسلوب فرفعت الأمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذه الحادثة يستدل بها الأئمة والدعاة والعلماء دومًا لتأكيد أن من حق الرجل والمرأة الزوج والزوجة الاستمتاع على أي شكل كان ما دام الإيلاج في الفرج المباح بأي صورة كانت من الأمام أو من الخلف، ولكن في الحديث معان أخرى عميقة ترسم ملامح المجتمع المدني في العهد النبوي، هذه الملامح في العلاقة الخاصة بين الزوج والزوجة ونأخذ منها ملمحان رئيسيان: ـ
الأول: إن استنكار المرأة الأنصارية لفعل زوجها المهاجري يوحي أنه لم تكن هناك صور متعددة للمجتمع المدني في إتيان الرجل للمرأة دلالة على أن شهوة الجسد كانت تشغل من فكر وعقل الناس حيزًا محددًا، وحجمًا ضيقًا لا تتجاوزه، بما يوحى أن أشكال التعبير عن شهوة الجسد بسيطة فلا يحتاجون إلى تعددها وتغيرها فهي مشبعة لهم.
ومن هنا يمكننا أن ننجح في تفهم المعادلة فالأصل أن شهوة الجسد تشغل في حياة الإنسان حجمًا محدودًا بحيث يضمن لهم السعادة والاستقرار والسكينة فإذا زاد الانشغال في التفكير والتأمل عن الحيز الطبيعي تظهر الحاجة إلى استحداث تعدد في الأشكال وعدم كفاية الصورة الطبيعية، ولن يفهم كلامي هذا حق الفهم إلا من انشغل عقله لفترة في تحقيق شهواته وملذاته فسيجد أن لا يشعب من صوره محددة بل يسعى لتحصيل المزيد من الصور واستحداثها لتحقيق الشبع، ولن يشبع العقل والذهن من مثل ذلك لأنه لم يخلق للتفكير في قضية الشهوة بهذا الحجم ولذا فبدلاً من الدعوة إلى زيادة ثقافية الجماع والعلاقة في الفراش بين الرجل والمرأة وإعادة اكتشاف الجسد ومواطن إثارة الشهوة لا بد من إعادة بناء الإنسان بصورته السليمة وعدم شغل الجزء الأكبر في التفكير بهذا الأمر، نعم المرض، أو من عانوا من انحرافات وشذوذات وغيرها لا بد من إعطائهم صورة تفصيلية للصورة السليمة بالتفصيل ودفعهم إلى تنفيذها في الصورة الواقعية المباحة، لكن ليس ديدننا أن نعلم شبابنا ثقافة الجسد وشهوته بكل صورها والإبداع فيها وإطلاق المجال للخيال للتنويع في صورها.
نعم إن الناظر إلى واقع المجتمع ووسائل الإعلام من قنوات فضائية وانترنت وخلافه ليضحك من كلامنا ويراه غير مطابق للواقع، لكن واقع الشريعة يشهد أن الحدود إنما شرعت لحفظ المجتمع من ظهور الفاحشة فيه واستعلانها، وكذا شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبل لا بد من تحديد الغرض من تعليم الناس الصورة التفصيلية للشهوة وهي إما إقبالهم على الزواج، أو وصول صور فاسدة مخالفة للفطرة إلى أذهانهم فلا بد من تصحيحها، ولكن لا بد من أن يراعي عند تصحيح هذه الصور بيان حجمها الحقيقي في ذهن الإنسان، وأن إعلاء قيمة الجسد هي حقيقة واقع الحضارة الغربية وهي أمر لا يناسب مجتمعاتنا، لقد أصبح الجسد عندهم مادة الاستهلاك والترويج، وأصبح الجسد نفسه مشكلة تؤرق أذهان الشباب المسلمين، فهو إما أن ينساق وراء شهوة هذا الجسد يبحث عن ريه وشبعه ولن يرتوي، وإما أن يئد هذه الشهوة ويقضي عليها.
ويظهر الصنف الثالث الذي يظن نفسه أفضل من الأول والثاني، وهو الذي يمسك العصا من المنتصف وفقا لظنه عن طريق الاستمناء، في النهاية فالصور الثلاثة ما هي إلا علاقة لقيمة الجسد على الروح والنفس، والأصل في الشرع التوازن بينهما.
الملمح الثاني في الحديث: إن المرأة عندما رأت من زوجها فاستنكرته في أسلوب الجماع وطريقته سارعت بالاستنكار بل ورفعت الشكوى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وها هنا ملمحان رئيسان: ـ
الأول: أن المرأة حقًا قادرة على منع زوجها من ارتكاب فعل محرم أثناء الاستمتاع بالعلاقة الشرعية أو ما تعتقد خطأه، حتى تتيقن من حكمه، فالمرأة كاملة الإرادة في هذا الأمر وليست مقهورة لزوجها بل هي شريكة في المسؤولية الشرعية، ولو لم توقف المرأة زوجها عن ارتكاب ما يخالف الشرع في عملية الاستمتاع فلن يوقفه أحد.
والدليل الذي يؤكد ذلك هذا التحذير النبوي الشديد للزوجة أن تتأبى على زوجها عندما يدعوها إلى الفراش، وكيف أن الله يغضب عليها وتلعنها الملائكة حتى تصبح للدلالة والتنبيه أن المرأة قد تستغل مسألة الفراش في الضغط على الزوج لتحصيل طلباتها أو التعبير عن رضاها وغضبها عليه.
إن استحواذ التفكير في الجسد والشهوة على العقول يجعل للجسد القيمة الأولى في المجتمع وعليه يدور التقسيم للبشر ومعاملتهم، إن حقيقة الاستحواذ الشيطاني تكمن في تضخيم قيمة الجسد وشهواته، وقيمة العقل وأهوائه، وتسعى لتقليل حجم الإنجاز الإيجابي في البناء والتعمير في الأرض والنفس البشرية.
إن الفارق بين الحيوان والإنسان في مسألة الشهوة أن الإنسان عقله يقود شهوته، أما الحيوان فشهوته تقوده، لذا ففي الحيوان جعل الله للتناسل والزواج مواسم محددة بتاريخ فيها تثور الشهوة فتدفع للتناسل، أما في الإنسان فالشهوة توجد منذ البلوغ حتى الوفاة.
فإذا تخلى الإنسان عن قيادة شهوته بعقله وجعل لها القيادة صار \'أولئك كالأنعام بل هم أضل\'.
سرحتُ بخيالي وفكري في الشوط الثاني وأنا أتأمل الفريق المستحوذ عليه قد استغل فرجه بين الصفوف وأدراك للخطة لمس الهدف والكرة، واخترق بها حاجز الاستحواذ ليدرك الهدف ويصل إلى الشباك، وتنقلب الدائرة إلى تملك حقيقي للفريق الفائز.
فهل من خطة للتخلص من هذا الاستحواذ الشيطاني على حياتنا حتى يمكننا الفوز والنجاة من هذا الاستحواذ التام لحياتنا وأسلوب معيشتنا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد