الداء الدفين في النفوس هو الذي يذهب رونق ولمعان الإيمان..
كيف لا وهو السخط بعينه؟! السخط على قضاء الحكيم العليم في خلقه. الداء الدفين يجعل صاحبه في منأى وبُعدٍ, عن خصال الخير الحميدة والعادات القويمة.. ويورثه البلادة في الحس والوجدان، يطبع عليه طابع الخسَّة والدناءَة في أعلى صورها ودركاتِهَا.. كيف لا والحقود الحسود قد انشغل عن ذاته وحسِّه ومعالي الأمور التي تقربه إلى علاَّم الغيوب؟! انشغل وتشاغل بمتابعة أحوال الخلق وما منَّ به المولى عز وجل عليهم من نعم ومقدرات ومزايا وأفضال.. فنظر إلى تلك الهبات الربانيَّة بعينٍ, سَوداويَّةٍ, مظلمة، أظلم واسودَّ منها قلبه الذي دنَّسهُ ولطخه بالحقد والحسد.
يا لها من خصلةٍ, ذميمة، وعادةٍ, مقيتة، وسلوك مشين، متمثلة في شخصية جوفاء هزيلة مهزوزة لم ترض بما حباها ومنَّ عليها مولاها به.
فالحاسد الحاقد على أخيه المسلم قلبه يتقطع، ووجدانه ومشاعره تشتعل بنار الحقد، والغل، والحسد.. حمانا الله وحرسنا بعينه التي لا تنام.
وأول حادثٍ, وأول جريمة على وجه الأرض كانت نتيجةً لذلك الداء العفن عندما قتل \"قابيل\" أخاه \"هابيل\" وهما (ابنا آدم) بعد أن تقبل الله من هابيل عملهº لتقواه وإيمانه وسمو أفعاله، فحسده وحقد عليه قابيل فأضمر نيَّة الشر في نفسه الدنيئة التي ملئت حقداً وحسداً. وما كان منه إلا أن ذهب إلى أخيه هابيل المؤمن المصدق بوعد الله وصاح به وتوعده قائلاً (لأقتلنك) وأراد أن يقتل الأخ السعيد الذي تحققت آماله وطموحاته وأن يعتدي عليه بغياً وحسداً وحقداً وجوراًº لأنَّ الله يحبه أكثر منه، وفي ساعةٍ, مظلمةٍ,.. ساعةٍ, وقف أمامها الكون العظيم بكل ما فيه.. وقف شاهداً لكل ما حصل فيها حاضراً لحظاتها متأسفاً على إضاعتها نادماً على ما اقترف فيها.. معزِّياً ومواسياً شاكراً مادحاً لهابيل، ذامَّاً ومنكراً لقابيل في ساعةٍ, أظلم منها النهار وأغضبت الجبار. أقدم قابيل على قتل أخيه وضَرَبه ضربَةً قاضيَةً شنيعة بشعة. فوقع هابيل قتيلاً دون حراك.
ويا حسرتاه على ذلك الفعل.. فامتلأ قابيل بسبب حسده وحقده على أخيه ندماً، وحسرةً، وردَّد بصوتٍ, مخنوق، وفؤادٍ, معذب، ونفس مضطربة (يا ويلتا)º لأن الله جل الله شاء أن يحفظ هابيل وجثته الطاهرة الكريمة بإرسال الغراب يحمل جثة غرابٍ, آخر ووضعها على الأرض وحفر حفرةً في التراب ودفنها فيه.. كل ذلك وقع أمام نظر قابيل! فردَّد ما حكاه الله عنه بقوله: (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين).
فهذه القصة التي حكاها المولى عز وجل في محكم القرآن، وبين فيها تلك الجريمة الشنعاء ما هي إلا نتيجة حتمية لداء الحسد، والحقد الدفين في النفوس، فما ساءت الأحوال، وتقطعت أواصر المحبة، وتصرمت حبال المودة، واندثرت وشائج الأخوة إلا بسبب الحقد والحسد، وعدم التكاتف، والتعاون، والبعد عن تعاليم ديننا الحنيف، كل ذلك نتيجةº لفساد القيم واضمحلال المعين العذب الذي ترد منه أمَّة الإسلام في عهدها الزاهر.
فالبعد البعد.. والفرار الفرار.. عن كل ما يجعلك في دائرة الفشل والتردي والانحطاط والدون، فما رضي إنسان لذاته وكيانه ونفسه بالفشل والتردي والانحطاطية والدونية إلا كان مهاناً ممقوتاً حقيراً في ميزان الحكيم في أفعاله الخبير بعباده، ثم في نظر مجتمعه وقومه (ولا يظلم ربك أحداً).
وليعلم الحاسد الحاقد على إخوانه وعشيرته وقومه أن الخالق القوي له بالمرصاد، وأن الله يمهل ولا يهمل، كما كان سبباً في تعطيل مصالح الناس والإضرار بها وإلحاق الأذى بهم في أنفسهم وأجسامهم وصحتهم وممتلكاتهم.. حتى لربما كان سبباً في إدخال الإنسان إلى عالم البرزخ والقبور! نعم ! هذا هو الواقع المشاهد..
فيا من حسد الناس وحقد عليهم.. أبشر بيوم ينالك فيه سوء عملك وتجزى فيه عن كل ما صنعت وعملت وأضمرت.. نعم إن مصير كل مجرم، إن لم يتب ويتحلل من العباد، مصيره الهلاك والدمار والخسران. وقد ذم الله من كان الحسد سجيته وصفته وأمرنا بالاستعاذة منه، قال - عزّ من قائل -: (قُل أَعُوذُ بـِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَـا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ, إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ, إِذَا حَسَدَ}. وأنكر عز وجل فعلهم فقال: {أَم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ فَقَد آتَينَآ آلَ إِبرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَآتَينَاهُم مٌّلكًا عَظِيمًا..} الآية.
ألا فلتصفو القلوب وتعلو النفوس عن صفات أرذال الخلق، وليعلن كل إنسانٍ, توبته عن كل ما بدر منه من سوءٍ,، أو حسدٍ,، أو حقدٍ,، أو غل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد