محبة الله منزلة عظيمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من المهم أن تحب الله لن الأهم أن يحبك الله

هذه هي الوسائل التي توصلك إلى نيل محبة الله

كثيرون يدعون أنهم يحبون الله، فهل أخذوا بالأسباب الشرعية؟

متابعة - سليمان الصالح:

 

محبة الله..أمنية ورجاء يسعى إليه عباد الله وخاصة الصالحين منهم وهو هدف يسعى إليه الملتزمون بأوامر الله والمنتهون عن نواهيه..ولكن كيف ينال العبد محبة ربه؟ وهل يكفي القيام بالعبادات المفروضة كي يصل العبد إلى هذه المنزلة العظيمة؟ وما دور النوافل والأعمال الصالحة في ذلك، ثم إن هناك الكثير من عباد الله يدعون حب الله فهل سلكوا إلى ذلك الطريق الصحيح الذي بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ المبتدعون والقبوريون يدعون أنهم يحبون الله، فما هو الطريق الصحيح الذي يوصل إلى نيل محبة الله؟ المهم أن يحبك الله وليس فقط أن تحب الله.. هذا الموضوع على أهميته قلما نجد من الدعاة وطلبة العلم من يتحدث حوله، ولهذا تابعنا محاضرة فضيلة الدكتور سعيد بن مسفر حول محبة الله، وهذه المنزلة العظيمة ونقلنا لك جوانب ما بينه ووضحه في هذا الجانب خاصة الوسائل التي توصل العبد إلى نيل محبة الله.

 

أهل الإيمان يحبون خالقهم

يبين فضيلة الدكتور مسفر أن الحب غريزة وضعها الله في خلقه وشعور يميز الإنسان عن بقية المخلوقات، وقد جعل الله - جل وعلا - هذا الشعور وهذا الحب موجها له - سبحانه -، فالذين آمنوا بالله أشد حبا لله، المؤمن لا يتجرد عن بشريته ولكن يضع محبة الله قبل كل حب آخر، فالمؤمنون يحبون كما يحب غيرهم من البشر، لكن المحبوب العظيم والخالد عندهم هو الله، وما وافق هذه المحبة أدرجوها ضمن محبوباتهم وما تعارض مع محبة الله رفضوها.. ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا في الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار، وأن تكون محبوبات الله مقدمة على محبوبات غيره).

نجد المؤمنون يحبون لكن ينطلقون من محبوباتهم إلى دوافعهم وغرائزهمº فالذين كفروا يحبون أصنامهم وآلهتهم والفساق يحبون شهواتهم.. أما أهل الإيمان فيحبون خالقهم ويسألون الله أن يبادلهم هذا الحب، فليس المهم أن تحِب ولكن المهم أن تحب. كل واحد منا يسعى جاهدا أن يكون محبوبا عند الآخرين آباؤنا، أمهاتا، زوجاتنا، إخواننا، أخواتنا، وهكذا حتى تتسع الدائرة التي تشمل الجار والزميل والصديق والرئيس في العمل، فالأهم هو أن تنال حب هؤلاء.. فكيف بمن نال محبة الله؟ وما السعادة تنتظر من نال هذه المحبة الخالدة والحقيقية؟

ولهذا كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يسأل الله حبه يقول - عليه الصلاة والسلام -: (اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يبلغني إلى حبك، اللهم إني أسألك أن تجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد على الظمأ). وفي حديث آخر: (اللهم ازرقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عونا وقوة لي فيما تحب، اللهم ما زويت وصرفت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب).

 

محبة الله منزلة عظيمة

ثم يقول فضيلة الدكتور مسفر: المحبة منزلة من أعظم منازل السير إلى الله، تنافس فيها المتنافسون ورمى إليها بأبصارهم العاملون وشمر إليها المشمرون.. فمحبة الله هي قوة القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون من حرمها فهو من جملة الأموات ومن فقدها فهو في بحار الظلمات، فمن أراد محبة الله جعل حياته كلها في طاعة الله، فما أمره الله هو المحبوب عنده وما نهاك عنه فهو مبغض عندك، ولو ضد شهواتك ولو ضد مصالحك ولو كان أبوك أو ابنك أو عشيرتك أو غيرهم {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22]. ومثل هؤلاء الأقوام ارتضوا بهذه الحياة وجعلوا لهم هدفا وغاية في حياتهم وهو الله وليس غيره، فيه يحبون وفيه يبغضون، من أجله يغضبون ومن أجله يفرحون، حياتهم كلها مع الله وبالله وفي سبيل الله... هذه المحبة من ذاقها وذاق طعمها ذاق جنة الدنيا قبل الآخرة، وذاق حلاوة الإيمان.

 

وأيضا ثمنها غال

المحبة غالية ثمنها المهج والنفوس، وثمنها أيضا التضحية بالشهوات وثمنها الصبر على المكاره وثمنها تقديم محبة المحبوب، ولما كثر المدعون لمحبة الله طالبهم الله بإقامة الدليل على دعواهم، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجى. قال - عز وجل -: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [آل عمران: 31].

يقول ابن عباس: امتحن الله الخلق بهذه الآية، أنت تحب الله، فيقول نعم أحب الله.. ما هو دليلك؟! الدليل الذي أرشدنا وامتحننا الله به هو اتباع النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم - والسير على منهجه والتمسك بسنته، وهنا يكون المرء صادقا في محبته لله، المحب الحقيقي لربه هو الذي يقوم بأمر الله ويتصل قلبه بالله فإن تكلم فبالله وإن نطق فلله وإن صمت فلله وإن تحرك فبأمر الله وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله هذا هو المحب، أما العاصي لله فليس محب لله، لأن أهم مقتضيات المحبة أن تكون طائعا لله منفذا لأوامره مبتعدا عن نواهيه، وكل دعوة لا تتضمن ذلك فهي دعوة باطلة.

 

المهم أن يحبك الله:

ويؤكِد الدكتور ابن مسفر أن القضية ليست هي أن تحب الله فهذا ممكن، لكن المهم أن تنال محبة الله لأن من نال محبة الله أمِن عذابه، فالله لا يعذب من يحب {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرِ ممن خلق} [المائدة: 18] فالمحبوب حتى لو خطأ ما يعذبه صاحب الأمر..

 

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع

 

ويجمع علماء أهل السنة والجماعة أن العبد إذا أحب الله على الحقيقة وصدق في حبه لله فالتزم بأوامر الله وابتعد عن نواهيه نال محبة الله بالضرورة وأصبح محبوبا عند الله لأن الله لا يخلف الميعاد.

 

الله أخبر بمن يحبهم

لقد أخبر الله - جل وعلا - في قرآنه بمن يحبهم وبين - جل وعلا - أوصافهم وأسباب حبه لهم - سبحانه -، يقول - عز وجل -: {الله يحب المحسنين}. فنفر من عباد الله يحبهم الله لأنهم محسنون، والإحسان هو مرتبة من مراتب الدين تنكشف الأمور أمام العبد كأنه يراها فيعبد الله كأنه يراه، تعرض لك الذنوب والشهوات وأنت وحدك ليس معك أحد من البشر ومع ذلك تترك هذه الذنوب لأنك على يقين بأن الله يراك ومطلع عليك فاستحييت منه - جل وعلا - فهذه مرتبة الإحسان لا يبلغها إلا أهل الإحسان ولما كانوا بهذه الدرجة كافأهم الله بأن أحبهم، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله يحب المتقين.

 

والله يحب المتقين: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} [آل عمران: 76].

 

والله يحب الصابرين: {وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146].

 

والله يحب المتوكلين: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} [آل عمران: 159].

 

والله يحب الذين يقاتلون في سبيل الله: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيانِ مرصوصِ} [الصف: 4].

 

والله يحب الذين يرحمون المؤمنين: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين} [المائدة: 54]. وهكذا فاختر لنفسك صفة من هذه الصفات أو خذها كلها كي يحبك الله وأحذر أن تكون من الذين لا يحبهم الله وقد ذكرهم الله أيضا في كتابه - جل وعلا -: {إن الله لا يحب المفسدين} [القصص: 77]، {والله لا يحب الظالمين} [آل عمران: 57]، {والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 23]، {نه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31] {إنه لا يحب المستكبرين} [النحل: 23].

 

كيف تنال محبة الله؟

سؤال مهم ومطروح يجيب عنه الدكتور بن مسفر بذكر بعض الأسباب التي توصل إلى محبة الله، وكما قال ابن القيم - رحمه الله - فإن محبة الله تنال بأمور منها: قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتطبيق والعمل، فالقرآن خطاب الله إلى الناس وقد جعله هدى ونورا إلى الناس، القرآن كتاب الله ومن أحب كلام الله أحبه الله لكن أين الأمة الآن من القرآن؟ أين المسلمين من القرآن تطبيقا وتلاوة.. ؟ بعض الناس ترك تلاوة القرآن وأخذ يبحث عن تمائم يعلقها أو آيات يزخرفها وبعضهم تجده مهتما بمصحف صغير (1سم * 2سم) ويبيعه أو يشتريه للتبرك به وإذا فتحته لم تجد سوى نقط ولا تجد كلام الله إن هؤلاء يعبثون بكلام الله ويضحكون على الناس، البعض يضع كلام الله في الجوالات وهذا إهانة للقرآن وبعضهم يضعه في السنترال هذا كله لا يجوز ولا بد أن نتعامل مع كلام الله كما ينبغي وكما أمرنا.

 

- من أسباب محبة الله دوام ذكر الله لأن المحبوب يحب ذكر محبوبه ومن أحب شيئا أحب ذكره، والمحبون لله لا يفترون عن ذكر الله، يقول ابن القيم (والله لو سلمت منا القلوب وصحت منا القلوب ما شبعت من القرآن ولا من ذكر الله)، وذكر الله هنا هو الذكر المطلق، الذكر العددي، وذكر الأحوال والمناسبات الذكر عند أوامر الله والذكر عند نواهيه.

 

- المحافظة على النوافل بعد الفرائض، الفرائض يحبها الله لكن لا يحب عاملها، يحب عاملها إذا فعل معها النوافل وفي الحديث القدسي (.. وما تقرب إلي عبدي بعمل أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولأن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه.. ) الحديث.

 

- الزيارة في الله.. تذهب لزيارة أخ لك في الله في بيته في قريته ولا تبغي بهذه الزيارة إلا وجه الله لا لغرض دنيوي ولا لطلب أو هدف زائل ولا زيارة مجاملة ولا لرد زيارةº وإنما لوجه الله وحبا في الله، والزيارة لها آدابها المعروفة، فالزيارة مع الاستئناس الذي هو طلب الوقت المناسب للزيارة وبعدها يستأذن.

 

- إيثار محبة الله على الهوى وغيرها من محبوبات الدنيا والتي قد تكون غريزية.

 

- التفكر في فضل الله ونعمه وإحسانه على العبد والاعتراف بهذه النعم وشكر الله عليها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply