الحديث هو عن تلك الشرذمة القليلة والجرثومة الخطيرة، والتي تنخر في جسد الأمة وتزلزل كيان المجتمع، تلك الشرذمة التي ما فتئت ترسم وتخطط وتكيد للإسلام والمسلمين، للفضيلة والحياء والحشمة تحت شعارات ورايات شتى جامعها وضابطها وجوهر مكنونها النفاق.
إنهم المنافقون الذين كادوا دعوة الإسلام من أوائل ظهورها، وهم في عمل دؤوب يظهر أحياناً على السطح ويختفي أحايين كثيرة.
المنافقون الذين حذّر منهم ربنا - سبحانه - وحذر منهم نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لا تزال أياديهم الخفية النجسة تحيلك المؤامرات وتضرب بمعاول الهدم سفينة المجتمع المسلم لتغرقها وأهلها، حيلهم كثيرة ماكرة يمررونها عبر كل ما يمكن أن يتحصل لهم من وسائل وأساليب حتى ولو كانت دنيئة وضيعة، كل ذلك لأجل الوصول إلى غاياتهم، والتي أفصحوا عنها فلم تعد سراً ونطقوا بها بلسان عربي لئيم فلم تعد لغزاً.
ففي الماضي القريب يوم أن كان المنافقون مستخفين كانت أطروحاتهم وكتاباتهم لا تزال تتمسح بالإسلام وتدعي زوراً أنها لا تعارض حكم الله ولا تكره سنة نبيه وإنما هي ترفض التشدد والتطرف، واليوم وقد استقووا بعدونا فَعَلا صياحهم وكشفوا عن مكنون صدورهم إذا بهم يعلنونها صريحة مدوية بأقوالهم وأفعالهم أنهم يحبون الفاحشة ويريدون التحرر من رباط الإسلام والخروج عن حدوده وتشريعاته البالية التي لا تناسب عصرهم، بل تعيق تقدمهم نحو الرقي والحضارة المزعومة.
وإن من أخطر مكائد المنافقين العلمانيين الليبراليين والتي يحاولون من خلالها الوصول إلى أهدافهم، المكيدة القديمة الحديثة المتجددة مكيدة التطبيع نعم التطبيع تحت شعارات الوطنية والمجتمع المدني والتسامح والإنسانية إلى آخر تلك الشعارات البراقة المطاطة المتلونة والتي يستطيع ركوبها كل برٍّ, وفاجر.
والتطبيع الذي نعنيه ليس التطبيع مع اليهود فقط، بل الذي هم مستميتون في تحقيقه اليوم هو تطبيع الفاحشة والمنكر في مجتمعنا والدعوة إلى التعايش معه، تطبيع الرذيلة بكل صورها وألوانها بحيث تصبح أمراً مفروضاً غير مستهجن ولا مستغرب بل أمراً واقعاً لا مفر منه ولا محيد عنه يفرضه الواقع العالمي اليوم والذي تسيره القوى الصليبية وبما أننا جزء من هذا العالم فلا بد من مسايرته والسير في ركابه.
فمقررات المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر بكين وغيره، والتي حذر منها العلماء في وقتها والتي تدعو إلى الاعتراف بالفاحشة وتطبيع ممارستها وتوسيع مفهوم الأسرة كي يشمل حتى الأسر القائمة على علاقات محرمة أو شاذة.
هذه المقررات أصبحنا نرى ونسمع اليوم صداها عن طريق هؤلاء المنافقين أبواق الكفر العالمي.
وهؤلاء المنافقون يريدون تطبيع الرذيلة والمنكر في المجتمع لغايات كثيرة، منها:
- أولاً أن هذا هو ما يريده منهم أسيادهم من اليهود والنصارى فمشاريع التطبيع للفاحشة في المجتمع المسلم هي أولى المشاريع المدعومة من قبل أعدائنا إعلامياً واقتصادياً بل وحتى عسكرياً، وهي السبيل السهل الميسر للعدو إلى الاحتلال.
- والمنافقون يطبعون الفاحشةº لأنهم أيضاً لا يمكن أن تقبل أطروحاتهم وكتاباتهم وفكرهم المنحرف حتى يروضوا المجتمع الرافض لأفكارهم. إذاً لا بد من تطبيعٍ, وتطويعٍ, لهذا المجتمع المحافظ كي يتقبل خبثهم ويتماشى مع انحرافهم.
- وهم أيضاً يمارسون التطبيع للرذيلة حتى لا يصبحوا نشازاً في المجتمع، فانهزاميتهم وارتماؤهم في أحضان الغرب وتشبههم به في سلوكياته الشاذة حتمت عليهم أن يجروا المجتمع إلى ما هم عليه كي لا يكونوا شاذين منحرفين. كما قال - سبحانه - عن أهل الكتاب: \"وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً\" (النساء: من الآية89).
- والمنافقون أيضاً يطبعون المنكر ويشيعون الفاحشة كي يشجعوا كل من في قلبه ميل إلى الشهوات ولكن يمنعه الحياء أو الخوف من المجتمع، فيقولون أقبل ولا تخش أحداً، فالمجتمع كله كذلك الكل يشاركك المنكر والرذيلة وحب الفاحشة، وإذا شاعت الفاحشة وتشربتها النفوس سهل عليهم نبذ أحكام الشريعة، بل والسخرية منها لأنها هي التي تحول بين النفوس وبين ما اعتادت عليه وتطبعت به، وحينها يسهل على المنافقين أمركة المجتمع وتهيئته لكل ما يريده من عدوه.
وللمنافقين العلمانيين الليبراليين في تطبيع الرذيلة والمنكر وسائل متعددة وكثيرة..نعرض لبعضها كي يحذرها كل مؤمن ومؤمنة.
فمن وسائلهم لتطبيع الرذيلة:
- محاولة شرعنة المنكر وإضفاء طابع الإسلامية عليه حتى لا تنفر منه النفوس في بادئ الأمر، وذلك باستغلال بعض خلافات أهل العلم وتصيد سقطاتهم أو محاولة التمسح بأهل العلم والإيحاء لبسطاء الناس بأن أهل العلم في صفهم وموافقون لما هم عليه.
وإنه لمن المؤسف أن تنطلي حيل هؤلاء المنافقين على بعض من ينتسب إلى العلم فيتجاوب لبعض ما يريدون عن غفلة وحسن ظن، والله - سبحانه - يقول: \"يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لا يَألُونَكُم خَبَالاً\" (آل عمران: من الآية118).
- ومن وسائلهم أيضاً في تطبيع الرذيلة والمنكر محاولة إظهار أن الذين يرفضون ما هم عليه وما يدعون إليه من الفاحشة إنما هم شرذمة من المتشددين ليسوا من أهل العلم وكأنهم يقولون بأن المجتمع بكافة طبقاته يوافقهم على ما هم عليه وبذلك يسهل عليهم اصطياد البسطاء والمغفلين وجرّهم إلى مستنقعهم القذر.
- كذلك من وسائلهم الخطيرة، بل هي أخطر الوسائل لتطبيع الرذيلة والمنكر تلك هي البرامج والمسلسلات عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي من خلالها يصور المجتمع وكأنه لا يمكن أن يعيش ويسعد إلا مع وجود هذه المنكرات الأخلاقية والسلوكية التي يبثونها وتتسلل إلى عقول الناس وطباعهم من حيث لا يشعرون، وإذا بهم بعد زمن يمارسونها على أرض الواقع أو على الأقل لا يستنكرون على فاعلها.
- كذلك من أخطر وسائل المنافقين في تطبيع الرذيلة ونشر الفاحشة هو التطبيع عبر القصة والرواية والفكرة والخاطرة والمقال في الصحف والمجلات والكتب فيصور الكاتب عبر مقاله أو عبر روايته يصورون المجتمع أو بنات المجتمع على أنهن متحررات من كل قيود الفضيلة والأخلاق والشريعة.
وإنه لمن المؤسف أن تجد التسابق المحموم من هؤلاء المنافقين ليصفق بعضهم لبعض ويشيد بعضهم ببعض على روايته أو مقالته والتي نفث فيها كل كذب وافتراء في سبيل تطبيع الرذيلة.
ولا أدل على ذلك من ذلك التسابق المجنون للكبير والصغير من المنافقين والمنافقات والمغفلين والمغفلات للإشادة برواية ماجنة والرفع من شأنها وشأن المراهقة التي كتبتها، فهذا العويل والصراخ لا شيء إلا لتطبيع المنكر وكسر حاجز الخوف والتردد في نفوس بناتنا وأبنائنا ودفعهم إلى الإقبال على الفاحشة والصداقة والغرام والانحلال والانعتاق من رباط الأسرة والفضيلة والخلق الكريم.
وفي المقابل لا نجد لهؤلاء الكتّاب والمطبلين من المنافقين والمنافقات أي دور في نشر الفضيلة أو الإشادة بالأعمال الإيجابية والتي تدعم مسيرة العلم وحضارة العفة والحياء.
وصدق الله: \"وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيماً\" (النساء: من الآية27)، \"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً\" (الأحزاب: من الآية33).
- كذلك من وسائلهم المضحكة أن يتبجحوا باستغلال قضايا الإرهاب فيسخر أحدهم بعقول الناس ليصور لهم أن الأعمال الإرهابية التي أصابت البلاد كشفت عن ضرورة أن يكون للثقافة والفنون أي من مثل هذه الروايات الماجنة دور في التصدي لقوى التطرف.
وفي هذا استخفاف بعقول الناس والعقلاءº لأنهم يعلمون أن التطرف والغلو لا يمكن أن يعالج بتطرف وغلو من الجهة المقابلة بل يواجه بالرجوع إلى الكتاب والسنة وأهل العلم الراسخين الربانيين أما روايات الرذيلة ومسلسلات العهر والسخف والتهريج فليست إلا وقوداً لإشعال الغلو والتطرف، حتى وإن حاول المطبلون والمنافقون ادعاء الإصلاح والخوف على مصلحة الوطن ومصالحه.
إن تطبيع الرذيلة والمنكر صوره متعددة وطرقه كثيرة وقد بدأنا نشهدها للأسف في مجتمعنا، ومن ذلك تطبيع مظاهر الفساد الأخلاقي، وذلك في التجمعات والمجمعات التسوقية والترفيهية، كذلك تطبيع إفساد المرأة عن طريق تطبيع الاختلاط وتطبيع عملها في كل مكان وبدون ضوابط، تطبيع العلاقة بين البنين والبنات بحيث يعتاد المجتمع الصداقة البريئة والخلوات العفيفة..
- ومن صور التطبيع والتي بدأنا نشهدها بصورة فاضحة وهي تصب في تسهيل المنكر وتطبيعه هو التطبيع الثقافي، وذلك عن طريق تطبيع كل ما من شأنه إشاعة ثقافة التملل والكفر والإلحاد بتجريء الناس والمجتمع على نقد أحكام الشريعة، بل حتى رفضها والتعدي على أهل العلم والتنقص لهم والتقليل من شأنهم وحاجة الأمة لهم، في مقابل تعليق الناس والناشئة بالنماذج المنحرفة من مفكرين ملاحدة أو مهرجين فسقة أصحاب مهنة العري والغناء والفن العفن.
إن مجتمعنا لا يزال بحمد الله بخير، ولا تزال مظاهر العفة والدين والأخلاق والحياء هي طابعه وهي معدنه، ولئن وُجد في مجتمعنا شرذمة قليلة يحبون الفاحشة ويعشقونها ويحبون نشرها في الذين آمنوا، فإن الملايين من أهل هذه البلاد خاصة يحبون العفاف والمروءة ويحافظون على أعراضهم ودينهم ولا يرضون بما يطرحه هؤلاء المنافقين.
ولا يعني وقوع بعض المسلمين في بعض المنكرات أنه يقرها في أهله أو مجتمعه فكلنا نخطئ ونعصي، ولكننا نخاف الله ونتوب إليه ولا نرضى المعصية والمنكر بخلاف هؤلاء المنافقين الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
إن من أهم الوسائل في دفع تطبيع الرذيلة:
- أولاً: القيام بما أوجب الله من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن سكوت المجتمع على مثل هذه المنكرات حتى يتطبع بها الناس هو أعظم جرم وأخطر أمر يقوض بنيان المجتمع ويقتلع غراسه.
وما لعن بني إسرائيل إلا لأنهم سكتوا عن المنكر فيما بينهم حتى تطبعوا به فلعنهم الله جميعاً \"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ\" (المائدة: 78، 79).
قال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن \"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ\" الآية\" أخرجه أبو داود والترمذي.
- ومن أهم وسائل دفع تطبيع المنافقين تطبيع جهادهم بالقلم واللسان عبر كل وسيلة إعلامية وكشف تلبيسهم وخداعهم وفضح مخططاتهم وتحذير الناس منهم ومن السماع لهم.
- كذلك من أهم وسائل دفع تطبيع المنافقين عدم الركون إليهم واتخاذهم بطانة وائتمانهم على عقول المسلمين وعوراتهم، بل الواجب نبذهم ومعاداتهم ووعظهم كما أمر الله - سبحانه -.
- كذلك من أهم وسائل دفعهم الرجوع إلى أهل العلم وحثهم على منابذة هؤلاء المنافقين وكشف شبههم وإظهار عوارهم وتحذير ولاة الأمر منهم حتى يسلم المجتمع من شرهم.
إخوة الإيمان: أبشروا وأملوا خيراً..
فإن هذا الكيد المنظم والمكر الدائب لو وُجه إلى أي نحلة أو ملة غير الإسلام لعفت آثارها من قديم، ولكن الحق أصيل والباطل دخيل.
وإن آثار الهجمة العلمانية الليبرالية على بلاد المسلمين وإن تنوعت أشكالها وألوانها فإن تفاعل الأمة معها وقبولها لها ونفوذها في أعماق المجتمع المسلم لا تزال محدودة ولا تزال مظاهر الفساد والانحلال والأفكار الفاسدة في مجتمعنا حبيسة عقول ما يسمى بالنخبة الخائبة.
ولولا أنهم يمتلكون كثيراً من وسائل الإعلام لما علت أصواتهم وظهر نعيقهم ولكنها فقاعات لا تلبث وتتلاشى.
ومع ذلك فإن سنة الله غالبة وسنته - سبحانه - في الذين كفروا ونافقوا لا تتبدل ولا تتغير ولا تتخلف وهي أن دين الله غالب وأن العاقبة للمؤمنين وأن نصر الله قريب من الذين آمنوا إذا انتصروا على أنفسهم ونصروا الله.
\"لَئِن لَم يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً مَلعُونِينَ أَينَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبدِيلاً\" (الأحزاب: 60-62).
فمع وجود أولئك المنافقين ومن سار في ركبهم من المرضى والمرجفين، وما يخطط له هؤلاء للصد عن سبيل الله بشر الله عباده المؤمنين أن الغلبة لهم على أولئك وأن تلك هي سنة الله التي قضى وحكم بها - سبحانه -، حتى ولو تسلط العدو الكافر فأفسد على المسلمين عقائدهم وتصوراتهم واقتصادهم وتعليمهم وإعلامهم حتى ولو ساعده على ذلك العدو الداخلي من المنافقين والمتصوفة والرافضة والزنادقة العلمانيين والملحدين باسم التعايش السلمي وتطبيع الثقافات.
فالله - سبحانه - قضاؤه هو النافذ وحكمه هو الحاسم \"كَتَبَ اللَّهُ لَأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيُّ عَزِيزٌ\" (المجادلة: 21)، \"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ\" (يوسف: من الآية21).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد