تعريف الكذب
قال ابن منظور: الكذب نقيض الصدق. كَذَبَ، يَكذِبُ، كَذِبًا، وكِذبًا، وكِذبةً، وكَذبَةً هاتان عن اللحياني. وكِذابًا وكِذَّابًا.
وقال_أيضًا: ورجلٌ كاذبٌ، وكَذَّابٌ، وتِكذَابٌ، وكذوبٌ، وكَذُوبةٌ، وكُذَبةٌ مثل هُمَزَةٍ,، وكَذبانٌ، وكَيذَابانٌ، وكَيذُبانٌ، ومَكذَبانٌ، ومَكذبانةٌ، وكُذُبذُبانٌ، وكُذُبذُبٌ، وكُذٌّبذُبٌ.
وحقيقة الكذب هي الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، وليس الإخبار مقصورًا على القول، بل قد يكون بالفعل، كالإشارة باليد، أو هز الرأس، وقد يكون بالسكوت.
دوافع الكذب
أما دوافع الكذب فكثيرة، منها:
1- الخوف من النقد.
2- الخوف من العقاب أو العتاب.
3- إيثار المصلحة العاجلة.
4- قلة مراقبة الله والخوفِ منه.
5- اعتياد الكذب وإلفه.
6- البيئة والمجتمع.
7- سوء التربية.
إلى غير ذلك من دوافع الكذب.
ذم الكذب وأهله
لا شك أن الكذب عمل مرذول، وصفة ذميمةº فهو من خصال النفاق، ومن شعب الكفر، بل إن الكفر نوع من أنواعهº فالكذب جنس، والكفر نوع تحته(1).
والكذب من أسباب رد القول، ونزع الثقة من الكاذب، والنظر إليه بعين الخيانة.
والكذب دليل ضَعَة النفس، وحقارة الشأنº وخبث الطوية.
والكذاب مهين النفس، بعيد عن عزتها المحمودة.
والكذاب يقلب الحقائقº فيدني البعيد، ويبعد القريب، ويُقبِّح الحسن، ويُحَسِّنُ القبيح.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - محذرًا من الكذب: (وإياكم والكذبَ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لَيَكذِبُ حتى يكتبَ عند الله كذاباً(2)).
قال الماوردي: (والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذمٍ,ّº لسوء عاقبته، وخبث نتائجهº لأنه ينتج النميمةَ، والنميمةُ تنتج البغضاءَ، والبغضاءُ تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحةº ولذلك قيل: من قلَّ صدقُه قلَّ صديقُه(3).
وقيل في ذم الكذَّاب: \"لا تطلبوا الحوائج من كذابº فإنه يقربها وإن كانت بعيدة، ويبعدها وإن كانت قريبة\"(4).
وقيل: \"ليس لكذوب مروءة، ولا لضجور رياسة\"(5).
وقال رجل لأبي حنيفة: ما كذبتُ قط، فقال: أما هذه فواحدة(6).
وقيل في منثور الحكم: الكذاب لصٌº لأن اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك(7).
وقال بعض الشعراء:
وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال
من الكذب الذي لا خير وأبعد بالبهاء من الرجال(8)
وقال آخر:
إذ ما المرء أخطأه ثلاثٌ فَبِعهُ ولو بكفٍّ, من رمادِ
سلامةُ صَدرِه والصدقُ منه وكتمانُ السرائرِ في الفؤاد(9)
وقال الحسن: الكذب جماع النفاق(10).
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: \"إياك أن تستعين بكذوبº فإنك إن تُطِع الكذوب تهلك\"(11).
وقال ابن حبان: \"اللسانُ سبعٌ عقورº إن ضبطه صاحبه سلم، وإن خلى عنه عقره، فالعاقل لا يشتغل بالخوض فيما لا يعلم، فيتهم فيما يعلمº لأن رأس الذنوب الكذب، وهو يبدي الفضائح، ويكتم المحاسن\"(12).
وإن مما يؤسف عليه في هذه الأزمان المتأخرة كثرةَ الكذب، وقلةَ الصدقº فما أقلَّ من يصدق في حديثه وعلاقاته ومعاملاته.
من مظاهر الكذب
من مظاهر الكذب المنتشرة بين الناس ما يلي:
1_ الكذب على الله ورسوله: كحال من يفتي بغير علم، ويقول على الله ورسوله الكذب، فَيَضِل، ويُضِل، ويَهلِك، ويُهلكِ.
قال_- تعالى -: (( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُم الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ))(النحل: 116).
وكحال من يكذب على رسول الله فتجد من يكذب عليهº للترغيب أو للترهيب، أو لترويج بدعة أو ضلالة، أو غير ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتواتر: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(13).
2_ الكذب في البيع والشراء: كحال من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة، ومن يغش المشتري بجودة بضاعته، فما أكثر ما يقع هذا بين الناس، مع عظم خطورته وشدة الوعيد فيه قال - صلى الله عليه وسلم -: (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب)(14)، وقال: (من غشنا فليس منا)(15)، وقال: (من غشَّ فليس مني)(16).
3_ الكذب لإفساد ذات البين: فبعض الناس - عياذاً بالله - لا يهدأ له بال ولا يقرّ له قرار حتى يفسد ذات البين، ويفرق شمل المتحابين، فتراه يختلق الأقاويل، وينسج الأباطيل تلو الأباطيل ليفسد بذلك ذات البين، ويحل محلها القطيعة والبين، فهذا العمل بلية عظيمة، ورزية جسيمةº فكم تقطعت لأجله من شواجر، وكم تَفَصَّمَت من روابط، وكم تحاصَّت من أرحام، ولا يقوم بهذا الصنيع إلا دنيء النفس حقيرها، فإصلاحه عزيز، والحيلة معه قليلة، وصدق من قال:
لي حيلة فيمن ينم وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليـــــــــله(17)
4_ الكذب لإضحاك السامعين وتشويقهم: فتجد من يكذب في مجامع الناس ومجالسهم حتى يُصَدَّر في المجلس، ولأجل أن يستظرفه الناس، ويستطرفوا حديثه ويستعذبوهº فتراه يأتي بالغرائب، ويغرب في العجائب، ويسوق ما لا يخطر ببال، ولا يدور حول ما يشبهه خيال.
5_ الكذب للمفاخرة في إظهار الفضل: فهناك من يكذب ليفاخر أقرانه، ويظهر فضله عليهم، فتراه يدَّعي العلم، ويظهر الفضل، ويتشدق بكثرة الأعمال والإحسان إلى الناس، وهو عاطل من ذلك كلهº فلا فضل لديه، ولا علم عنده، ولا إحسان يصدر منه، وإنما يكذب في ذلك كله ليظهر فضله، ويفاخر أقرانه، ومنهم من يكون صاحب فضل وإحسان، ولكنه يبالغ في وصف أعماله وأفضاله وإحسانه إلى الناس، مما يدخله في باب الكذب، ويجعل الآذان تَمُجٌّه، والقلوب تنفر منه.
6_ الكذب على المخالفين تشفِّياً منهم ونكايةً بهم: فهناك من إذا خالفه أحد أو كان بينه وبين أحد عداوة بدأ يبحث عمّا يشفي غليله من هذا المخالف أو المعادي، فتراه يكذب عليه، ويلصق التهم به، ويغري به عند أصحاب المناصب وأرباب الولاياتº رغبة في إلحاق الأذى بهذا المخالف أو المعادي.
7_ الكذب المقرون بالحسد: فهناك من إذا رأى أحداً من الناس متفوقاً في العلم، أو مترقياً في الفضائل، أو غير ذلك يحسده على ذلك، فيقلل من شأنه، ويرميه بكل نقيصة، ويتهمه بما ليس فيهº حتى يصرف الناس عنه، ويشككهم في إخلاصه وصدقه وجدارته.
8_ الكذب في المطالبات والخصومات: فقلَّ من يصدق حال المطالبات أو الخصومات، وهذا ما يشاهد مراراً وتكراراً عند الخصومات في المحاكم وغيرها، وعند حوادث السيارات، فقل أن تجد من ينصف من نفسه، ويقر بخطئه، بل تجد من يكذب كي لا يكون الحق عليه فيتحمل تبعته.
9_ الكذب للتخلص من المواقف المحرجة: كحال من يكذب على والديه، أو مدرسيه، أو مسؤوليهº خوفاً من العقاب أو العتاب.
10_ المبالغة في القول: كحال من يبالغ في تصوير حدث أو قضية مبالغة تجعل السامع يفهم منه أكثر من الحقيقة.
11_ حذف بعض الحقيقة: كحال من يحذف من الكلام ما لا يروقه، ولا يوافق هواهº لأجل أن يصل إلى غاية تهواها نفسه.
أما من حذف من الكلام ما لا يخدم مصلحة عامة، أو جمعَ كلمةٍ, أو نحو ذلك فلا يدخل في قبيل الكذابين، بل هو مصلح محسن.
12_ الكذب على النفس: كمن يحاول أن يقنع نفسه بأنه بذل ما في وسعه، واستنفذ كل طاقته، لأداء ما يجب عليهº ليسلم من عتاب النفس وتوبيخها، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئاً من ذلك.
13_ الكذب لتسويغ الأخطاء: فما أكثر ما يقع ذلك، فهذا يكذب ليسوغ بخله، وهذا يكذب ليسوغ قسوته، وهذا يكذب ليسوغ تقصيره أو إساءته، وهكذا...
14_ الكذب لاستدرار العطف، وكسب المؤيدين: كحال من يكذب في مسألة الناس واستجدائهم، فتراه يظهر الفقر والفاقة، ويوهم بأن الديون قد ركبته، ولم يعد له طاقة في سدادها، أو يزعم أنه مريض، أو يقوم على رعاية مريض، وربما حمل معه صكَّاً يوهم أنه معسر ومحتاج إلى المساعدة، وكحال من يكذب لكسب المؤيدين، أو لترويج فكرة يدعو إليها.
15_ التملق لأرباب الثراء وأصحاب المناصب: فمن الناس من يتزلف لهؤلاء، ويمدحهم بما ليس فيهم، ويخلع عليهم صفات لا يستحقونها، مع علمه أنهم أقل من ذلك، وأنهم لا يستحقون ما أُضفي عليهم، ولكنه يتملقهم، ويتزلَّف إليهمº لينال عندهم مالاً أو حظوةً أو جاهاً.
16_ الكذب في دعوى المحبة والصداقة: وذلك كحال من يدعي محبة فلان أو فلان من الناس، ويدعي لمن يقابلهم أو لبعضهم أنهم أقرب الناس إلى قلبه، وأنهم أعزّهم إليه، وإذا خلا عنهم عضّ عليهم الأنامل من الغيظ، وسلقهم بلسان حادٍّ, يقطر ضغينة وحقداً، ولا ريب أن ذلك مخالف للمروءةº فإن من أعظم آداب صاحب المروءة أن يكون صريحاً صادق اللهجة، مترفعاً عن النفاق والمواربةº فلا يبدي لشخص الصداقةَ وهو يحمل له العداوة، ولا يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفاً عن سواء السبيل، قال الحكيم العربي:
فسرِّ كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
والمراد أن صاحب المروءة لا يتخذ الظهور بخلاف ما يضمر عادة له، كحال ما يفعله قوم لا تشمئز نفوسهم من التملق والرياء، أما إذا اقتضت الحكمةُ إخفاءَ بعضِ ما يضمر من نحو العداوة والصداقة فذلك من مكملات المروءة.
17_ نقل الأخبار الكاذبة: كحال من ينقل الأخبار الكاذبة مع علمه بكذبها، فمن كان هذا دأبه فهو كذاب، ومشارك للكذاب في الإثم.
18_ الكذب السياسي: الذي يقوم على القاعدة الميكافيلية التي تقول: إن الغاية تبرر الوسيلة+ أو الغاية تسوغ الواسطة( 18)، وهذه القاعدة الفاجرة الكافرة يأخذ بها غالبية السياسيين.
ومن الأمثلة على ذلك ما نراه من حال من يتقدمون لترشيح أنفسهم لرئاسة دولة من الدول، فترى الواحد من هؤلاء يسعى لكسب المؤيدين، واستقطاب الأصوات ليفوز بالانتخابات ويتربع على كرسي الحكم، فتراه يسلك في ذلك السبيل ألواناً من الزيف والكذب والخداع، وتخدير الشعوب بالأماني الباطلة، والوعود المعسولة الكاذبة.
وما إن يستولي على الأمد، ويحرز قصب السبق إلا ويتنكر لمن أيده، ويقلب لهم ظهر المجن، فيستبد بالثروات، ويتلاعب بالمقدرات، ويسوم الشعوب سوء العذاب.
19_ الدجل الإعلامي: الذي يقلب الحقائق، ويُلِبس على الناس، فيرفع الأقزام، ويضع الأعلام، ويغري بالرذيلة، ويزري بالفضيلة، فيالله كم أفسد من عقول، وكم قلب من حقائق، وكم برَّأ من مفسد مجرم، وكم نال من مصلح بريء.
20_ التوسع في باب المصلحة: فمن الناس من يتوسع في باب المصلحة، فتجده يتأول لنفسه الكذب باسم المصلحة، فيبطل الحق، ويحق الباطل، ويبرئ المتهم، ويتهم البريءº زعماً منه أن يحسن صنعاً، وأنه لم يكسب إثماً، وأنه يروم المصلحة، ويدفع المفسدة، ولا شك أن الذي يصلح بين الناس، ويقول الخير، أو ينمي الخير ليس بكذاب، أما من يتوسع في باب المصلحة، ويرخص لنفسه الكذب فيما لا مصلحة تحته، أو فيما هو ضرر على الآخرين فلا شك أنه قد وقع في المحذور شَعُر أو لم يشعر، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيراً، أو ينمي خيراً).
قال ابن شهاب: ولم أسمع يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس كذبٌ إلا في ثلاثٍ,: الحربُ، والإصلاحُ بين الناس، وحديثُ الرجلِ امرأتَه، وحديث المرأةِ زوجَها(19).
قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى- في شرح هذا الحديث: قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟
فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم\": ((بل فعله كبيرهم))، ((وإني سقيم))، وقوله: ((إنها أختي))، وقول منادي يوسف : ((أيتها العير إنكم لسارقون)).
قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد الظالم قتل رجل هو عنده مُختَفٍ, وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو.
وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلاً، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا: المرادُ به التورية، واستعمال المعاريض لا صريح الكذب، مثل أن يَعِدَ زوجته أن يحسن إليها، ويكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلكº وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه.
وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاماً جميلاً، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك، وَوَرَّى.
وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه مات إمامكم الأعظم، وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غداً يأتينا مدد أي طعام ونحوه، هذا من المعاريض المباحةº فكل هذا جائز.
وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض والله أعلم.
وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود، والوعد بما لا يلزم، ونحو ذلك.
فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين والله أعلم(20).
21_ المبالغة في المعاريض: لا ريب أن في المعاريض مندوحةً عن الكذب، ولكن هناك من يبالغ في المعاريض، ويتوسع فيها توسعاً يخرجه عن طوره، ويجعله يدخل فيها ما ليس منها، فتجده يقلب الحقائق، وينال من الآخرين، ويُلبس عليهم، ويحصل على مآربه بالمراوغة والمخاتلة، مما يوقعه في الكذب، فَتُفقَدُ الثقة به، وبحديثه.
أما إذا اقتضت الحكمة أن يلجأ الإنسان إلى المعاريض_فلا بأسº ذلك أن الإنسان في هذه الدنيا معرض للبلاء، ومن أشد البلاء ما يمنعك من أن تقضي حقَّ فضيلةº فقد يلاقي الإنسان حالاً ترغمه على أن ينطق بما يكره، أو أن يسلك في القول ما لم يألف، ولو وقف على علم الأخلاق أمام هذه الأحوال المُرغِمة صلباً جامداً لضاقت سبيله، ولوجدت بعض النفوس مناصاً للخروج عليه، إلا أن علم الأخلاق الذي أرسى الإسلام قواعده، ورفع مناره فسيحُ الصدر بمقدار ما يسع مقتضيات الحياة الفاضلة.
فصدق اللهجة يعد من الفضائلº نظراً إلى ما هو شأنه من حفظ المصالح ودرء المفاسد، ولو عرضت على وجه الندرة حالٌ يكون حديث الرجل فيها على نحو ما يعلم جالباً عليه، أو على غيره ضرراً فاحشاً لوجد في نظام الأخلاق مرونةً تسمح له بأن يصوغ حديثه في أسلوب لا يجلب ضرراً.
فإذا وقع الإنسان في حال لا يليق معه التصريح بأمر واقع، ولم يكن بدُّ من أن يقول في شأنه شيئاً فها هنا يُفسَحُ له أن يأخذ بالمعاريض.
والمعاريض: هي ألفاظ محتملة لمعنينº يفهم السامع منها معنى، ويريد المتكلم منها معنى آخر، وإن شئت فقل: هي ألفاظ ذات وجهين، أحدهما: غير حقيقة، وهو ما يسبق إلى فهم السامع.
وثانيهما: حقيقة، وهو ما يقصده المتكلم.
فهذه الحالة لا تخرج المرء من أهل الصدق، ولا تلحقه بزمرة الكذابين.
وهذا ما يفعله الذين أشربوا صدق اللهجة متى عرفوا أن في القول الصريح حرجاً، أو خطراً(21).
22_ الكذب على الأولاد: فكثيراً ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار رغبةً في التخلص منهم، أو تخويفاً لهم كي يكفٌّوا عن العبث واللعب، أو حفزاً لهم كي يجِدّوا في أمر ما، أو غير ذلك...
هذه بعض المظاهر الشائعة في الكذب.
____________________________
(1) رواه البخاري 10/422، ومسلم (2607) .
(2) أدب الدنيا والدين، ص 262.
(3) المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص 443.
(4) المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص 443.
(5) المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص 443.
(6) أدب الدنيا والآخرة، ص 261.
(7) أدب الدنيا والآخرة، ص 261.
(8) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي، ص 53.
(9) مساوئ الأخلاق و مذمومها للخرائطي، ص 65.
(10) مساوئ الأخلاق و مذمومها للخرائطي، ص 65.
(11) المصدر السابق، ص 67.
(12) روضة العقلاء، ص 53.
(13) رواه البخاري 1/35، ومسلم 1/10 برقم (4) .
(14) رواه البخاري 3/78، ومسلم 11/44.
(15) رواه مسلم 1/99 برقم (101) .
(16) رواه مسلم 1/99 برقم (102) .
(17) بهجة المجالس لابن عبد البر 1/404 وينسب إلى منصور الفقيه.
(18) الميكاليفية أسلوب في المعاملات يتسم بالخداع والمراوغة والغدر والمخاتلة، مبني على مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة، وهذا المبدأ ينسب إلى المفكر الإيطالي (ماكيافيلي 1469 _ 1527) رائد هذا المبدأ، والذي سجله في كتابه الأمير وقدمه لأحد ملوك أوروبا في القرون الوسطى، انظر : القاموس السياسي لأحمد عطية، ص 1105_1106.
(19) أخرجه مسلم (2605) .
(20) صحيح مسلم بشرح النووي 16/157_158.
(21) انظر : رسائل الإصلاح 2/100.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد