نحن نُعتبر جزءاً منهما، جزءاً من جسدهما ومن ملامحهما، من عاداتهما وتقاليدهما، من تراثهما وتاريخهما وهواياتهما، إنهما والدانا.
إننا نسخة مقلدة بالضبط لكل ما يقومان به من أعمال، نحن نعجب بأعمالهما مهما كان حجمها في مسيرة الحياة، نسير مسيرهما، ونقلد حتى هواياتهما، وهما بالنسبة لنا بمثابة القدوة في حياتنا، إنهما يشكلان حياتنا ونحاول قدر طاقتنا تقليد حياتهما الخيّرة.
يعتاد الطفل منذ نعومة أظفاره على توجيهات والديه، يحترمهما ويعمل كل ما في وسعه لإرضائهما في كل طلباتهما، سواء أكانت مادية أو معنوية، وعادة ما يحاول الوالدان تنشئة طفلهما بصورة مشرفة بحيث يتمنى كل منهما أن يصبح طفلهما أحسن منهما حالاً و في حياته مستقبلاً.
فإذا كان الوالد يعمل مزارعاً، فهذا يعني أنه يضطر للخروج في الصباح الباكر أيام البرد القارص، وقد تصاب قدماه بداء الروماتيزم، هذا الأب الذي يعيش معاناة يومية جراء عمله يتمني أن يصبح ولده إما مهندساً أو طبيباً أو مدرساًº أي يصبح في وضع أحسن مما هو عليه، لذا نجد الوالد يحاول غرس حب العلم والدراسة في نفس طفلهº حتى يصل لتلك المكانة المرموقة التي يتمناها له.
إنهما يحاولان بشتى الطرق خلق نسخة منهما، لكن يحاولان جهد طاقتهما تشكيلها بصورة أحسن من صورتهما بالحياة، ما أمكنهما ذلك، وفي كثير من الأحيان يتقبل الطفل توجيهات والديه ويصبح مثلما أرادا له، ولكن أحياناً أخرى يجد الأهل إصراراً من أولادهما في ممارسة العمل ذاته الذي يمارسه الأب، عندها يدرك الوالد أن طفله لا يحب ممارسة نفس العمل الذي مارسه فيحترم رغبته ويتركه يمارسه.
في أغلب الأحيان يعامل الوالد أبناءه على أنهم صغار مهما كبر سنهم، فيبقى الرجل في نظر والديه ذلك الطفل المحتاج دوماً لتوجيهاتهما ورعايتهما بجانب عوامل الحب والحنان.
ومما لاشك فيه أنه ليس هنالك من يحب كحب الوالدين، فكل الناس لا يودون أن يتفوق عليهم أحد في إجادة الأعمال إلا الوالدان، فإنهما يتمنيان أن يصبح طفلهما الأفضل منهما في جميع الأعمال ويحاولان غرس هذه الروح حتى يرتقي طفلهما سلالم المجد.
حينما يتقدم الوالدان في العمر - يحاولان جهد طاقتهما إخفاء عجزهما المبدئي بحيث لا يشعر به أحد حتى ولو كان أبناءهما، إذ عادة ما يصابان بضعف في النظر، ووهن في جسمهما وتساقط لبعض أسنانهما، وعدم المقدرة على صعود الدرج، أو المشي لمسافات طويلة......... الخ.
يشعر الوالدان بالحرج من ذكر ما يشعران به من وهن وعجز ويحاولان بشتى الطرق إخفاءه عن أبنائهما ولكن رغماً عن ذلك فلا يخفى هذا عن الأبناء المقربين جداً لوالديهما، حيث إنهم رافقوهم وعرفوهم في أيام القوة والشباب وقد يلحظوا هم قبل غيرهم التغيرات التي بدأت تظهر على والديهم.
إذا حدث أن أصيب أحد الوالدين بحادث ما، مثلاً إذا التوي كاحل قدمه في أحد الحفر، فإن أبناءه سيقفون معه ويصبح الموضوع واضحاً، أما إذا لم يصب بأي حادث يصعب بعدها عليهم مراقبتهم وطلب مساعدتهم، لاسيما وأن الوالدين لم يعتادا أن يطلبا من أحد ذلك، حيث يشعران بأنهما عاشا طوال حياتهما في عزة وكرامة وشرف لا يحتاجان لأحد البتة.
إذن ماذا يفعل الأبناء لإقناع والديهم بضرورة مساعدتهما والوقوف بجانبهما كرد لدين سابق مهما فعلوا لن يستطيعوا إيفاءه؟
يجب على الأبناء التحايل على والديهم وبطريقة لا تشعرهما بأنهما محتاجان للمساعدة بحيث ترفع الحرج عن وجههما وأن يضفوا على الموضوع روح الدعابة والمرح بحيث يتقبل كل منهما المساعدة، مثلاً إذا اعتلت الوالدة الدرج وأبناؤها يعلمون أنها سوف تعاني جراء ذلك، يجب دعمها بواسطة أحدهم بأن يسندها بإحدى يديه ليساعدها على اعتلاء تلك السلالم وهكذا.
ويجب أن نتذكر دوماً أنهما حملانا صغاراً وسهرا معنا الليالي الطوال يعانيان أكثر منا حينما نصاب بالمرض، يفرحان لفرحنا ويغضبان لغضبنا، يتمنيان نجاحنا بالمدارس ويهتمان لتحصيلنا بعد مساعدتهما لنا في ذلك.
عليك أيتها الابنة وأنت أيها الابن أن تكون حصيفاً لتدرك أن ساعة الصفر قد حانت لترد حتى ولو جزءاً بسيطاً من ذلك الدين الذي على كاهلك ويتعفف والداك من طلبه، وبل أحياناً يغضبان إذا حاولت مساعدتهما بصورة علنية ومكشوفة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد