في هذا الشهر أتم أحد الشباب بيض الله وجهه خمسة عاماً بجوار والده في المستشفى لا يخرج إلا لحاجة ضرورية دقائق ثم يعود وغالباً ما تكون يوم الخميس في حضور أحد الأقارب.
والسؤال يطرح نفسه بحثاً عن الإجابة بعد هذه المعلومات السريعة الموجزة!
أين يعمل إذاً؟! وكيف استطاع الصبر طوال هذه المدة؟! أسئلة طويلة بطول هذه المدة!
وجواب هذه الأسئلة مدعاة إلى أن تتضح صورة الوفاء وأداء الحقوق.
فمنذ أن أصيب والده بجلطة أدت إلى ملازمته للسرير تفرغ هذا الشاب من كل أشغال الدنيا وترك العمل وهجر الأصحاب وأعرض عن النزهات!
بل والله كان العمل والأصحاب والتنزه والحياة كلها هنا عند والده براً وإحساناً، ويزداد العجب إذا عملنا أن والده حتى الآن وطوال هذه السنوات الخمس عشرة في غيبوبة تامة! لا يعرف من يأتيه ولا من يذهب عنه!
وإن رابك العجب من فعله وأردت أن تعرف أن لهذا الشاب القدح المعلى في البر فاذهب إلى دور النقاهة لترى كيف هُجر الآباء ونسيت الأمهات..أو ألق نظرة داخل البيوت لترى صوراً مفجعة من أنواع العقوق، ألم تسمع أحدهم يعاتب والدته حتى بكت المرأة الكبيرة المسكينة!! ألم تسمع أن أحدهم يزور الأحباب والأصحاب ويهجر أباه وأمه! وبعضهم أراد أن يحسن تربية والديه كما قال فهجرهما إرضاء لزوجته..وحدث عن البحر ولا حرج في ظل نقص العقول وانقلاب الموازين.
إن المتأمل في مجتمع الشباب اليوم بصفة عامة مع الأسف يلاحظ انتشار ظاهرة عقوق الوالدين تطل بعنقها بين حين وآخر.. ومع ارتفاع مستوى التعليم لدى الكثير الذي يتبعه عادة نمو مستوى التفكير والذوق والحرص على التلطف والمجاملة وقبل ذلك معرفة الأحكام الشرعية، إلا أننا نلاحظ بنظرة سريعة أن منزلة الصديق بل عامة الناس عند بعض الشباب - تأتي في المقدمة قبل الوالدين والأخوة ويلحقهم الأقارب. فلا نرى لأصحاب الحقوق حقوقهم ولا لأهل الوصل حبالهم! ولذا فحسن الخلق والبشاشة واللطف بل حتى الزيارة والمحادثة والمهاتفة سائرة نحو الصديق والرفيق ويحرم منه من قال - عز وجل - عنهما {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
بل أمر بصحبتهما بالمعروف وهما على الكفر (وَصَاحِبهُمَا فِي الدٌّنيَا مَعرُوفاً) لقمان: من الآية15. فما بالك بأبوين مسلمين عابدين صالحين!
أصغ إلى أحد الشباب وهو يتحدث عن فلان من العامة قد أقام الدهر اعترافاً بجميله لأنه أكرمه يوماً أو يومين.. فأسمع الناس ثناء على كرمه وحسن ضيافته وجميل صنعه!! أما من أكرمه وأحسن وفادته عقوداً من الزمن فقد طواه النسيان وتفرقت به الأيام.. وليت الأمر كذلك بل استنزل دموعهما وترك أنّة حرى تحرق تختلج بين ضلوعهما!! ولسنا حال الأبوين يقول له:
وأنت أمرؤ خلقت لغيرنا *** حياتك لا نفع وموتك فاجع
لمن أدرك أبويه: ما دامت الأنفاس تتردد والقلوب تنبض فإن برهما قريب وصلتهما واجبة فاطلق بصرك لترى ابتسامة أبويك ثم أسجد في هجعة الليل المظلم وأرو الأرض من دموعك وأنت تردد عائداً تائباً مستغفراً (وَقُل رَبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء: من الآية24. وإن لم يكن لك خمسة عشر عاماً في ملازمتهما فلا تحرمهما أقل من ذلك بكثير.. وكثير!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
.
22:22:33 2022-10-25