زهور الخريف في دار العجزة !


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل خريف.. والحقل بري موحش.. والزهور بعضها ينتصب برغم عواتي الرياح وعوادي الجو المتقلب، وبعضها الآخر استسلم للأعاصير! تجده يتمايل حينًا يمنة ويسرة وينتصب أخرى. أما الصنف الأخير من تلك الزهور ففضّـل الانزواء والاستسلام للذبولº إيذاناً بالرحيل.. هذا هو تقرير الحالة العامة وأوجه التمايز والاختلاف ظاهريًا وفسيولوجيًا (وظائف أعضاء)، أما القاسم المشترك بين تلك الصنوف والأشكال فهو تضاريس الزمن القاسية والتي ألقت بثقلها على كاهل هذه المخلوقات الرقيقة ودونما إشفاقº فأحالت نضرتها وينعها إلى ثنيات عميقة وتجاعيد كالحة، وصارت بعد أن ذهب ألق لونها أشباحًا باهتة عتيقة.

فصل الخريف هذا، هو زمننا الذي نعيشه، والحقل يمثل (دار العجزة والمسنين)، أما الزهور فهي.. (وبالوالدين إحسانًا)، (ففيهما فجاهد)، واللذان يأتي برٌّهما كأحد أحب ثلاثة أعمال إلى الله سبحانه وتعالىº كما أخبر بذلك البار الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم º فالوالدان.. أزهار الحياة!

ُترى كيف تسلل إلينا هذا الداء واستشرى كما الطاعون؟، ومنذ متى كانت بلادنا تقبل بمجرد فكرة بناءِ مثل تلك الدور المقيتة.. ناهيك عن أن تكون أرضًا خصبة لاستضافة.. زهور الخريف؟

تُرى هل طالت العولمة أوثق عُرَى روابطنا الأسريةº فعملت فيها عمل النار في الهشيم؟! وتجاه من عجّل الله عقوبة إيذائهما بالعقوق في الدنيا قبل الآخرة؟!

ِصه لصوت الحق: (و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفًا... ) الآيةº فإن وجوب الإحسان إليهما لا ينتفي، وإن كانا مشركين فكيف بمن يدينون بدين الله.. الإسلام؟!

ربما برز صوت آخر مناكف ليقول:

إن إيداعهما (أحدهما أو كلاهما) بتلك الدور أفضل من تركهما.. º لأنه يوجد على الأقل من يقوم على رعايتهم.. !.

تُرى هل سَئِمَتَ أُمٌّك بعد تحمل أعباء تسعة أشهر ويزيد؟!، الإجابة البدهية: لا؟ وإلا كنت أثرًا بعد عين، وطلل رمس دارس. أم هل زهدت في كفكفة أدمعك وأنت رضيع تعاني الحمى، أو يافع تعاني قسوة الأيام... ؟

أما أبوك فهو ثاني شخص في الحياة خُصّ بحق حسن صحبتك، فهل تلكّأ يومًا عن تلبية أساسيّ طلباتك فضلا عن الكماليات؟، وإن فعل فإن المعاملة بالمثل هنا.. عقوق. ترى هل صارت تلك القلوب صحراء جرداء من كل قيمة إنسانية وذرات إيمانيةº فتنصّلت من مسئولية: (و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا)الآية. أتمنى وأدعو الله أن تهُب نسمات الرحمة على تلك الصحراء، وينساب ماء البر عليها، فتنبت زهورًا ربيعية غضة تنبت حيث بيوت الرحمة، وتغلق تلك الدور الخريفية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها..إيذانًا بفصل الربيع.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply