امتدت الظلال ولك أيها المسافر حق الاستظلال، وكما أن للطريق حقا على كل عابر فآت هذا الطريق حقه..فها هو طريق الدعوة وهؤلاء هم أخوان الطريق..لا تزال أفياءهم تمتد، وتترامى لتشملك.
[ومن مقتضى حقوق الأُخوة واجبات الصحبة، وهي مجموعة الحقوق بين أهل الأُخوة الإيمانية.. تزداد، وتتأكد عند رفقة الطريق. بأخوة العقد، والتعاهد على الدعوة في سبيل الله ومنها - أي الحقوق ـ:
- القيام بالحاجات مع البشاشة والاستبشار.. ولها مراتب: أدناها القيام بذلك عند السؤال، وأوسطها القيام بها دونما سؤال، وأعلاها تقديمها على حوائج النفس.
- السكوت عن ذكر المعايب والمماراة والجدل المذموم معه، وعدم سؤاله فيما يحرجه، وكتمان سره، مع ترك إساءة الظن، وستر العيوب والتغافل عنها.
- التودد باللسان (إبداء السرور بما يفرحه، وذب الغيبة عنه).
- الدعاء له في الحياة وبعد الموت.
- الوفاء والإخلاص.
- التخفيف وترك التكلف والتكليف.
- التوقير من غير كِبر، والإحسان إليه ما استطاع].
وبعد إيتاء الطريق حقها نواصل المسير في الظلالº لنرى هل من اختلاف بعد ائتلاف؟!
[قد قالت العرب بهذا المعنى أيضًاº فجاء في أمثالها السائرة (لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإن تساووا هلكوا).
إذ ربما تندفع نقيصة هذا بفضيلة ذاك.. ومن اختلاف المواهب تتحقق المقاصد (ومن رام إخوانا تتفق أحوال جميعهم رام متعذرًا، بل لو اتفقوا لكان ربما وقع خلل في النظام، إنه ليس كل واحد من الإخوان يمكن الاستعانة به في كل حال، ولا المجبولون على الخلق الواحد يمكن أن يتصرفوا في جميع الأعمال وإنما بالاختلاف يكون الائتلاف].
وفَيءُ آخر يحمل سر الإلفة.. ترى ما هو؟!.
[... فمن أحب أن يقابل اللهُ إساءتَه بالإحسان فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان، ومن علم أن الذنوب والإساءة لازمة للإنسان لم تعظُم عنده إساءة الناس إليه.. فليتأمل هو حاله مع الله: كيف هي؟! مع فرط إحسانه إليه وحاجته هو إلى ربه.. ]. إذًا فَسِرٌّها هو التسامح، ومن بعده احتمال الغضب.. [قال الإمام الشافعي: قيل لسفيان بن عيينة: إن قومًا يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك. قال: هم حمقى إذاً مثلك، أن يتركوا ما ينفعهم لسوء خلقي].
ويسهل الاستماع بتخفيف الأثقالº [لهذا قيل عن حقوق الأخ: (فأول حقوقه اعتقاد مودته، ثم إيناسه بالانبساط إليه في غير محرم، ثم نصحه بالسر والعلن، ثم تخفيف الأثقال عنه، ثم معاونته فيما ينوبه من حادثة أو يناله من نكبةº فإن مراقبته في الظاهر نفاق، وتركه في الشدة لؤم)].
[وفي المعاتبة خير (فإن كثرة العتاب سبب للقطيعة، واطِّراحُ جميعه دليل على قلة الاكتراث بأمر الصديق، وقد قيل: علة المعاداة قلة المبالاة، بل تتوسط حالتا تركه وعتابه.. فيسامَح بالمتاركة ويستصلَح بالمعاتبةº فإن المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا لم يلبث معهما نُفور، ولم يبق معهما وجد)].
كذا فإن [حسن التصرف نبذ التكلف (فإن الملق مصايد العقول، والنفاق تدليس الفطن، وهما سجيتا المتصنع، وليس فيمن يكون النفاق والملق بعض سجاياه خير يرجى، ولا صلاح يؤمل.. ولأجل ذلك قالت الحكماء: إعرِف الرجلَ من فعله، لا من كلامه، واعرِف محبته من عينه لا من لسانه)].
[وأخيرًا ميزان الإنصاف (إن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يُحتمَل له ما لا يُحتمَل لغيره، ويُعفَى عنه ما لا يُعفَى عن غيرهº فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث.. بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث، وهذا أمر معلوم عند الناس، مستقر في فطرهم. إن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامَح بالسيئة والسيئتين ونحوها.. حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته، وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر داعي العقوبة كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنة بألف شفيع
وقال آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً *** فأفعاله اللاتي سررن كثير
ولنمنع التعصب (أكثر الجهالة إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهال أهل الحق، وأظهروا الحق في معرض التحدي والإدلاء، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والإزدراءº فثارت في بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وتعذر على العلماء المتلطفين محوهاه مع ظهور فسادها).
فهنيئًا لمن كان في القافلةº فاستزاد من الخيرº حتى وصل مرتبة الإحسان: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)]
اللهم لا تحرمنا أفياءَ صادقِ الإخاء.. في الدنيا بظلال محبتهم، وفي الآخرة تحت ظل عرشك العظيم..
ـــــــــــــــــــــــ
* ما بين المعكوفتين []: اقتباسات من كتاب (مسافر في قطار الدعوة) للدكتور عادل الشويخ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد