الأخوة في اللغة من الأخ، قال ابن منظور: الأخ من النسب معروف، وقد يكون الصديق والصاحب، كما قال تعالى: ((إنما المؤمنون أخوة)).
واصطلاحاً: رباط يقوم على منهج الله، ينبثق من التقوى، ويرتكز على الاعتصام بحبل الله، فهي رباط إيماني، إذ لا أخوة بدون رباط إيماني أو تقوى قال تعالى: ((الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين))، فبالأخوة الإيمانية تزول العصبيات الجاهلية، والفوارق المادية من حسب أو نسب، أو جاه، أو غنى قال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمك عند الله أتقاكم))، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)).
وهدفها التعاون على الخير، فالتعاون مظهر كريم من مظاهر الأخوة، وهدف كبير من أهدافها، كما أمر بذلك الحق - تبارك وتعالى -: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))، وصوّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأخوة بأروع معنى عرفه الإنسان فقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً).
ويرتقى التعاون إلى مراتب عالية سامية ليصل إلى مرتبة الإيثار، فقد روى الإمام البخاري أنه لما قدم المهاجرون المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبدالرحمن: أنا أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقضى إلا ومعه فضل من أقط وسمن.
ومما تتميز به الأخوة الإيمانية الاتصال والاستمرار، فهي متصلة مستمرة لا يقطعها غنى ولا فقر، ولا مرض بل ولا موت، ففي عرصات الحشر تتقطع الوشائج إلا وشائج الأخوة الإيمانية ((الأخلاء يومئذٍ, بعضهم لبعض عدو إلا المتقين))، ويستمر عقد الأخوة إلى الآخرة، حيث لا يرى بعض أهل الجنة إخوانهم الذين كانوا معهم في الدنيا، فيسألون ربهم - عز وجل - عنهم، وقد صوّر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الموقف بقوله: (فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار!! فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيخرجونهم، ثم يأذن لهم فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).
إن أخوة لها هذا المقام عند الله، ومحبة لها ذلك الفضل في الدنيا والآخرة حَرِيَّة بأن يحرص عليها، وأن يوفى بحقوقها، ويسعى للاستزادة منها: ((ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)).
وقد جاءت توجيهات قرآنية، وسنن نبويةº لتقوية الروابط والأواصر القلبية بين الأخوة، فمن ذلك:
إفشاء السلام، وطلاقة الوجه:
السلام عند اللقاء هو مفتاح أبواب القلوب، وبذرة الحب، ولقاح المحبة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ, إذا فعلتموه تحاببتم؟!!º أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
وليس المقصود بإفشاء السلام هو النطق بلفظه فقط، وإنما تحقيق معانيه، فإذا أقبل الأخ على أخيه وقد علته البشاشة، وفاض وجهه بالغبطة، وصافحه بحرارةº تحقق معنى من معاني إفشاء السلام، وكتب له أجرٌ عند ذلك ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) رواه مسلم، فإن للابتسامة والرحابة عند اللقاء أثراً عجيباً جعل جرير البجلي - رضى الله عنه - يحدث الناس عنه فيقول: \"ما صحبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم\" البخاري.
قولك لأخيك إني أحبك في الله:
يا لها من كلمة تأخذ بمجامع القلوب وتأسرها، وتصل إلى شغافها وتربطها، إنها سنة تكاد تكون مهجورة، فأحيها أخي الحبيب -أحياك الله بطاعته -، وقل لأخيك: إني أحبك في الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه).
الزيارة الأخوية، واللقاءات الإيمانية:
زيارة الأخ أخاه من أعظم الطاعات، وأجلّ القربات، ولذلك حث عليها ورغب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا أخبركم برجال من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصدِّيق في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه من ناحية المصر في الله في الجنة) فبادر إلى زيارة أخيك ولا تنتظر.
فتجاوز أخي الحبيب دائرة الكلام إلى ميدان الأعمال، وتحسس حاجات أخيك، وسارع في مساعدته وفي قضائهاº تنل رضا ربك، وتقوى صلتك بأخيك
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد