درس عظيم من يوسف - عليه السلام -


  

بسم الله الرحمن الرحيم

\"وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَولا أَن رَّأَى بُرهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السٌّوءَ وَالفَحشَاء إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ \" {24} يوسف.

 

قال بعض العلماء: لا يجوز أن يهم يوسف بالزنا بها.وقالوا: أن الهم من يوسف كان لضربها وردعها عنه.

وقيل: تمناها زوجة.

وقيل: هم بها لولا أن رأى برهان ربه أي فلم يهم بها، وفي هذا القول نظر من حيث العربية حكاه ابن جرير وغيره (ابن كثير).وقال بعضهم ما خلاصته: أن يوسف لم يفكر، ولم يرغب أبداً بعمل الفاحشة معها في تلك اللحظة.

 

القرآن صرّح أن يوسف  - عليه السلام - همّ بها. وهَمَّ بالشيءَ يهمٌّ هَمّاً: نواه وأَرادَه وعزَم عليه (اللسان). ويوسف - عليه السلام - لم يزنِ ولم يستسلم لرغبته.

 

(إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة)، (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به).

 

ليس العيب أن تهمّ بفعل الحرام أو تشتهيه. ولكن العيب هو أن تستسلم لشهوتك، فتفعل ما تشتهي. فكم من الناس يؤثر الصبر فيحبس النفس عما تشتهيه. وهذه بعض أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

 

إن اللّه – تعالى- يلوم على العجز:

 

َالعَاجِزُ مَن أَتبَعَ نَفسَهُ هَوَاهَا.

 

الأحمق من أتبع نفسه هواها.

 

فنجد أن العيب أن [تعجز] عن [كبح] نفسك فتفشل في لجمها فتقهرك وتغلبك [فتعطيها] هواها.

 

والقرآن يؤكد أن الناس تحب الشهوات المختلفة، والمسلمون كغيرهم اللهم إلا إذا كان أحدنا ليس بشراً، هم معرّضون أن تعصف بهم الأهواء والرغبات والشهوات ولكن ليس كلهم يستسلم وينهار.

 

\"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبٌّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ\"{14} آل عمران.

 

وقد سيطر يوسف النبي التقي - بإذن ربه - على همّه، وكبحه وألجمه فلم يزنِ. وقد منّ الله – سبحانه- على حبيبه يوسف ونبيه المُخلَص فصرفه عن المرأة بأن جعله يرى برهان ربه (يحتمل أن تدل كلمة ربه على سيده العزيز) . وقد دعا يوسف ربه أن يبعد عنه إغواء النساء وكيدهن وإلا ضعف لهن ووقع في حبالهن: \"قَالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبٌّ إِلَيَّ مِمَّا يَدعُونَنِي إِلَيهِ وَإِلاَّ تَصرِف عَنِّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجَاهِلِينَ {33} فَاستَجَابَ لَهُ رَبٌّهُ فَصَرَفَ عَنهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ\" {34}يوسف.

 

فيوسف - عليه السلام - يعترف أنه قد يميل للنساء إن لم يُصرف عنه كيدهن، بينما نحن نقول: أن يوسف لا يتأثر، ولا يهم بالنساء. وكأننا أعلم به من خالقه ومن نفسه. ويوسف رغم عفته وطهارته لم يبرّىء نفسه، وأشار أن النفس تأمر بالسوء: \"وَمَا أُبَرِّىءُ نَفسِي إِنَّ النَّفسَ لأَمَّارَةٌ بِالسٌّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ\" {53} يوسف.

 

هذا درس عظيم من نبي عظيم لا يكذب على نفسه كما نكذب نحن على أنفسنا، وهو أن لا يخادع المرء نفسه وليعرف حدودها وتحملها وضعفها فلا يضعها في موضع تنهار فيه وتخور.

 

والنفس لا تنجو من الحرام بقوتها أبداً، فلا حول ولا قوة إلا بالله،ولابد من الاستعانة بالله كما طلب يوسف من ربه أن يعينه على ضعفه (ولن يبلغ أحد صبر وقوة وعزم نبي، ولن يكون أتقى من نبي).

 

فماذا نقول في أولئك الذين يخادعون الله والناس ولا يخدعون إلا أنفسهم فيزعمون أن تحررهم واختلاطهم وخلوتهم بالنساء الأجنبيات هو من باب التحضر، ولا يؤدي لأي ضرر أو فجور، مادامت النية حسنة والقصد برىء والتربية راقية وفاضلة.

 

لا يخدعن أحدنا نفسه ويتمنى الأماني، فهو ليس بأعلم بنفسه من الذي خلق هذه النفس . فمن أراد أن يعرف حقيقة نفسه فليقرأ وليعتبر مما جاء عنها بالقرآن العظيم وما حذّر منه الرسول الكريم: \"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم\" (30) النور، \" ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن\" (151) الأنعام. \"ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا\"(32) الإسراء.

 

قال - عليه الصلاة والسلام-: \"لا يخلون أحدكم بامرأة لا تحل له فان الشيطان ثالثهما\".

 

علينا أن نغض أبصارنا، فمن لم يغض بصره فلا يلومن إلا نفسه.

 

علينا أن لا نقرب من الزنا ومقدماته، فمن قرب من ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

 

علينا ألا نختلي بالجنس الآخر، فمن فعل،فلا يلومن إلا نفسه.

 

\"الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ {2} وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ\" {3} العنكبوت

 

فالله لن يتركك دون اختبار لمجرد أنك قلت آمنت، فصدقك أو كذبك لا يُفحص بالقول ولكن بالفعل، فإن نجحت في حرمان نفسك و[منعها] من اقتراف الحرام فقد فزت إن شاء الله، ولكن إن أصبحت عبداً لها [تقدم] لها كل ما تشتهي فقد سقطت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply