بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عدم التشهير بالنصيحة:
إن النفوس جُبلت على عدم حب التشهير، وانتشار المعايب، ولذا تدافع عن ذاتها، فوجب أن تكون النصيحة بالسر ما أمكن، لأنها دلالة على الصدق، بل هي أكثر تأثيراً على نفس المنصوح من النصيحة المعلنة الظاهرة.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
تعمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي *** فلا تجزع إذا لم تُعط طاعـة1
وقال أيضاً: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه.
يقول أبو حاتم البستي -رحمه الله-: " كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في ستر فيؤجر في ستره, ويؤجر في نهيه، أما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره استغضب أخاه وهتك ستره".2
وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: "المؤمن يستر والفاجر يهتك ويعير".3
ومن علامات النصح أنه يقترن به الستر، ومن علامات التعيير أنه يقترن به الإعلان.
"وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها".4
وقال بعض السلف: "من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه".5
وكان السلف يأبى أحدهم أن يبين له عيوبه في الملأ، حدّث سفيان قال: " قلت لمسعر تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصحاً فنعم".6
وسئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن أمر السلطان بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: "إن كنت فاعلاً ولا بد، ففيما بينك وبينه".7
وقيل لإبراهيم بن أدهم: الرجل يرى من الرجل الشيء، ويبلغه عنه أيقول له؟ قال هذا تبكيت، ولكن بالتعريض.8
"وورد أن عيسى -عليه السلام- قال للحواريين كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائماً وقد كشفت الريح عن ثوبه عنه؟ قالوا: نستره ونغطيه. قال: بل تكشفون عورته. قالوا: سبحان الله من يفعل هذا؟ قال: أحدكم، يسمع بالكلمة عن أخيه، فيزيد عليها وينشرها بأعظم منها"9.
وورد أن الصحابي الجليل أبو الدرداء -رضي الله عنه- مرّ على رجل قد أصاب ذنباً، والناس يسبونه، فلم يعجبه صنيعهم. فقال لهم: لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. فقالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي.10
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
1. ديوان الشافعي 56.
2. روضة العقلاء 194.
3. المرجع السابق: ص 194.
4. الفرق بين النصيحة والتعبير- ابن رجب – 28.
5. روضة العقلاء 194.
6. المرجع السابق: 194.
7. جامع العلوم والحكم 67.
8. الآداب الشرعية- ابن مفلح- 1/215.
9. أسس التربية الإسلامية 71.
10. مختصر منهاج القاصدين 137.
11. المراجع د. أحمد محمد العليمي، المداراة التربوية (3)، ص 12-15
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد