إن التعليم الجيد، يتطلب:
· قناعة تامة بأهمية الدور التعليمي الذي يؤديه المعلّم ويستقبله المتعلم، وأن حاجته له كحاجته للهواء.
· بذل الجهد والطاقة.
· بذل الوقت وتنظيمه.
· قدراً كبيراً من الفكر والمعرفة لخلق خبرات تعليمية.
وقد قال الشاعر قديماً عن متطلبات تحصيل العلم:
أخي لن تنال العلم إلا بستـة
سأنبيك عن تأويلها ببيــان
ذكاءٌ وحرص واجتهادٌ وبُلغةٌ
وإرشاد أستاذ وطول زمان
الرفق تربية
ومن حسن التربية الرفق بالمتعلمين والإحسان إليهم، فهو أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، فالتلطف في التوجيه مما لا يجرح حياء المتعلم أمر يشجع على بذل الجهد والطاقة في تحصيل المعرفة.
قال الله – تعالى -: \" فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين \". (آل عمران: الآية 159).
وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" يا عائشة إن الله رفيق يُحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه \".1
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إنما أنا لكم مثل الوالد أُعلّمكم، إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ولا يستنج بيمينه \" ، وكان يأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمّة \".2
خلقه القرآن
وكان - صلى الله عليه وسلم - يخاطب المتعلمين ألين خطاب وأحبه إلى نفوسهم، وهو ليّن الجانب، طيب العشرة، عظيم الخلق.
وعن سعد بن هشام بن عمر قال: أتيتُ عائشة - رضي الله عنها - فقلتُ: يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قالت:كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن قول الله - عز وجل -: \" وإنك لعلى خلق عظيم \".
قلت: فإني أريد أن أتبتل، قالت: لا تفعل، أما تقرأ \" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة \" فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وُلد له \".3
درر الكلام كلامه - صلى الله عليه وسلم -:
وإذا تكلم أحسن البيان، وفصّل القول، وكرره أكثر من مرة.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بينه فصلٌ يحفظه مَن جلسَ إليه. 4
وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا سلّم سلّم ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً \".5
وكلامه - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على:
* الإيجاز: للتركيز على صلب الموضوع.
* التأني: لإعطاء الفرصة للاستماع، وتسلسل الأفكار، وتقليل النسيان والتلعثم.
* الشمول: يفهمه العامي والمتعلم.
* الإعادة ثلاثاً: ليستقر في النفس والفكر6.
واستخدامه - صلى الله عليه وسلم - للغة كوعاء اتصال على أفضل نحو ممكن، فكان يوجز بتركيز على صلب الموضوع، ويتأنى لإعطاء الفرصة للاستماع وتسلسل الأفكار، ويتحدث بلغة يفهمها العامي والمتعلم مع إعادتها ثلاثاً.
الاعتماد على النفس:
ومن حسن التربية تعويد المتعلمين والمتربين عل الاعتماد على النفس، فأحدث نظريات التربية اليوم تقوم على مبدأ الاعتماد الذاتي على النفس فيما يُطلقون عليه اليوم \" التعلّم الذاتي \".
فمن ذلك:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله.
فقال: \" أما في بيتك شيء \"؟
قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضه ونبسُط بعضه، وقعبٌ نشربُ فيه من الماء.
قال: \" ائتني بهما \".
قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: \" مَن يشتري هذين ؟ \".
قال رجل: أنا آخذهما بدرهم.
قال: \" مَن يزيد على درهم؟ \" مرتين أو ثلاثاً.
قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري.
وقال: \" اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به \".
فأتاه به فشدّ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عوداً بيده.
ثم قال له: \" اذهب فاحتطب وبع، ولا أريَنَّك خمسة عشر يوماً \".
فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألة نُكتةً في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا بثلاثةٍ,: لذي فقرٍ, مُدقع، أو لذي غُرمٍ, مُفظع، أو لذي دم موجع \".7
\" في هذا الحديث الشريف يتجلّى أمامنا موقف تعليمي رائع، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بإمكانه أن يمنح السائل شيئاً من ماله، أو يندب الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى إعطائه ما يسدٌّ حاجته ذلك اليوم أو بضعة أيام. غير أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يلقّن ذلك السائل القادر على الكسب الحاضرين جميعاً درساً عمليّاً في الاعتماد على النفس، وذم المسألة وبيان عَواقبها الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة.
إنه موقف تعليمي لا يمكن أن ينساه السائل وكل مَن حضره، هذا إلى جانب كونه ضرباً من التدريب العملي المهني لهذا الشاب العاطل عن العمل ليغدو فرداً نافعاً لنفسه وأهله ومجتمعه \".8
________________________________
1 أخرجه مسلم 4/2004 (ح/2593).
2 أخرجه النسائي1/38 (ح/40) وابن ماجه 1/114 (ح/313) وأحمد (ح/7064). وهو صحيح. انظر صحيح ابن ماجة 1/57.
3 أخرجه أحمد (ح/ 23460).
4 أخرجه الترمذي 5/ 600 (ح/3639) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
5 أخرجه البخاري 1/48 (ح/ 94).
6 من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية/ 46.
7 أخرجه أبو داود 2/292 (ح/ 1641) وقال في ضعيف سنن أبي داود: ضعيف/ 128-129 وابن ماجة 2/ 740-741 (ح/2198) وهو في ضعيف سنن ابن ماجة / 169 وأخرجه الترمذي مختصراً 3/ 522 (ح/ 1218) وقال: هذا حديث حسن.
والحلس: ما يبسط في البيت، ونكتة: بقعة سوداء. المدقع: الشديد. والغرم المفظع: أن تلزمه الديون الفادحة. والدم الموجع: الدية الباهظة، أو يتحمل حمالة في حقن الدماء والإصلاح.
8 استخدام النبي صلى الله عليه وسلم للوسائل التعليمية / 116-117- بتصرف بسيط- حسن البشاري.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد