معركة حنين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

10 شوال 8هـ:

كان لفتح مكة في رمضان سنة 8هـ، وبهذه الصورة القوية والمباغتةº أثر بالغ في تحريك ضغائن القبائل العربية المنافسة لمضر عموماً، وقريش خصوصاً، وكانت بطون قيس عيلان بالأخص في حالة عداء تقليدية وقديمة مع بطون مضر، لذلك لما فتح المسلمون مكة اجتمعت قبائل هوازن وثقيف وبني هلال، وقررت محاربة المسلمين مدفوعة بعداوة الإسلام، وعداوة القبلية والعصبية.

قرر القائد العام لتحالف مشركي هوازن وثقيف «مالك بن عوف» أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من حماس المشركين في القتال، ويجعلهم يقاتلون حتى الموتº إن لم يكن للنصر فللدفاع عن الحرمات، وسار جيش التحالف الشركي حتى وصل إلى وادي أوطاس وهو على مسيرة يوم من مكة تقريباً، ولم يعجب هذا الرأي أحد قادة الجيش المجربين ذوي الخبرة وهو «دريد بن الصمة»، ولكن مالك بن عوف أصر عليه، وهدد بالانتحار إذا لم يطيعوه، فأطاعوه على سفاهة رأيه، ولُقب من بعدها بالأحمق المطاع.

وصلت أخبار هذا الجيش للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فاستعد بجيش كبير يضم كثيراً من مسلمة الفتح الذين لم يدخل الإسلام في قلوبهم بصورة كاملة، وكان الجيش كبيراً بصورة أعجبت كثيراً من المسلمين، وداخلهم الثقة الكاملة لحد الغرور من النصر الكاسح على المشركين، وانزعج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مقولة بعضهم: «لن نغلب اليوم من قلة».

قام «مالك بن عوف» بوضع جيشه على شكل كمائن في مداخل ومضايق وشعب وادي حنين، وقد سبق المسلمين لهذا الوادي، ووضع خطته على مفاجأة المسلمين بالسهام القاتلة، وفي يوم 10 شوال سنة 8هـ وعند السحر دخل المسلمون وادي حنين وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو، وفجأة انهالت السهام عليهم من كل مكان، والعدو يهجم عليهم هجمة رجل واحد، فأصيب المسلمون بالدهشة المربكة، وتراجعوا بدون نظام، فركبوا بعضهم بعضاً من شدة الصدمة، وصاح بعض حديثي العهد بالإسلام مثل أبي سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد بما في صدورهم، وعندها قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعمل جريء إذ عرض نفسه لمخاطرة كبيرة، إذ انحاز إلى جهة اليمين، ثم نادى على المسلمين، وخصص النداء بالمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، حتى اجتمع عنده مئة من خاصة أصحابه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الآن حمي الوطيس»، ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ورمى بها في وجوه القوم، وقال: «شاهت الوجوه»، ولم تمر سوى ساعات قلائل حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وفروا إلى عدة أماكن مختلفة، فطائفة إلى «أوطاس»، وأخرى إلى «نخلة»، ومعظم الفارين إلى حصون الطائف، فأرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدة فرق لمطاردة الفارين وذلك من أجل منعهم من التجمع، ومعاودة الهجوم على المسلمين.

استطاعت فرق المطاردة القضاء على الفارين، وبعدها اتجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون مباشرة إلى الطائف حيث منازل وحصون ثقيف، وقد لجأ إليها «مالك بن عوف» ومعظم الفارين، وضربوا على الطائف حصاراً شديداً وقع خلاله مناوشات حامية بين المدافعين عن الحصن والمسلمين، حدثت خلالها إصابات كثيرة للمسلمين جعلتهم يغيرون مكان معسكرهم، حاول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الضغط على المحاصرين بقطع حدائق أعنابهم فسألوه أن يدعها لله والرحم، فتركها لله والرحم، ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين فهو حر فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً، ثم حاول الهجوم بشدة ولكن أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة، وبعد المشاورة قرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجوع، ورفع الحصار عن الطائف.

ولما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد رفع الحصار عن الطائف مكث بالجعرانة وهو المكان الذي تم تجميع فيه غنائم حنين، وكانت كبيرة وضخمة بالمقارنة بغنائم المعارك السابقة، فقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتوزيعها على رؤساء القبائل، وأشراف مكة والمؤلفة قلوبهم، وأفاض في العطاء حتى ازدحم عليه الأعراب والناس طمعاً في المال، ولم يعط النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار من هذه الغنيمة الضخمة شيئاً، فوجد الأنصار في أنفسهم من هذا الأمر، وتكلموا فيه حتى كثرت فيهم القالة، فجمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ووعظهم موعظة بليغة مؤثرة أزالت من نفوسهم أي أثر للحزن ووجد النفوس.

وأنزل الله - عز وجل - في أحداث غزوة حنين وما جرى فيها للمسلمين من إعجاب بالنفس آيات من الذكر الحكيم في سورة التوبة ليتأسى المسلمون بهذه الحادثة العظيمة وما فيها من دروس وعبر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply