استقرت لآل البيت النبوي في نفوس المؤمنين مكانة رفيعة، لقربهم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتصالهم بنسبه، ولنصرتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحلك الظروف وأشد الأزمات منذ بدء الدعوة، فحفظ لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وأوصى بهم أمته خيرا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: (أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي..الحديث) رواه مسلم في صحيحه، وعرف المسلمون لهم هذا الفضل، حتى قال أبو بكر - رضي الله عنه -: \" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إلي أن أصل من قرابتي \" رواه البخاري ومسلم وقال أيضا: \" ارقبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته \" رواه البخاري أي: احفظوه فيهمº فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم. وقال عمر للعباس - رضي الله عنهما -: \" والله، لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب\" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي في المجمع.
من هم آل البيت:
اختلف العلماء في المراد بآل النبي - صلى الله عليه وسلم -، على مذاهب، نذكر أشهرها: المذهب الأول: أنهم بنو هاشم فقط، وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك، ويعللون ذلك بأن آله - صلى الله عليه وسلم - هم من اجتمع معه - عليه الصلاة والسلام - في هاشم، قالوا: والمطلب لم يجتمع معه - عليه السلام - في هاشم، لأن المطلب أخو هاشم، وكما أن عبد شمس ونوفلا أخوان لهاشم وهما ليسا من آل البيت، فكذلك المطلب.
ويبين العيني المراد ببني هاشم فيقول: وبنو هاشم هم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب.
المذهب الثاني: أن آل البيت هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط وهو المذهب عند الشافعية، والحنابلة. ويؤيد هذا ما رواه جبير بن مطعم - رضي الله عنه -، أنه قال: مشيت أنا و عثمان بن عفان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) قال جبير: \"ولم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا\". وفي هذا يقول الشيخ الشنقيطي في الأضواء: \" ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بني هاشم، ولم يناصرهم بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف، عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني المطلب تلك المناصرة التي هي عصبية نسبية لا صلة لها بالدين، فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بني هاشم، وقال: \" إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام \"، ومنع بني عبد شمس وبني نوفل من خمس الغنيمة، مع أن الجميع أولاد عبد مناف بن قصي\".
خصائص آل البيت وحقوقهم:
1. مودة آل البيت: اتفق العلماء على وجوب مودة آل البيت; لأن في مودتهم مودة للنبي - صلى الله عليه وسلم-، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (أذكركم الله في أهل بيتي، قالها ثلاثا). ولا شك أن المراد بالمودة هنا قدرا زائدا عن مودة غيرهم من المؤمنين، ولو كانوا من الأقربين، حتى قال أبو بكر - رضي الله عنه -: \" لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي \"، وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - غضباً شديداً، وقال: (والذي نفسي بيده لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله) رواه أحمد.
2. الصلاة عليهم: وقد بين - صلى الله عليه وسلم - كيفية الصلاة عليه، وأن الصلاة على آله تبع للصلاة عليه، فعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) متفق عليه.
3. تحريم أكل الصدقة عليهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد) رواه مسلم. ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير أموالهم ونفوسهم. قال الإمام ابن قدامة: \" ولا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة \"، أما صدقة التطوع فتحل لهم لأنها ليست من أوساخ الناس.
4. إعطاؤهم خُمُس الخمس من الغنيمة والفيء: قال - تعالى -: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير}(الأنفال: 41)، وقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}(الحشر: 7).
5. فضل النسب وطهارة الحسب: فعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم. فنسبه صلى لله عليه وسلم ونسب آله أشرف النسب وأعلاه في العرب والعجم.
وقد وردت أحاديث في بعض خصائص آل البيت، لكنها ضعيفة أو موضوعة، وقد سئل علي - رضي الله عنه - هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء لم يعمَّ به الناس، إلا ما في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة فيها: (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غير منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا) رواه مسلم. والاستثناء في كلام علي رضي عنه مقطوع بمعنى لكن، لأن ما ذكر في الحديث ليس خاصا بأهل البيت بل هو عام للأمة جمعاء.
أما مناقب آل البيت وفضائلهم الخاصة فقد ثبت لكثير منهم مناقب كثيرة، حفظتها السنة، مثل فضائل علي - رضي الله عنه -، وهي أشهر من أن تذكر، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وخديجة خير النساء، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وحمزة سيد الشهداء يوم القيامة.
ومثل فضائل زوجاته - صلى الله عليه وسلم - اللاتي فضلهن الله على سائر النساء إن تحلين بالتقوى، وقمن بحقها، قال - تعالى -: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} (الأحزاب: 32)، وقد أكرمهن الله بأن جعل بيوتهن موطنا يتنزل فيه وحي السماء، قال - تعالى -: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} (الأحزاب: 34). ولما كانت مكانتهن تلك المكانة، فقد حذرهن الله - جل وعلا - من الوقوع فيما يسخطه، فيتخذ أعداء الإسلام ذلك سبيلا للطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، قال - تعالى -: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا} (الأحزاب: 30)، والغاية من وراء ذلك هو المبالغة في تطهير بيت النبوة أن يشوبه عيب أو نقص، وليكون موضعاً للتأسي والاقتداء لسائر الناس، قال- تعالى -: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} (الأحزاب: 33).
عقيدة أهل السنة في آل البيت:
تتلخص عقيدة أهل السنة في آل البيت في أنهم يحبون المؤمنين منهم، ويرون أن المؤمن من آل البيت له حقان: حق الإيمان، وحق القرابة.
ويرون أنهم ما شرفوا إلا لقربهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس هو الذي شَرُف بهم، ويتبرؤون من طريقة من يغالون في حبهم، كالذين رفعوا بعضهم إلى مقام العصمة، يتبرؤون كذلك من طريقة المبغضين الذين يسبونهم ويكفرونهم، ويحفظون فيهم وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ويرون أنهم على مراتب ومنازل، وأنهم وإن تميزوا فلا يعني أن لهم الفضل المطلق على غيرهم في العلم والإيمان، فالثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، أفضل من علي، وإن امتاز عنهم بخصوصيات.
ويرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله - تعالى -: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}: \" ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم، وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، - رضي الله عنهم - أجمعين\".
ومع كل هذه المكانة التي أكرم الله بها آل بيت نبيه، إلا أن ذلك كله مشروط بالصلاح والتقوى، وهم فيما عدا ما لهم من خصائص كغيرهم من المسلمين، لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما على المسلمين من واجبات، فليس قربهم من النبي بمجيز لهم تجاوز أحكام الله وشرعه، أو أن ينالوا النجاة في الآخرة دون تقوى وعمل صالح، فكل عباد الله في ميزان الله سواء، وهذا ما أوضحته الأدلة الشرعية إيضاحاً تاماً بعيداً عن اللبس في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها -: (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فاختطب فقال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فهذا الحديث يبين بما لا يدع مجالا للشك أن الكل أمام شرع الله سواء، سواء أكان من آل البيت أم من غيرهم، وسواء أكان من أشراف الناس أم من ضعفائهم، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - القول الفصل في ذلك عندما أعلنها صريحة أن: (من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم فمدار النجاة على الإيمان والعمل الصالح، لا على الأنساب والأحساب.
هذه هي حقوق آل بيت النبي، وتلك هي مكانتهم، فمن أنزلهم فيها فقد رشد وهدي إلى صراط مستقيم، ومن غلا فيهم أو أجحف في حقهم، فقد ضل سواء السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد