الموكب المهاجر .. وبراعة التخطيط


  

بسم الله الرحمن الرحيم

* أثمرت الهجرة دولة سادت الدنيا بأسرها، ورسالة شملت الكون كله، وحركة حضارية امتلأ بها الوجود.

* من رجاحة التخطيط: مراعاة التدرج في تنفيذ الخطة على مراحل حسب مقتضيات الأحوالº لأن الطفرة قد تؤدي إلى التعثر في الوصول إلى الهدف المنشود.

* عانى المهاجرون الأولون آلام الهجرة وآلام الغربة، ولكنهم أعطوا الهجرة بأعمالهم وثباتهم روح الخلود، وعلموا الدنيا كلها كيف يكون الثبات والتضحية بكل شيء من متاع الحياة الدنيا في سبيل العقيدة.

يقول- تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُم فِي الدٌّنيَا حَسَنَةً وَلأَجرُ الآَخِرَةِ أَكبَرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ} (النحل: 41- 42).

ويقول - سبحانه -: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النحل: 110).

إن البشرية لا تنقسم - في أهم تنويعاتها - إلى أجناس وألوان وأوطان، وإنما تنقسم إلى أهل الحق وأهل الباطل، والمسلم دائمًا مع أهل الحق، وهو يؤمن برسل الله جميعًاº لأنهم حملة رسالة الحق ودعاة إلى الله: {فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ} (المائدة: 56).

إن الهجرة المباركة من مكة إلى المدينة لا يمكن أن تصور على أنها تمت تحت الحاجة، أو خوفًا من عدوº بل المنطق السليم أنها ثمرة لعوامل إيمانية روحية، ذات أثر عميق في توجيه الإنسان، فالمهاجر مسلم حر حرره الله من العبودية للأرض ومتاعها، ومن المال وغروره، ومن حظوظ النفس وضغوطها.

وبها بدأ التخطيط العظيم لقيام دولة الإسلام، يأخذ مساحته في حياة المسلمين، ويقرر حركتهم، ويصنع تاريخهم وسائر روابطهم، جاء في الحديث: \"إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاث مقاعد، فقعد له في طريق الإسلام، فقال: لم تذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه وأسلم، وقعد له في طريق الهجرة، فقال له: أتذر مالك وأهلك؟ فخالفه وهاجر، ثم قعد في طريق الجهاد، فقال له: تجاهد، فتقتل فتنكح أهلك ويقسم مالك؟ فخالفه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقًّا على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، ومن غرق كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة\" (سنن النسائي).

ولقد كان المنطق الأساسي للهجرة، هو البحث عن مكان مناسب يأمن فيه المسلمون على عقيدتهم وحياتهم، وكانت المدينة المنورة- بتوفيق الله ووحيه- هي دار الهجرة، فقد جاء في الأثر \"أُريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل\".

والهجرة كما يدل اللفظ، هي انتقال من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، وهي ليست هزيمة ولا فرارًاº بل هي عمل وجهاد، وكفاح، أثمر قيام دولة سادت الدنيا بأسرها، وانتشار رسالة شملت الكون كله، واتساع حركة امتلأ بها الوجود، حياة وحضارة وعزة ورفعة، وعلو شأن.

إن جهود المسلمين بعد الهجرة تضاعفت، ومسئولياتهم تعددت وكبرت، وعلموا أنهم دعاة للناس جميعًا إلى الهدى والرشاد.

 

سبق الهجرة القلبية:

الهجرة من مكة إلى المدينة كانت أثر من آثار هجرة أخرى سبقتها: هي هجرة القلوب ما كانت عليه من عقائد فاسدة، وشرائع باطلة، نعم هاجر- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بقلوبهم قبل أن يهاجروا بأبدانهم، هاجروا إلى التوحيد البريء والإخلاص النقي، والإنابة الحقة، والتوكل الصحيح، ومحبة الخير للخير، هاجروا إلى هذه التعاليم السامية التي نهضت بالإنسانية من كبوتها، ورفعتها من حضيض هوت إليه في جاهليته، وذكرتها بأنها ما خلقت عبثًا ولا باطلاً، ولا لتفسد في الأرض، أو تسفك الدماء، ولا ليستعبد قويٌّها ضعيفَها، ذكرتها بأنها ما خلقت إلا لتكون خليفة في أرض الله رب العالمينº تسبح بحمده، وتقدس له، وتعمل صالحًاº حتى تسمو بالعالم إلى ما يمكن أن يصل إليه من درجات الرشد، وأطوار الكمال (الشيخ شلتوت- رحمه الله -).

لقد كان التركيز في المرحلة الأولى في مكة على تعميق العقيدة، وتحقيق استعلاء الإيمان في النفوس، وإيجاد الطليعة المؤمنة، وبالهجرة بدأت المرحلة الثانية، فكان التركيز فيها على بناء المجتمع، وإقامة الدولة الإسلامية، ونشر دعوة الله في الجزيرة العربية كلها، وفي خارجهاº حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.

 

بيعة الأنصار:

لقي النبي- صلى الله عليه وسلم - وفودًا من أهل يثرب في موسم الحج ثلاثة أعوام متوالية، مما سمي بيعة العقبة الأولى والثانية، ثم البيعة الثالثة، أو الكبرى التي جرت وقائعها في العام الثالث عشر للبعثةº حيث وفد على مكة جماعة من يثرب (المدينة) بلغت عدتهم ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، منهم أحد عشر من الأوس، وواعدهم الرسول- صلى الله عليه وسلم - على اللقاء عند العقبةº حيث بايعهم على الإسلام وعبادة الله، وألا يشركوا به شيئًا، ثم على حمايته إذا قدم عليهم المدينة.

وتدل وقائع هذه البيعات الثلاثة التي تمت في العقبة على ما يلي:

1- مبلغ الدقة والإحكام في التخطيط.

2- نجحت هذه المهمات التي تعتبر بمثابة الإعداد والتحضير للهجرة.

3- دقة اختيار الوقت لعقد المعاهدة، وهو موسم الحجº حتى لا تلتفت أنظار المشركين المتربصين بالإسلام إلى ما يتم من تعاقدات وعهود بين الرسول- صلى الله عليه وسلم - وبين أهل المدينة.

4- اختيار موعد اللقاء بعد ثلث الليلº حتى يمكن تلاقي العقبات التي تثار لو عرف المشركون بهذا الأمر، وهذه الدقة في اختيار الموعد ساعدت على نجاح الخطة.

5- في البيعة الثالثة: اختار النبي- صلى الله عليه وسلم - من بين السبعين اثني عشر نقيبًاº تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، مما يدل على سداد التدبير، فهؤلاء كفلاء وأمناء على إخوانهم، يوجهونهم، ويقودونهم في الطريق إلى الله، وهذا أمر مهم في تنظيم هؤلاء، ووضعهم في صف واحد.

6- ومن رجاحة التخطيط أيضًا مراعاة التدرج في تنفيذ الخطة على مراحل حسب مقتضيات الأحوالº لأن الطفرة قد تؤدي إلى التعثر في الوصول إلى الهدف المنشود، ففي الأثر: \"إن المنبت- أي المتسرع- لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى\".

7- المخطط الكفء يضع في تقريره كل الظروف المحيطة به، ويحدد على ضوء الظروف الوسيلة المناسبة لهدفه.

8- ولقد تحقق ذلك كله:

أ-  في بيعة العقبة الأولى تحقق الاكتفاء من الأسباب البشرية بدخول اليثربيين في الإسلام.

ب- وكذلك في البيعة الثانية مع زيادة العدد إلى الضعف، وأضيف إليها إرسال المربي (مصعب بن عمير) الذي يتعهد هؤلاء، ويدعو غيرهم إلى الإسلام، وقد تمت فيها بيعة على الإسلام.

ج- البيعة الثالثة: تجاوزت الدخول في الإسلام إلى عقد حلف دفاعي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ضد مشركي مكة الذين صادروا حق الدعوة في الإعلان عن نفسها، وصدوا عن سبيل الله، وإن كانت هذه الحماية مرتبطة بوجود النبي- صلى الله عليه وسلم - في المدينة.

 

خطوات في الهجرة:

إن الرسول- صلى الله عليه وسلم - ظل قلبه يخفق بدعاء الله، وهو يرسم الخطط ويضع الضمانات، ويهيئ المواد والإمكانات والدفوع الكفيلة بإيصاله إلى هدفه، لم يجئ الدعاء منه قبل التخطيط للهجرة فحسب، ولا جاء بعدها فحسب، فليس لعلاقة الإرادة البشرية بالمشيئة الإلهية خلال الحدث قبلية ولا بعديةº وإنما تسير الاثنتان متجاورتين في انسجام رائعº لأن هذه من تلك، ولأن الإنسان في أصفر جزئيات الحركة، وفي أكبرهاº إنما ينفذ قدر الله في الأرض (دراسة في السيرة: د. عماد الدين خليل).

لقد اتجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى دار ابن بكر، وحدثه بأن الله أذن له في الهجرة، فيرد عليه أبو بكر: \"الصحبة يا رسول الله؟ \" فيجيبه الرسول: \"الصحبة\"، تقول عائشة: \"فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبي يبكي يومئذ\".

لقد استكمل- صلى الله عليه وسلم - خطته، ووظف في خطته الأسباب المتاحة بشكل محكم قدر استطاعته، وبعدها ترك مصيره ومصير الدعوة للهº صانع المصائر، ومقدر الأقدار.

لا غرو بعد هذا أن نشهد نصر الله ينزل على نبيه في تجربة الهجرة مباشرًا مرئيًّا، ثلاث مرات:

الأول: لدى مغادرته داره في أعقاب ليل مريع، أحاط أبناء القبائل المسلحون طيلة ساعاته بدار الرسول، ينتظرون اللحظة التي سيطيحون فيها برأس سيد الخلق، ويفرقون دمه في القبائل، إلا أن هذه اللحظة لم تجئ ولن تجئ، لقد فتح الباب، وخرج يقرأ سورة \"يس\" وعبر هذا السد: {وَجَعَلنَا مِن بَينِ أَيدِيهِم سَدًّا وَمِن خَلفِهِم سَدًّا فَأغشَينَاهُم فَهُم لاَ يُبصِرُونَ}(يس: 9)، انطلق ورفيقه إلى الهدف.

الثاني: عند الغار، وما أخطر فترة الغار، لقد رأى أبو بكر بعينه نعال المشركين تخفق عند أسفل الغار، فارتعد خوفًا، ليس على نفسه، ولكن على الرسالة: من يحملها؟ ويهمس في أذن الرسول: \"لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا\"، ويجيء الرد الحاسم في هذه اللحظة الخطيرةº حيث دفاع الله عن أوليائه: \"يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! \" فهما في حماية الله وكفى، ولو اجتمعت جنود الأرض كلها عند الغار، فالوصول إليهما مستحيل.

الثالث: في الطريق إلى يثرب، وسراقة بن مالك يركض وراءهما، وفرسه المنطلق، وطمعه في الجائزة، ورمحه المصوب، لكن إرادة الله لن تدع هذه الأهداف السافلة تتفوق على الأهداف العليا، وهنا يتعثر سراقة في التراب، ويتمرغ فرسه فيه، ولا يستطيع أن يغير أمرًا قدره الله، وبعد محاولات فاشلة يلوي زمام فرسه، ويعود راجعًا. (المرجع السابق بتصرف).

وما أروع كلمات الوحي وهم يعلنون هذه الرعاية التي لا رعاية ولا حماية بعدها، رعاية القوى العزيز: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثنَينِ إِذ هُمَا فِي الغَارِ إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَن إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ, لَّم تَرَوهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السٌّفلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40).

 

دور العقيدة:

إن مكان العقيدة في الإسلام يمثل أساس البناء، وتنتصر العقيدة بين الشعوب، بعدها تنتصر في نفوس أصحابها، فإذا حدث أن وازن المؤمن بين عقيدته ونفسه فرجحت نفسه، أو بين عقيدته وماله فرجح ماله، أو بين عقيدته ومتاعه فرجح متاعه، فمعنى هذا أن العقيدة أهون عنده من كل ما يملك ويهوى، وسوف يساوم على عقيدته ويتخلى عنها في أول مساومة، ولا يصلح مثل هؤلاء لهجرة أو جهاد أو تضحيةº لأنهم تخاذلوا وهانت عليهم عقيدتهم، وتعلقوا بغير الله، يقول الحق- تبارك وتعالى -بوضوح: {قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).

إن روعة الهجرة أنها عقيدة وتضحية، وكفاح وفداء، وإصرار على نصرة هذا الدين، وهذه القلة المهاجرة من المؤمنين عانت آلام الهجرة وآلام الغربة، فما وهنت وما ضعفت وما استكانتº بل لقد تركت في اللحظات الأخيرة كل ما تملك، وهؤلاء الرجال الأبطال أعطوا الهجرة بأعمالهم وثباتهم روح الخلود، وعلموا الدنيا كلها كيف ترجح كفة العقيدة والمبادئ على كل شيء من متاع الحياة الدنيا، يقول الحق - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرجُونَ رَحمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: 218).

ويقول - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَو مَاتُوا لَيَرزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ* لَيُدخِلَنَّهُم مٌّدخَلاً يَرضَونَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} (الحج: 58- 59).

 

دروس من الهجرة:

(أ) إن الاستفادة الكاملة من الأسباب لا تتم على وجهها الصحيح إلا إذا انتظمت في خطة محكمة ومدروسة، وهذا ما طبقه الرسول- صلى الله عليه وسلم - في سياسة الأمور في حركته في الهجرة من مبيت عليٍّ,- رضي الله عنه- على فراشه، ومن اختيار الدليل المجرب العالم بالصحراء.

(ب) كان- صلى الله عليه وسلم - على علم ولو مجمل- عن طريق الوحي- بكل المراحل التي ستبلغها دعوتهº ولذلك قال لعدي بن حاتم: \"أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ \" قلت: لم أرها، وقد سمعت بها، قال: \"فوالذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة (المرأة المسافرة) من الحيرة، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن الله كنوز كسرى بن هرمز\"، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: \"نعم، كسرى بن هرمز، وليذهب المال حتى لا يقبله أحد\"، قال عدي بن حاتم: \"فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثةº لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قالها\" (رواه الإمام أحمد)، والثالثة حدثت أيام عمر بن عبد العزيز.

 

وصمة عار في جبين الأمة كلها:

إن ما يحدث اليوم للمسلمين (أمة الهجرة، وأمة غزوة بدر، وأمة القرآن) ما يحدث لهم في شتى بقاع الأرض من قتل وإذلال وتشريد وذبح واغتصاب، لهو وصمة عار وخزي في جبين الأمة الإسلامية كلها، إن كان لها جبين، وهو استهزاء بكرامتها إن كانت لها كرامة!

وفي هذا الظلام الدامس يتلفت بعض الغيورين حوله ويتساءل: أين حماة الحق اليوم؟ ولكن متى كان للحق في أيامنا حماة أو أصوات تعلو لتدافع عنه؟ إن الصوت الإسلامي الحر المدافع عن الحق ما بين مقهور ومطارد، وغريب ومتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهل للإسلام اليوم في نفوس أتباعه تأثير يذكر، فضلاً عن أن يقام له وزن، وهو يعيش غربتهº بل يعيش محنته ومأساته؟

 

لو كان للإسلام تأثير يذكر، لما اهتم البعض- ونحن نعيش في هذه الأهوال- بما يسمى \"مسابقة ملكة الجمال\" التي تعتبر وصمة عار لما يقع فيها من نخاسة، ونجس، وخمر، وعربدة، وعري، ومجون، ولقد قال العلماء رأيهم في هذا بصراحة، وأعلنوا حرمته، وأنه سبة في جبين الأخلاق، وهبوط بالبعض إلى عالم الحيوانية، والمطلوب أن يظل صوتهم عاليًاº حتى يسمع الصم حكم الله ورسوله، في كل انحراف وفسق.

وأيضًا فرق الرقص، والمجون، والاستهتار، والخلاعة، الذي فاق كل الحدود، وقد كرس بعض الكتاب جهوده لإنهاء المسلمين، ومطاردة العفيفات الطاهرات اللاتي يرتدين الزي الإسلامي، ثم تكون الطامة حين يشكك هذا البعض المعروف جدًّا في إسلامنا ومعتقداتنا وقيمنا الإسلامية، وتاريخنا العظيم.

إن ذل العار وضربات الانتقام التي تنزل بالمسلمين اليوم ليست وصمة عار في جبين أحد بعينه، لكنها وصمة عار في جبين الحكام والشعوب الإسلامية قاطبة، هذه الشعوب لا عذر لها عند اللهº لأنها استسلمت، ورضيت لنفسها هذا الهوان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply