ولما رأت قريش أنهم لم يفلحوا في إرجاع أبي طالب عن نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحمايته، وأن قد انضم إليه في ذلك غيره، وأن دعوة رسول الله في انتشار، وأن المؤمنين به في ازدياد، لجأوا إلى طريقة الأذى فأغروا سفاءهم أن يتظاهروا بالاستهزاء برسول الله وإيذائهº خصوصاً إذا ذهب إلى الصلاة عند الكعبةº وقد أراد أبو جهل أن يرضَّ رأسه - عليه الصلاة والسلام - وهو ساجد (أي يدق رأسه ليكسره). ولكن الله - تعالى - حفظه منه، فإنه لما قرب منه خانته قواه، وسقط من يده الحجر الذي أعده لذلك، ورجع إلى قومه مذعوراً منتقع اللون (أي متغير اللون) وهو يقول: إنه قد تعرض لي فحل ما رأيت مثله قط، همّ بي ليأكلني.
وأغرى عقبة بن أبي معيط أن يتربص سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيلقي عليه فرث جزور (ما في كرش الجزور - البعير - بعد ذبحها) ففعل، ولم يقدر أحد من المسلمين الحاضرين على إزالته، حتى أتت ابنته فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- فألقته عنه.
وكان ذلك الفاجر أبو جهل ينهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاته عند البيت، فقال له مرة حين رآه يصلي: ألم أنهك عن هذا، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداًّ شديداً وهدده، فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا، والنادي هو مجتمع الناس، يريد أبو جهل أن القوم يجتمعون بمجلسه بكثرة لعظم منزلته، فأنزل الله - تعالى -: (كلاَّ لَئِن لَم يَنتَهِ لَنَسفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ, كَاذِبَةٍ, خَاطِئَةٍ,* فَليَدعُ نَادِيَهُ* سَنَدعُ الزَّبَانِيَةَ* كَلاَّ لاَ تطِعهُ وَاسجُد وَاقتَرِب).
وبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة، إذ جاء الفاجر عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر الصديق ودفعه عنه وقال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم).
وجاء رجل إلى مجمع قريش يشكو مطل أبي جهل، أي تسويفه، في دين له عليه، فقالوا للرجل: ينصفك محمد، يقصدون بذلك الإيقاع بين رسول الله وأبي جهل، فتوجه ذلك الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه أن ينصفه من أبي جهل، فقام معه إلى دار أبي جهل حتى ضرب على بابه، فقال: من هذا، قال: محمد، فخرج منتقعاً لونه، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: أعط هذا حقه، فقال أبو جهل: لا تبرح حتى تأخذه. فأعطاه إياه من ساعته، فعجبت قريش من ذلك، حيث انعكس عليهم قصدهم، ورأوا ما لم يكن في حسبانهم من انهزام صاحبهم، فقال لهم: والله لقد سمعت حين ضرب علي بابي صوتاً ملئت منه رعباً ورأيت فوق رأسي فحلا من الإبل ما رأيت مثله.
وكان أبو لهب وهو عمه - عليه الصلاة والسلام - أشد عليه من الأباعد، وكان جارا له، فكان يرمي هو وزوجته القذر على بابه.
وكان من المؤذين العاص بن وائل السهمي والد عمرو بن العاص، والأسود بن عبد يغوث الزهري، من بني زهرة أخوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأسود بن المطلب الأسدي ابن عم السيدة خديجة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، والوليد بن المغيرة عم أبي جهل، والنضر بن الحارث ، ولم يُسلم من هؤلاء أحد، بل أهلكهم الله - تعالى - على الكفر، ما بين قتيل في غزوة بدر ومعذَّب بأشد الأمراض وأشنعها، والله عزيز ذو انتقام.
وقد أسلم في ذلك الوقت حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما عيّرته بعض الجواري بإيذاء أبي جهل لابن أخيه، فأدركته الحمية وتوجه إلى ذك الفاجر وغاضبه وقال: كيف تسب محمداً وأنا على دينه، فأنار الله بصيرة حمزة، ودخل في دين الإسلام، وقد كان من أقوى المسلمين شكيمة على أعداء الدين حتى لُقِّب (أسد الله).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
كلميم
-مريم
22:47:41 2020-11-19