في موسم الحج في العام الذي يلي بيعة العقبة الأولىº وفد إلى مكة كثيرون من أهل المدينة، فقابلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووعدهم المقابلة ليلاً عند العقبة، وأمرهم أن يكتموا أمرهم فلا يطلع على ذلك أحد من كفار قريش، فتوجهوا إلى موعدهم في منتصف الليل كاتمين أمرهم عمن معهم من المشركين (وكان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس، وكان باقياً على دين قومه، وإنما أحضره معه ليتوثق له)، فلما اجتمعوا قال لهم العباس: إن ابن أخي هذا لم يزل في منعة من قومه، فإن كنتم ترون أنكم قوامون له بما دعوتموه إليه من البيعة، وما نعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإلا فدعوه بين عشيرته، فقال كبيرهم: إنما نريد الوفاء والصدق وبذل مهجنا دون رسول الله. وطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبين لهم شروط البيعة، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم. فبايعوه على ذلك، وكانوا ثلاثاً وسبعين رجلاً، منهم اثنان وستون من الخزرج، وأحد عشر من الأوس ومعهم امرأتان وسميت هذه البيعة (بيعة العقبة الثانية).
واختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم اثني عشر نقيباً: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وقال لهؤلاء النقباء: أنتم كفلاء على قومكمº كل على عشيرته، فلما رجعوا إلى المدينة ظهر الإسلام بها أكثر من المرة الأولى.
وقد شعرت قريش بهذه البيعة فازداد أذاهم للمسلمين الموجودين بمكة، فأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم بالهجرة إلى المدينة، فصاروا يتسللون إليها وحدانا وجماعات، مختفين عن أعين قريش، حتى إنه لم يبق بمكة إلا أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وقليلون ممن لم يقدروا على الهجرة، وقد أراد أبو بكر -رضي الله عنه- الهجرة فأشار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالانتظار حتى يأذن الله - تعالى - له - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة، فانتظر أبو بكر- رضي الله عنه-، وأعد لذلك راحلتين كانتا عنده:إحداهما لرسول الله- صلى عليه وسلم- والأخرى له.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد