الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإن للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلة كبيرة في قلب كل مسلم، لذا سوف نتحدث بإيجاز عن الأحكام الفقهية المتعلقة بها، فنقول وبالله التوفيق:
قال اللَّه - تعالى - في كتابه العزيز: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56].
قال ابن كثير - رحمه الله -: «المقصود من هذه الآية أن اللَّه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر - تعالى -أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالَمَينِ، العلوي والسفلي جميعًا». [تفسير ابن كثير جـ3 ص514]
فائدة هامة: لماذا خُصَّ المؤمنون بالسلام دون اللَّه والملائكة؟
الجواب: لأن السلام هو تسليم النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يؤذيه، فلما جاءت هذه الآية عقيب ذِكر ما يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [الأحزاب: 53]، والأذية إنما هي من البشر، فناسب التخصيص بهم والتأكيد، وإليه الإشارة بما ذكره بعده». [الفتوحات الإلهية للعجيلي جـ3 ص454]
معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال أبو العالية: «صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء (أي أن الملائكة تطلب من اللَّه الزيادة من ثنائه على النبي).
وقال ابن عباس: «يصلون: يَُبِّركون» (أي يدعون له بالبركة) البخاري - كتاب التفسير - باب 10).
قال الحليمي: معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعظيمه، فمعنى قولنا: اللهم صلِّ على محمدٍ,: عظِّم محمدًا.
قال ابن حجر: المراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود.
وقال ابن حجر أيضًا: معنى صلاة اللَّه على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم: طلب ذلك له من اللَّه - تعالى -، والمراد طلب الزيادة، لا طلب أصل الصلاة. [فتح الباري جـ11 ص16]
وقال ابن القيم: معنى صلاة اللَّه على النبي - صلى الله عليه وسلم -: الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعني أننا نطلب من اللَّه الزيادة في ثنائه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار فضله وشرفه وتكريمه وتقريبه له.
[جلاء الأفهام ص261، 262]
معنى التسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
التسليم: معناه السلام، الذي هو اسم من أسماء اللَّه - تعالى -، ومعنى التسليم أيضًا: لا خلوت يا محمد من الخيرات والبركات، وسلمت من المكاره والآفات والنقائص، فعندما نقول: اللهم سَلِّم على محمد، فإنها تعني: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص، فيزداد على مَرِّ الأيام عُلوًا، وأمته تكاثرًا، وذِكره ارتفاعًا».
[فضل الصلاة على النبي للشيخ عبد المحسن العبَّاد ص88]
حُكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض على كل مسلم بالغ عاقل، مرة واحدة في العمر، وما عدا ذلك فهي سنة مستحبة. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص62]
فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة، سوف نذكر بعضًا منها:
1- روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشرًا». [مسلم حديث 408]
2- روى النسائي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشر صلوات، وحُطت عنه عشر خطيئات، ورُفعت له عشر درجات». [حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص415]
3- روى النسائي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام». [حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص410]
4- روى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يُمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة». [حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 6357]
5- روى الترمذي عن أُبي بن كعب قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثُلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس: اذكروا اللَّه، اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبيُّ: فقلت: يا رسول اللَّه، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي عليك؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تُكفَى هَمَّك ويغفر
ذنبك». [حديث حسن: صحيح الترمذي للألباني حديث 1999]
قال المنذري: قوله: «فكم أجعل لك من صلاتي» معناه: إني أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟ »
[الترغيب والترهيب جـ2 ص389]
وقال المباركفوري: قوله: «أجعل لك صلاتي كلها» أي أصرف بصلاتي عليك جميع الذي كنت أدعو به لنفسي. وقوله: «إذًا تُكفى همك» يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ أُعطيت خَيري الدنيا والآخرة.
[تحفة الأحوذي جـ7 ص129، 130]
التحذير من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدًا:
1- روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَغِمَ أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم
يصلِّ عليَّ». [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2870]رغم أنف: يعني لصق بالتراب ذلاً وهوانًا.
2- روى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البخيل مَن ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ». [حديث صحيح، صحيح الترمذي حديث 2811]
3- روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا اللَّه
فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة (حسرة وندامة) فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم». [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2691]
صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
سوف نذكر أصح صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يلي:
1- روى الشيخان عن كعب بن عُجرة قال: «خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: يا رسول اللَّه، قد علمنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
[البخاري حديث 6357، ومسلم حديث 406]
2- روى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا: يا رسول اللَّه، كيف نصلي عليك؟ قال: قالوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزوجه وذريته كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. [البخاري حديث 2369، ومسلم 407]
3- روى النسائي عن زيد بن خارجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد». [حديث صحيح: صحيح النسائي جـ1 ص414]
حُكم جهر المؤذن بالصلاة على النبي بعد الأذان:
إن جهر كثير من المؤذنين بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان بدعة لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمؤذنون في عهده، ولم يفعلها الصحابة والخلفاء الراشدون والتابعون مع عِلمهم بفضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرصهم على الطاعات، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه، ومن المعلوم أن ألفاظ الأذان عبادة مبنية على التوقيف، لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان.
روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». [البخاري 2697]
قال الإمام مالك بن أنس: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم -
خان الرسالةº لأن اللَّه - تعالى -يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
[المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا. [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ6 ص225]
حكم الصلاة على غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -:
سوف نتناول الحديث عن هذه المسألة من عِدة وجوه بإيجاز شديد:
أولاً: الصلاة على الأنبياء والمرسلين:
قال ابن القيم: سائر الأنبياء والمرسلين يُصلى عليهم ويُسلَّم.
[جلاء الأفهام ص627]
روى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني». [حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 3782]
ثانيًا: الصلاة على آل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – جميعًا بمعنى أن نقول:
اللهم صلِّ على آل محمد.
قال ابن القيم: آل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلي عليهم بلا خلاف بين الأمة. [جلاء الأفهام ص636]
ثالثًا: هل يُصلى على آل نبينا محمد منفردين؟
بمعنى أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيُقال: اللهم صلِّ على علي، أو اللهم صلِّ على الحسن أو الحسين أو فاطمة ونحو ذلك، وهل يُصلى على أحد من الصحابة ومَن بَعدهم؟
قال الإمام النووي - رحمه الله - عند الإجابة عن هذين السؤالين: الصحيح، الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم. [الأذكار للنووي ص159]
قال ابن القيم: إن الرافضة إذا ذكروا أئمتهم يصلون عليهم بأسمائهم، ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن يُخالفوا في هذا الشعار. [جلاء الأفهام ص640]
فائدة
هامة:
قال الإمام النووي: اتفق العلماء على جواز جَعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيُقال: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضًا. [الأذكار للنووي ص160]
حُكمُ قول: فلان عليه السلام:
فَرَّق أهل العلم بين السلام والصلاة، فقالوا: السلام يُشرع في حق كل مؤمن، حي وميت، حاضر وغائب، فإنك تقول: بَلِّغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، ولذا يجوز أن نقول: فلانٌ - عليه السلام -.
وأما الصلاة فإنها من حقوق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين. [جلاء الأفهام ص639، 640]
أوقات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ذكر أهل العلم أوقاتًا وأحوالاً يُستحبُ عندها أن نصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1- بعد ترديد نداء المؤذن للصلوات المفروضة.
2- عند دخول المسجد والخروج منه.
3- بعد التشهد الأخير في الصلاة.
4- عقب دعاء القنوت.
5- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
6- قبل الدعاء
وبعده على الإطلاق.
7- عند خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.
8- عند ذِكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - أو كتابته.
9- عند الصفا والمروة في الحج والعمرة.
10- يوم الجمعة.
11- عند الصباح والمساء.
12- عند ختام المجلس.
13- عند إلقاء دروس العلم وختامها.
14- بين التكبيرات أثناء صلاة العيدين. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص66- 72، جلاء الأفهام ص463، 611]
ثمرات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ذَكَر الإمام ابن القيم ثمرات للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، يُمكن أن نجملها فيما يلي:
1- أنها امتثال لأمر اللَّه - تعالى -.
2- سبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات.
3- شفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه.
4- أنها سبب لقرب المسلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
5- أنها سبب لصلاة اللَّه والملائكة على المسلم.
6- أنها سبب لإجابة
الدعاء.
7- أنها سبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم.
8- أنها سبب لطيب المجلس.
9- أنها تنفي عن قائلها صفة البخل.
10- أنها سبب لدوام محبة قائلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها.
11- أنها متضمنة لِذكر اللَّه وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي - صلى الله عليه وسلم - لهداية الناس.
12- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمره وعمله وأسباب مصالحه. [جلاء الأفهام ص612، 626]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد