أولاً: تاريخها وأسماؤها:
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه الغزوة في رجب من العام التاسع الهجري(1) بعد العودة من حصار الطائف بنحو ستة أشهر(2).
واشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك، نسبة إلى مكان هو عين تبوك، التي انتهى إليها الجيش الإسلامي، وأصل هذه التسمية جاء في صحيح مسلم، فقد روي بسنده إلى معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي»(3).
وللغزوة اسم آخر، وهو: غزوة العسرة، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم حينما تحدث عن هذه الغزوة في سورة التوبة، قال - تعالى -: (لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ, مِّنهُم ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 117]. وقد روى البخاري بسنده إلى أبي موسى الأشعري، قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله الحملان لهم إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك...، وعنون البخاري لهذه الغزوة بقوله: (باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة)(4).
لقد سميت بهذا الاسم لشدة ما لاقى المسلمون فيها من الضنك، فقد كان الجو شديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والسفر شاقًّا لقلة المؤونة وقلة الدواب التي تحمل المجاهدين إلى أرض المعركة، وقلة الماء في هذا السفر الطويل والحر الشديد، وكذلك قلة المال الذي يجهز به الجيش وينفق عليه(5)، ففي تفسير عبد الرزاق عن معمر بن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر، وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة من الماء(6)، وهذا الفاروق عمر بن الخطاب يحدثنا عن مدى ما بلغ العطش من المسلمين فيقول: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان أحدنا يذهب يلتمس الخلاء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرشه فيشربه وبضعه على بطنه(7).
وللغزوة اسم ثالث هو: الفاضحة، ذكره الزرقاني - رحمه الله - في كتابه «شرح المواهب اللدنية»(8) وسميت بهذا الاسم لأن هذه الغزوة كشفت عن حقيقة المنافقين، وهتكت أستارهم، وفضحت أساليبهم العدائية الماكرة، وأحقادهم الدفينة، ونفوسهم الخبيثة، وجرائمهم البشعة بحق رسول الله والمسلمين(9).
وأما موقع تبوك فيقع شمال الحجاز، يبعد عن المدينة 778 ميلاً حسب الطريق المعبدة في الوقت الحاضر، وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك(10).
ثانيًا: أسبابها:
ذكر المؤرخون أسباب هذه الغزوة فقالوا: وصلت الأنباء للنبي - صلى الله عل
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد