الخطبة الأولى:
أما بعد:
فمن أجل ربط المؤمن بأسوته وقدوته وسيده وإمامه سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وشكرا لله على هذه النعمة المسداة والرحمة المهداة شرع لنا الصلاة والتسليم عليه في مواطن كثيرة ومواقع عديدة بل لا يذكر ربنا - عز وجل - إلا وذكر نبينا معه هذا هو معنى قوله: ورفعنا لك ذكرك [الشرح: 4]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: رفع الله ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه.
وأوجب - سبحانه - علينا ذكر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كل يوم أوجب علينا السلام عليه كل يوم عشر مرات والصلاة عليه خمس مرات في الصلوات المكتوبة فإذا ضممت إلى ذلك السنن الرواتب والنوافل كان أكثر من ذلك.
كما أمرنا على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما بينا سابقا أن نبدأ الدعاء دائما بعد حمد الله وتمجيده بالصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يرفع الدعاء إلى السماء حتى يصلى الداعي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ورد ذلك موقوفا عن عمر الفاروق رضي الله - تعالى -عنه وروي عنه مرفوعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي أو حتى يصلي الداعي علي فلا تجعلوني كغمر الراكب صلوا علي في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه))[1] أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
وقد بينا فيما مضى بعض المواطن سبعة مواطن من المواطن التي يشرع فيها الصلاة والتسليم على النبي الكريم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فنستمر في بيان ذلك فنقول:
الموطن الثامن: في دعاء القنوت من الوتر
فعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر: ((اللهم أهدني فيمن هديت وعافني في من عافيت وتولني في من توليت وبارك لي في ما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت))[2]، زاد النسائي في روايته أنه يقول في آخر هذه الدعوات المباركات وصل اللهم على محمد.
الموطن التاسع: إذا قام الرجل من نوم الليل يشرع له الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى النسائي في سننه الكبرى عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال يضحك الله إلى رجلين رجل لقي العدو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزم أصحابه وثبت فإن قتل استشهد وإن بقي فذاك الذي يضحك الله إليه ورجل قام في جوف الليل لم يعلم به أحد فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - واستفت القرآن فذاك الذي يضحك الله إليه يقول: ((انظروا عبدي قائما لا يراه أحد غيري))[3].
الموضع العاشر: عقب ختم القرآن
سواء كان ذلك في صلاة التراويح بعد أن يفرغ من قراءة قل أعوذ برب الناس أو كان ذلك خارج الصلاة فإن هذا من مواطن إجابة الدعاء ولذلك يشرع فيه الدعاء ولذلك كان السلف - رضي الله عنهم - أجمعين يجتمعون عند ختم القرآن.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا قال قتادة رحمة الله: إن الرحمة تنزل عند ختم القرآن.
الموضع الحادي عشر: عند المرور بالمساجد
فقد روى القاضي - رحمه الله - في كتابه عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - تسليما عند مرورك بالمسجد ورؤيتك للمسجد ولو لم تدخل فيه صل على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الموضع الثاني عشر: عند كتابة اسمه - صلى الله عليه وسلم -
فقد روي من طرق كثيرة عن عدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي قال: ((من صلى علي في كتاب لم يزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب))[4].
قال عبد الله بن الحكم - رحمه الله -: رأيت الشافعي - رحمه الله - في النوم فقلت: ما فعل الله بك فقال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس ونثر علي كما ينثر على العروس. قلت: بم بلغت هذا الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك بما في كتابي الرسالة من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: فكيف ذلك أي ما صيغة ذلك؟ فقال: صلى الله على محمد ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون قال عبد الله بن الحكم: فلما أصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت.
وقال الحسن بن محمد - رحمه الله -: رأيت أحمد بن حنبل - رحمه الله - رأيته في النوم فقال لي: يا أبا علي لو ترى صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب كيف تزهر بين أيدينا صلاته على النبي في الكتاب صارت نورا بين يديه - رحمه الله -.
فكلما كتبت اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فاكتب الصلاة عليه والتسليم ولا تفعل كما يفعل بعض البخلاء من الكاتبين بدلا من أن يكتب الصلاة والتسليم يكتبون رمزا حرف الصاد أو كلمة صلعم وهذا لا تنطبق عليه هذه الفضيلة المذكورة.
الموطن الثالث عشر: عقب الذنب
إذا ارتكب المؤمن ذنبا فليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يكفر عن ذنبه فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا علي فإن صلاتكم علي كفارة لكم من صلى علي صلى الله عليه عشرا))[5] وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم))[6] أي فيها تطهير لكم من الذنوب والآثام وفيها بركة ونماء لكم بالصلاة على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تحصل طهارة النفس من الرذائل وتحصل البركة ويحصل النماء وتحصل الزيادة في الكمالات والفضائل فصلى الله على محمد وسلم عليه تسليما كثيرا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
------------------------------------
[1] أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة (486)، والمرفوع من حديث جابر، أخرجه البزار كما في الكشف (3156)، قال في الجمع (10/155) فيه موسى بن عبيده وهو ضعيف.
[2] أبو داود كتاب أبواب الوتر (1425)، والنسائي باب الدعاء في الوتر (1746).
[3] أخرجه النسائي في السند الكبرى كتاب عمل اليوم والليلة (10703).
[4] أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (90) وقال: فيه (كادح ونهشل غير ثقتين وقد اتهما بالكذب).
[5] أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (58) وهو منقطع.
[6] أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (46) وفيه ضعف.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإذا صلى أحد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما دل على استحباب ذلك قوله في الآية: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]. فالأفضل أن يقول كما في لفظ الآية: صلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما هذه من الصيغ المفضلة لأنها لفظ الآية وقد رويت أيضا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
فإذا أفرد غير الأنبياء بالذكر هل تجوز الصلاة عليه والسلام؟ لا يجوز الصلاة والسلام على غير الأنبياء إذا أفردوا بالذكر فلا يقال أبو بكر - صلى الله عليه وسلم - ولا يقال علي - عليه السلام - فإن هذا المقام أصبح شعارا خاصا بالأنبياء الكرام وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن كان القصد من ذلك المعنى صحيح فإن الله - تعالى - يصلي على الصحابة الكرام وعلى جميع المؤمنين كما قال - سبحانه -: هو الذي يصلي عليكم وملائكته [الأحزاب: 56]. ولكن كما قلنا أصبح هذا شعارا خاصا بالأنبياء فلا يدخل فيه غيرهم إلا على سبيل التبعية إلا إذا ذكروا تبعا للنبي كما جاء في الحديث: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد))[1].
وكذلك لا ينبغي أن نفرد علياً - رضي الله عنه - بالسلام ولا أحد من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يقول علي - عليه السلام - ولا يقول فاطمة - عليها السلام - لما ذكرنا ولأن هذا أصبح شعارا لأهل البدع.
فعليك يا محب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحب أصحابه الكرام وآل بيته المطهرين عليك بسبيل أهل السنة أصحاب الفرقة الناجية وأحذر من طريق المبتدعين دعك عن المبتدعين وعليك بالمشروع فالمشروع لك إذا ذكر الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم - صلى الله عليه وسلم - أن تذكر الصلاة والتسليم وإن ذكر الصحابة الكرام أو آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتترضى عنهم وإذا ذكر التابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين فعليك بالترحم عليهم هذا هو منهج أهل السنة والجماعة الزم سبيل أهل السنة والجماعة ودعك من المبتدعين.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
أما بعد: أحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا))[2] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعيين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
----------------------------------------
[1] صحيح البخاري (6357)، صحيح مسلم (405).
[2] صحيح مسلم (408).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد