حادثة الإفك


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حديث الإفك الذي رميت به أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ما هو إلا حلقة من حلقات التآمر على الدعوة، ومحاولة تشويه رموزها، ذلك لأن العدو يعلم أن هذا الدين يقوم على المثال والنموذج والقدوة، لذلك تتواصل المؤامرات الخارجية والداخلية عليه، فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - راجع من إحدى غزواته، إذ بالمنافقين ومن في قلوبهم مرض يشيعون حرب الشك والريبة والخيانة، وفي أي مكان؟ ! في عرين الإسلام ومهده، و يختلقون قصة الإفك لينالوا من بيت النبوة الطاهر، ومن المعلوم بداهة أن الذين أشاعوا هذه الفرية كانت لهم أهدافهم التي سعوا لها كثيراً والتي منها الطعن في بيت البنوة الشريف، و نشر العداوة والبغضاء بين الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

 

ويمكن هنا أن نعرض لمخلص القصة كما وردت في كتب الحديث والسيرة:

خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في غزوة بني المصطلق، وعند الرحيل ليلاً التمست أم المؤمنين قلادة لها فلم تجدها، فذهبت في طلبها، فحمل الصحابة هودجها - المحل الذي تكون فيه - ووضعوه على البعير ظناً منهم أنها فيه، وكانت خفيفة اللحم، فلما عادت ظنت أنهم سيفقدونها ويعودون لها، ولكن الصحابة لم ينتبهوا، ونامت في مكان الجيش، ثم إن صفوان بن المعطل بات في مكان الجيش، فلما رآها عرفها، فأناخ لها راحلته من غير أن يكلمها وأتى بها الجيش. واستغل المنافقون وعلى رأسهم ابن سلول كعادتهم الواقعة واختلقوا حادثة الإفك بكل أبعادها الإجرامية وحاولوا أن يزرعوا بها الريب في قلوب المؤمنين والصادقين، وانطلى الأمر على بعض الصحابة مثل حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثه و حمنة بنت جحش، ولكن الغالبية من الصحابة كان لسان حالهم ومقالهم كما قال القرآن {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أَن نتكلم بهذا سبحانك هذاَ بهتان عظيم} (النور: 16).

 

 واشتد البلاء على أم المؤمنين الصديقة العفيفة، وكانت مريضة، ولم تعلم بالقصة، إلا أنها شعرت بفتور غير معتاد في حنان النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولما علمت من أم مسطح الخبر، زاد عليها المرض، و استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب لوالديها، فأذن لها، ولما اشتد الكرب كانت تتمثل قول نبي الله يعقوب - عليه السلام - {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} (يوسف: 18).

 

وعاش البيت النبوي بل وعاش كل الصادقين شهراً كاملاً في جو الشائعة المغرضة والحزن يخيم على الناس، ولكن لكل نبأ مستقر، والفرج مع الكرب.

فبعد كل ما حصل إذ بالوحي يتنزل من السماء يحمل البراءة الدائمة، والحجة الدامغة الخالدة، تشهد بعفاف أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وتفضح كل منافق أثيم، قال - تعالى -: {إِن الذين جاءوا بالإفك عصبَة منكم لا تحسبوه شَرا لكم بل هو خير لكل لكل امرِئٍ, منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هَذا إفك مبين * لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فَإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيَا الآخرة لمسكم فِي ما أَفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بأَلسنتكم وَتقولون بأَفواهكم ما لَيس لكم به علم وَتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين * ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * إن الذين يحبون أَن تشيع الفاحشة في الَّذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون * ولولا فضل اللَّه عليكم ورحمته وأَن اللَّه رؤوف رحيم} [النور: 11ـ 20].

وبعد، فإن حادثة الإفك كانت وراءها حكم جليلة قال - تعالى - {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} (النور: 11).

فمن هذه القصة علم الناس من هم المنافقون الذين يعملون على خلخلة المجتمع المسلم والعمل على هز أركانه، كما علم المسلمون كيف يواجهون مثل هذه الإشاعات، وعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا، ويفضح كل خوان كفورٍ,.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply