أبو جهل ومعرفة الحق
أخرج البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي جهل: يا أبا الحكم، هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله، فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن تشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك. فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل علي فقال: والله إنى لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء. إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا السقاية، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا اللواء، فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، انا ندرك نحن ذلك، والله لا أفعل.
شريح يقضي بين على ويهودي
وذلك أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع أدرعاً فعرف علي - رضي الله عنه - الدرع. فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، وكان قاضي المسلمين شريحاً، كان علي استقضاه. فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلسه وأجلس علياً مكانه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني. فقال علي: أما يا شريح، لو كان خصمي مسلماً لقعدت معه، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا عليهم، وألجئوهم إلى مضايق الطريق، وصغروهم كما صغرهم الله، اقض بيني وبينه يا شريح، فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: هذه درعي وقعت مني منذ زمان. فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذب أمير المؤمنين، الدرع درعي. فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح. فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، وأمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضيه عليه، هي والله يا أمير المؤمنين، درعك. اتبعتك وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال علي: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس.
نهاية أبو طالب
عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه فجاء النبى - صلى الله عليه وسلم - فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال: فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي، ما لقومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية)، ففزعوا لكلمته، ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأيّ كلمة هي يا ابن أخي؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا إله إلا الله)، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون أجعل الآلهة إلهاً واحداً، فنزل قول الله - تعالى -{وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب - أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب - وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد - ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق - أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب}.
لقد جئتكم بالذبح
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: ما رأيت قريشاً أرادوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يوماً ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند المقام. فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطاً وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول. فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - يشتد حتى أخذ بضبعي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ويقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}. ثم انصرفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا قال: فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يمشي حتى استقبل الركن ثم مرّ بهم طائفاً بالبيت. فلما مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال: فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى. فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى. فلما مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فقال: أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح. فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا على رأسه طائر واقع حتى أن أشدهم فيه وضاءة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول:انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشداً.فواللّه، ما كنت جهولاً.فانصرف رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، وتركهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد