ضرورة الإحساس بالفارق بين الأصيل والدخيل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن عفواً أن يتهكم أعداء الله وأعداؤنا على ضعفاء النفوس من أبناء الأمة الإسلامية، ولم يكن عفواً أن تنشأ نظرة الغربي للفرد منا كعدو لدود، ولا عجب أن شمخت أقوام (( ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ))، وانحنى بين أيديهم أحفاد الملوك والقادة.

إنه من السهل جداً معرفة المسببات لهذا الخضوع المطبقº حيث تهاونت الأمة فيما أوكل إليها من مهام، وتخاذلت عمّا عنيت بحفظه، فهانت وذلت، واستماتت في سبيل غير الله فانهزمت وغلبت.

 ومن له أدنى اتصال بالتاريخ يعلم جلياً أن المسلمين أنفسهم هم الذين فقدوا الشعور بالفارق بين دعوة الله ودعوة الشيطان، وجهلوا قوله تعالى: (( أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه )) البقرة 221، وحرموا الإحساس بالفوقية التي ميزهم الله بها واختصهم لها حيث قال: (( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ))، فضاعت عزتهم عندما فقدوا الثقة بأنفسهم والثقة قبل ذلك بالله - عز وجل -، وأصبحوا ينظرون إلى أنفسهم نظرة عدم الكفاءة في حمل أعباء الأمة، ومسئوليات الدولة، وأساسيات الحكم، ومهمات الأمور، مما أدى إلى إتاحة الفرصة للقردة أن تستأسد، وللعناكب أن تحتل العرش المهجور فتخيم عليه بخيطها المهينº ومن هنا فتح باب الذل والهوان للأمم على مصراعيه بما في ذلك من حكمت بالأمس لتخدم اليوم.

إن فقدان الشعور بالفرق بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي هو قاصمة الظهر، والخطب الجسيم، حيث يعني فقدان الإحساس بالذات، ومرد هذا  الأمر إلى الفرد المسلم الذي هانت عليه نفسه، وجهل قدرها، فنظر إلى شخصه وكأنه العبد السامع المطيع لذلك المتجبر المتغطرس، فشعر بالدون، بل ورضي بدونيته.

إننا نعيش في زمن تنافس الحضارات، وإزاء هذا نرى أن كثيراً من المسلمين يعيشون بدون مقاومة، أذعنوا لما قدمه إليهم أعداؤهم سواء في مجال الثقافة، أو الأخلاق والسلوك، فالإباحية والانحلال، والتخلي عن القيم، والفحش والبذاءة، حتى مجال التدين اللازم على كل فرد هدد بدعوى حرية الفكر أو التطرف، أو مواكبة الحضارة مثلاً، وينقاد الناس لما يجري دون فحصٍ, أو تدبرٍ, للأمر ومغزاه، ولعل هذا يعود بتأثيره على معالم هذا الدين، فتندرس وتبيد، والكل في سبات عميق!!

وحملة الدين الذين كرهوا ما سوى الله من المعبودات، وأبغضوا ما سوى شرعه من الشرائع، ونبذوا كل ما يخالف رضا الله ويجلب سخطه، حققوا الشعور المفقود بوجود الفارق بين الشك واليقين، والثابت والمنهد، والرافع والمنحط، والزبد وما ينفع الناس.

ويكون العلم هنا ضرورياً بأن الشريعة الإسلامية جاءت لتفرق بين الحق والباطل، والنور والظلام، والإسلام والكفر، والحقائق والمزيفات: (( ومن  يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ))، و (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات )) وغير ذلك.

إذن فما بال أقوام لا ينهجون التفريق بين الموارد الصافية وبين ما كدرته الدلاء البشرية؟!

وما بالنا ودعاة الشر والفساد والانحلال يروجون  لسلعهم في أسواقنا، فتباع وتشترى، وتكسد بضائعنا أو يشترى منها ما يوافق النفس، ويرضي الشهوة بثمن، وهي ثمينة المعدن، غالية السعر، عميمة البركة والفائدة!!

وإذا كان هذا دأبنا فلما لا نعلنها صراحة أن الإسلام شريعة توقيتية محصورة في زمن معين، ولفئة من الناس - والعياذ بالله من ذلك -، إننا نحجم عن عرض ما لدينا خشية أن يقال عن أحدنا: رجل إسلامي، أو مفكر إسلامي، أو عالم  إسلامي، أو ... الخ.

فما أجازه لنا أعداؤنا من ديننا أخذناه، وما تركوه وافقناهم على رميه وراء ظهورنا - إلا من رحم الله -.

إنه يتحتم علينا جميعاً في هذا الصدد أن نقف وقفة الأبي الصامد في وجه الطغيان الزاحف - مهما قيل ويقال -، وليصنع بنا ما يصنع في سبيل تمييز هذا الدين، حيث يكفينا أنه مهما بذلنا وقدمنا لأعدائنا النفس والنفيس فلن يرضوا بذلك، ولن يوقفوا محاربتنا حتى نتخلى عن قيمنا وتعاليمنا، ونتبرأ مما نعبد (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ))، (( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ))، وعليه لا بد من توضيح مفهوم لدى كل امرئ مسلم أن من اللازم عليه معرفة الدخيل في فكره ومحيطه وعاداته وسلوكه ودافعه وكل جوانبهº بحيث يتلقى التجارب والأفكار التي ما أنزل الله بها من سلطان، مما وضعه البشر ويدعونه إليه، فيأخذ منها بحذر شديد كالملتقف جذوة نار ثم تستجلب ما به فائدتنا، وتلقي ما سواه كما قيل:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه                   ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

إن الواجب علينا تجاه كل ما ليس من ديننا المنزل تنقيحه، وعدم الركون إلى من لا أمن منهم ولا آمان من قبلهم، ولا عهد معهم ولا إيمان فيهم، ولنستقبله بتفحص شديد، وأن نرده ونعرضه على كتاب الله وسنة رسوله الكريم فذلك أولى لنا، وأحرى بنا، فإن شهدا له قبلناه، وإن لم يشهدا له رفضناه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply