من السيرة العطرة ( 4 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سد أفق السماء

عن العباس - رضي الله عنه - قال: كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل ­ لعنه اللّه ­ فقال: إن للّه عليَّ إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضباناً حتى جاء المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط. فقلت: هذا يوم شر، فاتزرت ثم اتبعته فدخل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقرأ: {اقرأ بأسم ربك الذي خلق}، فلما بلغ شأن أبي جهل: {كلا أن الإنسان ليطغى}، فقال إنسان لأبي جهل: يا أبا الحكم، هذا محمد.

فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟ واللّه، لقد سدّ أفق السماء عليّ. فلما بلغ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - آخر السورة سجد.

 

اللهم سلط عليه كلبك

عن قتادة قال: تزوج أم كلثوم بنت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلما نزل قوله - تعالى -: {تبَّت يدا أبي لهب} قال أبو لهب لابنيه عتبة وعتيبة: رأسي في رؤوسكما حرام إن لم تطلّقا ابنتي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقالت أمهما بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: طلِّقاهما يا بني، فإنهما صبأتا فطلقاهما. ولما طلق عتيبة أم كلثوم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فارقها فقال: كفرت بدينك، و فارقت ابنتك، لا تجيئني ولا أجيئك، ثم سطا عليه فشق قميص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج نحو الشام تاجراً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما إني أسأل اللّه أن يسلط عليك كلبه). فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا بمكان يقال له الزرقاء ليلاً فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: ويل أمي هذا واللّه آكلي كما قال محمد، قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا الشام، فناموا، وجعلوا عتيبة وسطهم. فأقبل السبع يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة فضغمه ضغمة فقتله، وخلف عثمان بن عفان بعد رقية على أم كلثوم - رضي الله عنهما -.

 

قصته - صلى الله عليه وسلم - مع ثقيف

عن عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: مات أبو طالب وازداد من البلاء على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - شدة فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وخبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه. فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان اللّه بعثك بشيء قط؟ وقال الآخر: واللّه، لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبداً لئن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أن أكلمك، وقال الآخر: أعجز اللّه أن يرسل غيرك؟ وأفشوا ذلك في ثقيف الذي قال لهم، واجتمعوا يستهزئون برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا له صفين على طريقه، فقام رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، فقال لهم: إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليّ، وكره رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه، فخرج من عندهم فأخذوا بأيديهم الحجارة فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون. فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان الدماء عمد إلى حائط من كرومهم، فأتي ظل حبلة من الكرم فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه الدماء، فلما اطمأن قال: اللهم، إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبي حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك، فإذا بسحابة تظله فرفع رأسه فإذا فيها جبرئيل - عليه السلام - فناداه فقال: إن اللّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث اللّه اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال فسلّم عليه ثم قال: يا محمد، ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج اللّه - عز وجل - من أصلابهم من يعبد اللّه - عز وجل - وحده لا يشرك به شيئاً.

 

عمر يرسل إلى امرأة مغيبة

عن الحسن قال: أرسل عمر بن الخطاب، - رضي الله عنه -، إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فأنكر ذلك، فأرسل إليها فقيل لها: أجيبي عمر، فقالت: يا ويلها، ما لها ولعمر. فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق، فدخلت داراً، فألقت ولدها: فصاح الصبي صيحتين ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت دالٍ, ومؤدب، وصمت عليّ - رضي الله عنه -، فأقبل على عليّ فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك فإنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها في سببك، فأمر علياً - رضي الله عنه - أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ.

 

قم فاقتص منه

عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، يأمر عماله أن يوافوه بالموسم. فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل، قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك فلاناً ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين، إنك إن فعلت هذا يكثر عليك وتكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الّه - صلى الله عليه وسلم - يقُيد من نفسه. قال: فدعنا لنرضيه. قال: دونكم فأرضوه، فافتدى منه بمائتي دينار، كل سوط بدينارين.

 

ابن الاكرمين

عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلي عمرو ­ رضي الله عنهما ­ يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، واللّه لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتي تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني.

 

وأينا لم يهمه

عن يزيد بن أبي منصور قال: بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن عامله على البحرين ابن الجارود أو ابن أبي الجارود أتى برجل يقال له: أدرياس، قامت عليه بينة بمكاتبة عدو المسلمين، وأنه قد هّم أن يلحق بهم فضرب عنقه وهو يقول: يا عمراه، يا عمراه، فكتب عمر، - رضي الله عنه -، إلى عامله ذلك فأمره بالقدوم عليه، فقدم فجلس له عمر، وبيده حربة.

فدخل على عمر فعلى عمر لحيته بالحربة وهو يقول: أدرياس لبيك، أدرياس لبيك، وجعل الجارود يقول:يا أمير المؤمنين إنه كاتبهم بعورة المسلمين وهمّ أن يلحق بهم.

فقال عمر: قتلته على همّه وأيّنا لم يهمّه لولا أن تكون سنة لقتلتك به

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply