خدمه صلى الله عليه وسلم وقصة الفيل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التزم جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - بخدمته، كما كان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه، إذا قام ألبسه إياهما، و إذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم، و كان المغيرة بن شعبة سيافاً على رأسه.

وعقبة بن عامر صاحب بغلته، يقود به في الأسفار. و أنس بن مالك، و ربيعة بن كعب، و بلال، و ذو مخبر..

 

قصة الفيل

كان سبب قصة أصحاب الفيل أن أبرهة بن الصباح كان عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء، وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع به رجل من بني كنانة، فدخلها ليلاً، فلطخ قبلتها بالعذرة، فقال أبرهة: من الذي اجترأ على هذا؟ قيل: رجل من أهل ذلك البيت، سمع بالذي قلت.

فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، فسأله أن يبعث إليه بفيله، وكان له فيل يقال له: محمود، لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة، فبعث به إليه، فخرج أبرهة سائراً إلى مكة، فسمعت العرب بذلك فأعظموه، ورأوا جهاده حقاً عليهم.فخرج ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو نفر، فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه أسيراً، فقال: أيها الملك استبقني خيراً لك. فاستحياه وأوثقه.

 

وكان أبرهة رجلاً حليماً، فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب، فقاتلوهم فهزمهم أبرهة، فأخذ نفيلاً، فقال له: أيها الملك، إنني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقني خيراً لك.

 

فاستبقاه، وخرج معه يدله على الطريق. فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقال له: أيها الملك! نحن عبيدك، ونحن نبعث معك من يدلك، فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال، وهو الذي يرجم قبره. وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة -يقال له: الأسود بن مفصود- على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس، فجمع الأسود إليه أموال الحرم، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير.

ثم بعث رجلاً من حمير إلى أهل مكة، فقال: أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال، بل جئت لأهدم البيت.

فانطلق، فقال لعبد المطلب ذلك.

 فقال عبد المطلب: ما لنا به يدان، سنخلي بينه وبين ما جاء له، فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة.

قال: فانطلق معي إلى الملك - وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب- فأتاه، فقال: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فقال: ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشياً، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، فإنه لي صديق، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك، فأرسل إليه، فقال لأبرهة: إن هذا سيد قريش يستأذن عليك، وقد جاء غير ناصب لك، ولا مخالف لأمرك، وأنا أحب أن تأذن له.

وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره، وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط، فدعاه فأجلسه معه، فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله. فقال أبرهة لترجمانه: قل له: إنك كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك.

قال: لم؟ قال: جئت إلى بيت -هو دينك ودين آبائك، وشرفكم وعصمتكم- لأهدمه، فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير؟ قال: أنا رب الإبل، والبيت له رب يمنعه منك.

فقال: ما كان ليمنعه مني.

قال: فأنت وذاك.

فأمر بإبله فردت عليه، ثم خرج. وأخبر قريشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، ويتحرزوا في رؤوس الجبال، خوفاً عليهم من معرة الجيش، ففعلوا.

 وأتى عبد المطلب البيت، فأخذ بحلقة الباب، وجعل يقول:

يا رب لا أرجو لهم سواكا  *** يا رب فامنع منهمو حماكا

إن عدو البيت من عاداكا  *** فامنعهمو أن يخربوا قراكا

وقال أيضاً:

لا هم إن المرء يمنع رحله *** وحلاله فامنع حلالك

لايغلبـن صليبهم ومحـ. *** ـالهم غدراً محالـك

جروا جموعهم هم والفيـ *** ـل كي يسبـوا عيـالك

إن كنت تـاركهم وكعبتنا *** فأمـر مــا بــدا لــك

ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول، وعبأ جيشه، وهيأ فيله، فأقبل نفيل إلى الفيل، فأخذ بإذنه، فقال: أبرك محمود فإنك في بلد الله الحرام.

فبرك الفيل، فبعثوه فأبى.

 فوجهوه إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك، فصرفوه إلى الحرم فبرك.

وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل، فأرسل الله طيراً من قبل البحر، مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجرين في رجليه وحجراً في منقاره، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك، وليس كل القوم أصابت، فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض، يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل.

وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعلت تساقط أنامله، حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply