أعظم إنسان في القرآن والسنة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله الذي كرّم الإنسان بالإيمان، ومَيّزه بالعقل، ولم يَجعله كسائر المخلوقات، تعيش بلا هدف، أو تعيش لغيرها، بل جَعَله مُفكِّراً، يَسمو بِفكره، ويُعمِل عقله.

ومن هنا قال الله - تعالى -: (وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ, مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً) [الإسراء: 70].

هذا التكريم الرباني هو في الأصل للأصل، أي لِجنس النوع الإنساني، إلا أن الإنسان بِنفسه يسمو بالإيمان، أو يَنحطّ بانعدامه.

وقد جَعَل الله له اختياراً، وأعطاه عقلاً، وأوضح له السَّبيل، وأبَان له الطريق (إِنَّا خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن نُطفَةٍ, أَمشَاجٍ, نَبتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 2، 3].

وقال رب العزة - سبحانه - عن هذا الإنسان: (أَلَم نَجعَل لَهُ عَينَينِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَينِ (9) وَهَدَينَاهُ النَّجدَينِ) [البلد: 8-10].

ومِن عدل الله وحِكمته أن أرسل الرٌّسُل، وأنزَل الكُتب، وأقام البيّنات، ونَصَب الأدلّـة على وحدانيته.

فأيّـد رُسُله بالمعجزات والآيات الباهرات، فلم يَبق أمام أعداء الرٌّسُل بل وأعداء العَقل إلا المكابَرة والمعانَدة.

فإن إنكار الوحدانية لله دَفع بِالصَّدر، وضَرب بالوجه.

فإن النفوس شاهدة بأن الله ليس له شريك.

بل الوجود أجمع شاهد بذلك.

وقد ضرب الله الأمثلة على ذلك، فمن ذلك قوله - تعالى -: (لَو كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء: 22] أي لو كان في الأرض والسماء آلهة مُتعددة لَفَسَدتِ السماوات والأرض، فالعقل والمنطق يقول: إما أن يتغلّب إله على إله على آخر، فيكون الغالِب هو المتفرِّد، وإما أن يَذهب كل إلهٍ, بما له من مُلك ومكان وخَلق، وهنا يَفسد أمر السماوات والأرض، ولذا قال رب العزة - سبحانه -: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ, وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إِلَهٍ, إِذًا لَذَهَبَ كُلٌّ إِلَهٍ, بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, سُبحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون: 91]

ومِن هنا فإننا ندعو كل إنسان مُنصف عاقل أن يتأمل في هذا المعنى، وأن يَعلم أن دعوة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تَخرج عن دعوات الأنبياء السابقين، بل هي مُنتظمة في سِلكهم، سائرة في طريقهم، مُقتفية آثارهم، ومن هنا قال رب العزة - سبحانه -: (قُل مَا كُنتُ بِدعًا مِنَ الرٌّسُلِ) [الأحقاف: 9].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي. رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي.

ودعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام -، حينما قال: (رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [البقرة: 129].

هي بِشارة نبي الله عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام -.

قال الله- تبارك وتعالى -: (وَإِذ قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ, يَأتِي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحرٌ مُبِينٌ) [الصف: 6].

 

ونحن إذ نَضع بين يدي القارئ هذا الموضوع لنرجو الله وندعوه أن يَفتح به أعيناً عُمياً، وآذانا صُمّـا، وقلوباً غُلفا.

ونضع بين يدي القارئ أعظم إنسان في العالم [محمد - صلى الله عليه وسلم -] لِيَقف بنفسه على بعض البشارات التي وَرَدت في الكُتب المتقدمة من كُتُب أهل الكتابات، والتي كانت سببا في إسلام الكثيرين من أهل الكتاب.

كما نضع بين يديه إشارات إلى البشارات من خلال واقع مُعاصِريه - صلى الله عليه وسلم -، سواء ممن آمن به أو ممن لم يؤمن به، وإن كان أضمر ذلك في نفسه، وأقرّ به في قرارة نفسه.

كما نُشير إلى طريقة القرآن في إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وأشرنا إلى الأدلّـة العقلية التي تقتضي صِدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وأن دعوته ليست بِدعاً من الدعوات، وهو لم يُخالِف الرٌّسل والأنبياء في أصل الدعوة إلى وحدانية الله وإفراده بالعبودية.

بل هذا أمر اتّفقت عليه الرسالات، وتتابع عليه الأنبياء، وأقر به الموحِّدون على مرّ الأزمان، حتى كان ذلك الإقرار في فترات خَلت من الرٌّسُل، كتلك الفترة التي سَبَقت مَبعثه - صلى الله عليه وسلم -، فقد وُجِد فيها من أفراد الناس من يُوحِّد الله، ولا يأكل ما ذُبِح لغير الله، وكان هؤلاء يُنكرون عِبادة غير الله.

 

وقد آن أن نترك القارئ مع محاور هذا الموضوع، وهي كالتالي:

 

1- أعظم إنسان في العالم في القرآن والسنة.

2- أعظم إنسان في العالم في كتب أهل الكتاب.

 

----------------------------------------

 

(أعظم إنسان في العالم في القرآن والسنة)

محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن والسنة

لقد قرر الله في كتابه المُبِين نبوة نبيِّـه محمد - صلى الله عليه وسلم - بِطُرق كثيرة مُتنوّعة، \" يُعرَف بها كمال صِدقه - صلى الله عليه وسلم -، فأخبَر أنه صدَّق المرسلين، ودَعا إلى ما دَعوا إليه، وأن جميع المحاسن التي في الأنبياء فهي في محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما نُزِّهوا عنه من النواقص والعيوب فمحمدٌ أولاهم وأحقّهم بهذا التنزِيه، وأن شريعته مُهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مُهيمن على كل الكُتُب، فجميع محاسن الأديان والكُتُب قد جَمعها هذا الكتاب وهذا الدِّين، وفَاق عليها بِمحاسِن وأوصاف لو تُوجَد في غيره، وقرّره نبوته بأنه أميّ لا يَكتب ولا يَقرأ، ولا جَالَس أحدا من أهل العلم بالكُتُب السابقة، بل لم يُفجأ الناس حتى جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أتوا، ولا قَدَروا، ولا هُوَ في استطاعتهم، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأنه مُحال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو مُتقوّل، أو متوهّم فيما جاء به. وأعاد في القرآن وأبدى في هذا النوع، وقرّر ذلك بأنه يُخبِر بقصص الأنبياء السابقين مُطوّلة على الوجه الواقع الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يُخبر - تعالى -أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله - تعالى -لما ذَكَر قصة موسى مُطوّلة: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطٌّورِ إِذ نَادَينَا وَلَكِن رَحمَةً مِن رَبِّكَ)، (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغَربِيِّ إِذ قَضَينَا إِلَى مُوسَى الأَمرَ)، وكما في قوله: (وَمَا كُنتَ لَدَيهِم إِذ يُلقُونَ أَقلامَهُم أَيٌّهُم يَكفُلُ مَريَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيهِم إِذ يَختَصِمُونَ)، ولما ذَكَر قصة يوسف وإخوته مُطوّلة قال: (وَمَا كُنتَ لَدَيهِم إِذ أَجمَعُوا أَمرَهُم وَهُم يَمكُرُونَ).

فهذه الأمور والإخبَارات المفصّلة التي يُفصِّلها تفصيلا لم يتمكّن أهل الكتاب الذين في وقته ولا من بعدهم على تكذيبه فيها ولا مُعارَضته من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقّـاً.

وتارة يُقرِّر نبوته بِكمال حكمة الله وتمام قُدرته، وأن تأييده لرسوله، ونَصرِه على أعدائه، وتمكينه في الأرض موافق غاية الموافقة لِحكمة الله، وان مَن قَدَح في رسالته فقد قَدَح في حِكمَة الله وفي قُدرَته.

وكذلك نَصره وتأييده الباهر على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأمّلين.

وتارة يُقرِّر نبوته ورسالته بما حازَه من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأن كل خُلُق عال سامٍ, فَلِرَسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه أعلاه وأكملهº فَمَن عظُمت صِفته وفاقَت نُعُوته جميع الخَلق التي أعلاها الصِّدق. أليس هذا أكبر الأدلة على أنه رسول رب العالمين، والمصطفى المختار من الخَلق أجمعين؟

وتارة يُقرِّرها بما هو موجود في كُتُب الأولين، وبشارات الأنبياء والمرسلين، إما باسمه العَلَم، أو بأوصافه الجليلة، وأوصاف أمّته، وأوصاف دِينه.

وتارة يُقرِّر رسالته بما أخبَر به من الغيوب الماضية، والغيوب المستقبَلة، التي وَقَعت في زمانه، والتي لا تزال تَقَع في كل وقت، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا له ولا لِغيره طريق إلى العلم به.

وتارة يُقرِّرها بِحفظه إياه، وعِصمته له من الخَلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم، وجدّهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم، والله يَعصِمه، ويمنعه، وينصره! وما ذاك إلا لأنه رسوله حقاً، وأمِينه على وحيه.

وتارة يُقرِّر رسالته بِذِكر عظمة ما جاء به، وهو القرآن الذي (لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ, حَمِيدٍ,) وتحدّى أعداءه ومَن كَفَر به أن يأتوا بمثله، أو بِعشر سور مثله، أو بِسورة واحدة، فعجزوا، ونكصوا، وباؤوا بالخيبة والفَشَل! وهذا القرآن أكبر أدلّـة رسالته، وأجلّها، وأعمّها.

وتارة يُقرِّر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات الدالّـة كل واحد بِمفرَدِه منها، فكيف إذا اجتمعت على أنه رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا يَنطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحى.

وتارة يُقرِّرها بِعظيم شفقته على

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply