بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على الشبهة:
الحق الذي يجب أن يقال..أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري - رضي الله عنه - º لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة، ولكن أوردها تحت عنوان \" البلاغات \" يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ، ومعروف أن البلاغات في مصطلح علماء الحديث: إنما هي مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن (1).
وقد علق الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (2) بقوله:
\" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري، وعنه حكى البخاري هذا البلاغ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال الكرماني: وهذا هو الظاهر \".
هذا هو الصواب، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار، أو حتى على مجرد التفكير فيه.
وعلى كلٍ, فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان - صلى الله عليه وسلم - يعتني بها، وقد قال القرآن الكريم في ذلك: (قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولاً) (3).
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - في علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليهº لأنه من أعراض بشريته - صلى الله عليه وسلم -.
وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحى فيه يستشرف لقاء جبريل، فهو محبّ للمكان الذي جمع بينه وبين حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة، فماذا فى ذلك أيها الظالمون دائماً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يأتي وما يدع؟
وإذا كان أعداء محمد - صلى الله عليه وسلم - يستندون إلى الآية الكريمة: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) (4).
فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار، ولكنها تعبير أدبي عن حزن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بسبب صدود قومه عن الإسلام، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيمº فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الناس إلى الله، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.
وهذا خاطر طبيعي للنبي الإنسان البشر الذي يعلن القرآن على لسانه - صلى الله عليه وسلم - اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين-: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه). فكان رده: (سبحان ربى) متعجباً مما طلبوه ومؤكداً أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم: (هل كنت إلا بشراً رسولاً) (5).
أما قولهم على محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت في صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربهاº منها نبع الماء من بين أصابعه، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير، وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه فَحُفِظَ، ووعد ببيانهº لذا يظهر بيانه في كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر صحيح البخاري ج9 ص 38، طبعة التعاون.
(2) فتح الباري ج12 ص 376.
(3) الإسراء: 93.
(4) الشعراء: 3.
(5) الإسراء: 93.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد