دراسة السيرة النبوية وأهميتها في المنهج الإسلامي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

النبي الخاتم والرسول الأمين محمد بن عبد الله أمرنا الله - تبارك وتعالى - بالتأسي به وجعله قدوتنا في الحياة يقول - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الأحزاب21، كما أمرنا الله - تعالى - بمحبته (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) التوبة24..فكيف يتحقق هذا الاقتداء ويتصل القلب بهذه المحبة دون دراسة سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم -؟!

إن بعض المناهج والمدارس الإسلامية تغفل دراسة السيرة النبوية إما عن غفلة عن أهميتها ومكانتها في المنهج الإسلامي ودورها في بناء الفهم الإسلامي المستقيم، وإما عن توجس مما قد يكون اعتراها مما يعتري كتب التاريخ عادة من بعض الأخطاء، كما تعمد بعض الدراسات إلى استنطاق مواقف السيرة أحكاما ودلالات تخدم توجها مذهبيا أو حزبيا معينا بصرف النظر عن احتمال هذه المواقف تلك التأويلات والنتائج من عدمه..

والواقع أن المنهج الإسلامي في حاجة إلى دراسات تعيد للسيرة النبوية المطهرة مكانتها وترد إليها اعتبارها بوصفها واحدة من أهم مصادر الفهم الإسلامي الصحيح، وكذا تنقيها وتنقحها من كل تأويل خاطئ أو فهم مغلوط قد لحق بها أو اختلط بمنهجها، عسى أن تساهم هذه السطور في التمهيد لتلك الدراسات المرجوة لإعادة السيرة النبوية إلى مكانتها الطبيعية اللائقة..

 

أولا أهمية دراسة السيرة النبوية:

1 المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم.. أو هي التطبيق العملي للقرآن، أو التفسير العملي للقرآن، فلا شك أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أول وأعظم من فهم القرآن الكريم، فهو مبلغ الرسالة عن ربه - عز وجل -، وهو أعظم من فسر هذا الكتاب الخالد، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقدم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة - أحاديث نبوية - فحسب، ولا قدم تفسيره هذا بين دفتي كتاب يقرأ، ولكنه قدم هذا التفسير وذلك الفهم من خلال حياته العملية والدعوية كلها، فكانت حياته كلها ترجمة فعلية حية للقرآن الكريم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عنه السيدة عائشة - رضي الله عنها -: (خلقه القرآن أو كان قرآنا يمشي على الأرض)، كما تعد مواقف السيرة النبوية كلها أرضا خصبة للمفسرين بما توفره من معرفة أسباب نزول الآيات والمواقف التي نزلت فيها، وكيفية تطبيق الجيل الأول من المسلمين لها، حتى يكاد يستعصي علينا فهم بعض معاني القرآن الكريم في معزل عن الحياة والبيئة التي تنزل فيها، وهي ما تعرف بالسيرة النبوية المطهرة..

2 ضمان عدم الغلو أو التعسف في فهم النصوص وضبط ذلك بتطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ولا توفر السيرة النبوية - وهي التي تجمع مواقفه - صلى الله عليه وسلم - كلها تفسيرا دقيقا للقرآن الكريم بالمعنى اللغوي فحسب، ولكنها تعطينا أهم عنصر من عناصر ضبط الفهم الإسلامي بعيدا عن الغلو أو الخطأ أو التعسف، لأننا حين نجمع النصوص إلى طريقة تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه النصوص، مع إيماننا المطلق بأن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم أهل الأرض بمراد الله - تعالى -من قوله، وأنه أوتي القرآن ومثله معه وهو الحكمة (1) (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)البقرة151، (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) الأحزاب34، ندرك أنه ليس في إمكاننا فهم النصوص قرآنا وسنة فهما لغويا مجردا في معزل عن طريقة تطبيق النبي لها، ونحن مأمورون في كتاب الله بطاعته وإتباعه (من يطع الرسول فقد أطاع الله)النساء80 (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)آل عمران31، وهو القائل: \"خذوا عني مناسككم\" (2).. ومثال على ذلك قوله - تعالى -: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) التوبة 73، [التحريم: 9]، ورغم أن حدود اللغة تقطع بأن جهاد الكفار والمنافقين على حد سواء، وأن المنافقين معطوفة على الكفار، غير أن تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - للنص، وامتناعه من قتل عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق وزعيم المنافقين، ونهيه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي من ذلك \" بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا\"(3)، وكذا نهيه عمر بن الخطاب عن ذلك وحمايته من القتل وقوله لعمر: \" حتى لا تحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه\"(4).. وكذا حمايته لدماء المنافقين بعدم إفشاء سرهم للصحابة واستئمان حذيفة بن اليمان وحده على ذلك، كل ذلك يضعنا أمام فهم مغاير تماما للمعنى اللغوي للآية الكريمة، ويقدم لنا تفسيرا عمليا يتعدى حدود اللغة المجردة إلى فهم أعمق وأشمل، ونجد أنفسنا في النهاية مسلمين بطريقة تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - عبادة وطاعة وإتباعا، وعلى ذلك نستطيع أن نحكم على فهم من يطالب بقتل المنافقين والعملاء مستشهدا بالآية الكريمة في معزل عن تطبيق النبي لها، بأنه فهم مغلوط لا يتفق وطبيعة المنهج الإسلامي، وهذا هو تفسير المفسرين للآية فكيف فسروها هكذا إلا في ضوء تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - لها؟: وقال ابن عباس أمره الله - تعالى -بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم وقال الضحاك جاهد الكفار بالسيف وأغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم وعن مقاتل والربيع مثله وقال الحسن وقتادة ومجاهد ومجاهدتهم إقامة الحدود عليهم وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم(5).. ومثل ذلك ينطبق على كثير من النصوص قرآنا وسنة..

3 ربط القلوب بصاحب السيرة العطرة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن دواعي وأسباب تحقيق محبته دراسة سيرته ومواقفه وحياته كلها.. فتحقيق محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهم واجبات المسلم في الحياة لتحقيق الإيمان يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين \"(6)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمر بن الخطاب في البخاري: \"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه \"(7) والسيرة النبوية هي من أهم وسائل تحقيق هذه المحبة واستقرارها في القلوب..

4 تقديم قدوة عملية خالدة للأجيال المسلمة على مر العصور من خلال حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته كقصة حياة كاملة.. يقول الله- تبارك وتعالى -(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، ويقول - تعالى - (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ولما بسط الله - تعالى -بعض قصص الأنبياء في سورة الأنعام عقب على ذلك بقوله: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)الأنعام90.. فالمطالبة بالاقتداء بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تستوجب دراسة مسيرة حياته بكل دقائقها وتفاصيلها للتأسي بها في كل موقف من مواقف الحياة المعاصرة..

5 المضي على منهج القرآن الكريم الذي قص علينا سير الأنبياء السابقين مثل (آدم - نوح - إبراهيم يوسف - موسى عيسى وأمه مريم.. عليهم جميعا السلام) بصورة شبه كاملة تقريبا.. فأصبح لزاما علينا أن نجمع سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك، لتحقيق الأهداف التي من أجلها بسط الله - تعالى -سير الأنبياء عموما..

6 السيرة النبوية مع الحديث الشريف يمثلان معا السنة النبوية وهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم من مصادر التشريع الإسلامي، لأن السنة النبوية تشمل الأقوال والأفعال والتقرير، وإذا كان علم الحديث يقوم في المقام الأول على الأقوال فإن المواقف والأفعال والمواقف التقريرية تعتبر عماد السيرة النبوية، وإذا كانت كتب السنة والصحاح قد حوت كل ذلك دون تفرقة بين الحديث المنطوق وبين المواقف المختلفة، إلا أنه جاز جمع ما يمثل سيرته - صلى الله عليه وسلم - جمعا مستقلا لتحقيق الأهداف المرجوة من دراسة السيرة النبوية.. يقول الدكتور البوطي عن كتب الحديث: وإن كانت عناية هذه الكتب الأولى تنصرف إلى أقوال رسول الله وأفعاله من حيث أنها مصدر تشريع لا من حيث هي تاريخ يدون. (8)

7 حث الإسلام على ذلك.. يقول بعض الصحابة: \" كنا نعلم أبناءنا الغزوة من غزوات النبي كما نعلمهم السورة من القرآن \"، وانظر إلى أحاديث جابر بن عبد الله الأنصاري الطوال وهو يروي عن بعض غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثل ما رواه عنه في غزوة الأحزاب وغيرها، وحديث كعب بن مالك عن المخلفين عن غزوة تبوك وهو حديث طويل دخل ولا شك في باب القصص التاريخي في المقام الأول، حتى إن أول من جمع المغازي كانوا أبناء الصحابة من أمثال عروة بن الزبير وأبان بن عثمان بن عفان(9)، وسمح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لتميم الداري بالجلوس مرة واحدة في الأسبوع في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليقص سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصصه وأخبار الأمم السابقة (10)..

8 السيرة النبوية قصص، وهي أسهل المواد دراسة واستيعابا، لطبيعة القصص من التشويق والتأثير وسهولة الفهم والثبات في النفس والذهن، ولذلك ركز القرآن الكريم على القصص: (نحن نقص عليك أحسن القصص) [يوسف: 3]، ومن خلال قصص السيرة يتم إحاطة الدارس بكثير من علوم الإسلام ويتشرب معانيه دون كثير جهد وعناء..

9 تحقيق شدة التعلق بالرسالة نفسها وهي دين الإسلام الذي بذلت في سبيله هذه التضحيات الجسام التي تذخر بها سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته أجمعين.. إن دراسة هذه السلسلة المتصلة من العطاء الدائم الذي لا ينقطع والتضحيات الضخمة والجهاد المرير يلقي في قلوب الدارسين قيمة الكنز الذي بين أيديهم فيتمسكون به..

10 دراسة السيرة جزء من دراسة التاريخ، وتكمن أهمية دراسة التاريخ في أن:

أ التاريخ يعيد نفسه، ومشكلات الإنسان تكاد تكون متكررة لا تتغير على وجه الحقيقة، ويجب حلها في ضوء ما تم حلها به سابقا.. (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)

ب التاريخ ذاكرة الشعوب ومن يفقد ذاكرته فلا حاضر ولا مستقبل له..

ج - تعميق هوية وأصالة الأمة والشعوب والحفاظ على التراث..

د يعتبر للتاريخ أهمية خاصة في الأمم صاحبة الرسالة المستمرة المتصلة، لأنه يعينها على فهم طبيعة الرسالة، والثقة في إمكانية تحقيقها على أرض الواقع كما تحققت في عهود سابقة.. والإسلام على وجه الخصوص والتحديد قد ردم الفجوة بين النظرية والتطبيق، فما ظهرت نظرية من النظريات على وجه الأرض إلا وحدث بينها وبين التطبيق الواقعي فجوة طبيعية لاستحالة تطبيق النصوص تطبيقا كاملا على أرض الواقع، إلا دين الإسلام ونصوصه لأنه من لدن حكيم خبير يعلم من خلق، وليس هناك شاهدا على إمكانية تطبيق النصوص تطبيقا واقعيا كاملا خير من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في عصور الالتزام بالمنهج..

هـ اهتمام القرآن الكريم اهتماما بالغا بتاريخ الأمم والشعوب السابقة وتركيزه على معنى الوحدة البشرية منذ بدء خلق الإنسان.. ومطالبته لنا بأخذ الدروس والعبر من التاريخ (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [الروم: 9].

و تقديم تعريف واقعي للمسلم المعاصر في عالم اليوم على أنه إنسان له تاريخ.. إنك لا تستطيع أن تتقدم إلى مؤسسة أو شركة محترمة لشغل وظيفة مرموقة دون تقديم شهادات الخبرة السابقة والسيرة الذاتية، والمسلم اليوم إذا أراد تقديم نفسه للعالم فلابد أن يقدم نفسه على اعتبار أنه إنسان له تاريخ حضاري مجيد يعينه على استشراف دوره في حاضر العالم ومستقبله..

 

ثانيا: ضوابط دراسة السيرة النبوية:

غير أن دراسة السيرة النبوية المطهرة على أهميتها القصوى يجب أن تنضبط بضوابط منهجية حتى لا تتحول إلى نوع من اللهو أو العبث أو التسلية دون تحقيق الأهداف المنهجية المرجوة من دراستها، وأهم هذه الضوابط:

1- ضابط التوثيق على المنهج الإسلامي في حفظ وتوثيق الحديث الشريف، ويعتبر أهم هذه الضوابط ويتعلق بالكتب والدراسات القديمة على وجه الخصوص - لتنقية هذه الكتب من الخرافات والإسرائيليات والوضعيات.. وهذا يتحقق بالتنقيح في ضوء منهج علوم الحديث، ولعل هذا الضابط قد توفر تماما في الدراسات الحديثة للسيرة النبوية..

2 - تجرد الدارس والباحث والكاتب في السيرة النبوية من كل الأهواء و الميول الشخصية، وعدم الخضوع عند تفسير حوادث السيرة واستخراج الدروس للأحكام المسبقة والميول المذهبية والحزبية والفكرية، وهو أهم ضابط يتعلق بالدراسات والكتب الحديثة والمعاصرة.. وهكذا تبقى السيرة نبعا صافيا ينهل منه كل دارس على مر العصور فهي بكر متجددة للاهتداء بها في كل موقف وحدث وكل عصر ومصر..

3 استبعاد كتب ودراسات المستشرقين والمتأثرين بهم تماما ككتاب معتمدين للسيرة النبوية.. لما تمثله مدرستهم من تشكيك في وقائع السيرة من ناحية، ومن تفسير وفهم خاطئ للمواقف من ناحية أخرى، وكذا عدم اعتمادهم في الأعم الأغلب على منهج التوثيق الإسلامي الدقيق مع عدم إلمامهم بعلوم الرجال والجرح والتعديل وغير ذلك من علوم الحديث التي توثق وقائع السيرة النبوية، بالإضافة إلى موقفهم الخاص من قضية الخوارق والمعجزات(11)..

ثالثا: تطور دراسة السيرة النبوية عبر العصور.. والذي يهمنا في هذا المقام إبراز أهم المراحل التي تمثل منعطفات أو ركائز أساسية في دراسة ورواية السيرة النبوية ونستطيع تلخيص هذه المراحل في(12):

1 مرحلة الرواية.. إن معظم دراسات السيرة تركز على مرحلة التجميع باعتبارها المرحلة الأولى من مراحل دراسة السيرة النبوية، غير أنني ألفت النظر أن التجميع إنما قام ويقوم على الرواية في المقام الأول، ولذا فإن المرحلة الأولى من مراحل دراسة السيرة النبوية كانت مرحلة رواية الأحداث والتي بدأها الصحابة رضوان الله عليهم من رواة الأحاديث النبوية وهي الأحاديث التي تتناول المواقف والأحداث وهي التي تبدأ عادة بمثل قولهم: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... ويلحق بذلك تميم الداري الذي أجلسه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله يقص على الناس يوما في الأسبوع فلما كانت خلافة عثمان بن عفان سمح له بيومين.. وكان ذلك بلا شك في العشرين سنة التالية لوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -..

2 مرحلة التجميع وهي التي قام عليها عروة بن الزبير وأبان بن عثمان بن عفان ووهب بن منبه وشرحبيل بن سعد وبن شهاب الزهري.

3 مرحلة التدوين ومثلها محمد بن إسحاق المتوفي عام 152 هـ

4 مرحلة التوثيق والتنقيح والتهذيب ومثلها بن هشام الذي هذب كتاب بن إسحاق وأخرجه لنا في واحد من أهم المصادر القديمة للسيرة النبوية على الإطلاق (سيرة بن هشام)

5 مرحلة المستشرقين وتلاميذهم، وهي منعطف خطير في تناول السيرة النبوية بدأ من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلاديا لخطورة فهم هؤلاء وخطورة منهجهم الذي اعتمد ما يعرف بالمنهج الذاتي في تناول التاريخ وهو منهج يقدم ذاتية الكاتب عن وثائقية الوقائع، بل يكاد يهمل علوم التوثيق جملة وتفصيلا وهي المرحلة التي أخرجت لنا مفهوم العبقرية المحمدية، وبثت شكوكا حول العلاقات الأخوية المتميزة بين الصحابة رضوان الله عليهم، والتي شككت كذلك في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسية المختلفة الثابتة بطرق الثبوت الإسلامية المختلفة..

6 مرحلة الصحوة، وهي المرحلة التي تعد انقلابا على مرحلة المستشرقين والتي أعادت للسيرة النبوية بهاءها باعتماد المنهج العلمي، ثم تابعت في هذا المضمار إضافة المنهج التحليلي والاستنباطي لاستخراج الدروس والأحكام، وهي المرحلة التي يطمئن الدارس والباحث لإنتاجها في مجموعه، ويمثل هذه المرحلة على سبيل المثال مصطفى السباعي (دروس وعبر) الشيخ الخضري البوطي(فقه السيرة) المباركفوري (الرحيق المختوم) عماد الدين خليل(دراسات في السيرة) محمد أحمد باشميل (معارك الإسلام الفاصلة) محمد الغزالي (فقه السيرة)، وغيرهم.

رابعا: منهج مقترح لتناول السيرة النبوية في ضوء ضوابط تجعل دراستها والاهتداء بها ملزمة للمسلمين مثلها مثل فروع الإسلام من تفسير وحديث وفقه وعقيدة:

1 جمع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن الكريم أولا.. فلقد تعددت المواضع التي تناولت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقي الضوء على صفاته والأحداث التي عاصرته، فنحن نعلم العام الذي ولد فيه النبي من حادثة الفيل التي سجلها القرآن في سورة الفيل - ونحن نعلم أشياء عن البيئة التي نشأ فيها من وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأوثان من آيات القرآن ونعلم أنه يتيم من قوله - تعالى -: (ألم يجدك يتيما فآوى)الضحى6 ونعلم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب من قوله - تعالى -: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون)العنكبوت29، (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة) الأعراف 157 ونعرف بحوادث ووقائع كثيرة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن الكريم مثل: الإسراء والمعراج الهجرة بناء مسجد قباء غزوة بدر غزوة أحد يهود بني النضير الأحزاب صلح الحديبية فتح مكة غزوة حنين غزوة تبوك حادثة الإفك مواقف المنافقين من النبي كفالته لزيد بن حارثة زواجه من زينب بنت جحش شغب زوجاته عليه في سورة التحريم استماع الجن للقرآن والرسالة.. )

2 جمع السيرة ثانيا من الأحاديث الشريفة مع تحقيقها، وفقا لمنهج الكتب الصحاح، وهو أمر حادث في بعض الدراسات الحديثة للسيرة النبوية مثل فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي تحقيق الشيخ الألباني..

3 ملء الفراغات واستكمال الصورة من روايات الصحابة والتابعين الموثقة ومن أقوال المفسرين في تفسير الآيات وأسباب نزولها..

4 ربط دراسة السيرة بعلم أصول الفقه.. بمعنى استخراج الأحكام والعبر والعظات والدروس من السيرة باعتبارها من أصول التشريع كفرع من السنة النبوية مع الحديث الشريف وعدم تركها لأهواء الكتاب والدارسين.. حماية للفهم الإسلامي من الشذوذ أو الغلو أو الخطأ، وحماية للسيرة من التأويل الخاطئ، أو لي أعناق الوقائع والأحداث إلى أحكام أبعد ما تكون عن مقاصدها الحقيقية، ومثال على ذلك ما يؤكده الدكتور البوطي عن منهجه في كتابة فقه السيرة فيقول: ولقد استنبطت من أحداث السيرة النبوية طبقا لهذه القواعد أحكام كثيرة منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين، ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك، والمهم في هذا الصدد أن نعلم أنها جاءت منفصلة عن التأريخ وتدوينه، بعيدة عن معناه ومضمونه، وإنما كانت نتيجة معاناة علمية أخرى نهضت في حد وجودها على البنيان التاريخي الذي قام بدوره على القواعد العلمية التي ذكرناها \"href=\"#1\">(13).. وليؤمن الدارسون والباحثون أن لتفسير أحداث السيرة النبوية قدسية مثل تفسير القرآن الكريم، فهي داخلة في الحكمة التي قرنها الله - تعالى - في أكثر من موضع مع الكتاب الذي أنزله على رسوله، وقد قال المفسرون على أن الحكمة في الآيات هي السنة النبوية(14) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إني أوتيت القرآن ومثله معه(15)..

 

----------------------------------------

(1) أجمع المفسرون على أن الحكمة هي السنة أو فهم القرآن أو الفقه في الدين ويعلق القرطبي على ذلك بقوله: لا تعارض.

(2) رواه عروة بن الزبير عن جابر - رضي الله عنه - القرطبي ج1 ص 39.

(3) فقه السيرة للبوطي ص 216.

(4) صحيح البخاري الرحيق المختوم للمباركفوري ص 330.

(5) ابن كثير 2\\372 $ الآيات (التوبه 73: 74).

(6) صحيح البخاري 15 / 44 بن كثير ج2 ص334 .

(7) البخاري 6632.

(8) فقه السيرة للبوطي ص 21.

(9) البوطي ص 20.

(10) حول القصة الإسلامية للدكتور نجيب الكيلاني ص 29.

(11) للدكتور البوطي تفصيل وافي في بحثه الرائع السيرة النبوية كيف تطورت دراستها.

وكيف يجب فهمها اليوم.. الذي جعله تمهيدا لكتابه (فقه السيرة) الطبعة السابعة.

(12) ما أقدمه هنا هو خلاصة لدراسة عدة كتب تناولت هذا الموضوع من أمثال.

البوطي، والقصة الإسلامية للكيلاني، والرواية العربية عصر التجميع لفاروق خورشيد.

(13) فقه السيرة ص 23.

(14) قاله قتاده وغير واحد (بن كثير ج3ص487) قال أهل العلم بالتأويل: الكتاب القرآن، والحكمة السنة (تفسير القرطبي ج14 ص 183.

(15) تفسير بن كثير ج1 ص 4 ويقول بن كثير تعقيبا على هذا الحديث: ذلك أن السنة تتنزل عليه كما ينزل القرآن غير أنها لا تتلى. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply