الحمد لله
فوائد من زاد المعاد
بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية:
فمنها: اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج فإنه خرج إليها في ذي القعدة .
ومنها: أن الإحرام بالعمرة من الميقات أفضل كما أن الإحرام بالحج كذلك .
فإنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بهما من ذي الحليفة وبينها وبين المدينة ميل أو نحوه.
ومنها: أن سوق الهدي مسنون في العمرة المفردة كما هو مسنون في القران.
ومنها: أن إشعار الهدي سنة، والمثلة منهي عنها.
ومنها: استحباب مغايظة أعداء الله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى في جملة هديه جملاً لأبي جهل في أنفه برة من فضة يغيظ به المشركين .
ومنها: أن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون أمامه نحو العدو .
ومنها: أن الإستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة لأن عينه الخزاعي كان كافراً إذ ذاك وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخباره.
ومنها: استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه استخراجاً لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم وأمناً لعتبهم، وامتثالاً لأمر الرب في قوله - تعالى -{وشاورهم في الأمر} ومدح - سبحانه وتعالى - عباده بقوله: {وأمرهم شورى بينهم}.
ومنها: جواز سبي ذراري المشركين إذا انفردوا عن رجالهم قبل مقاتلة الرجال.
ومنها: رد الكلام الباطل ولو نسب إلى غير مكلف فإنهم لما قالوا: خلأت القصواء يعني حرنت وألحت فلم تسر.
ومنها: أن تسمية ما يلابسه الرجل من مراكبه ونحوها سنة.
ومنها: جواز الحلف بل استحبابه على الخبر الديني الذي يريد تأكده وقد حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من ثمانين موضعاً، وأمره الله - تعالى -بالحلف على تصديق ما أخبر به في ثلاثة مواضع في سورة يونس وسبأ والتغابن.
ومنها: أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمراً يعظمون فيه حرمة من حرمات الله - تعالى -فإنهم يجابون إلى طلبهم.
ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل ذات اليمين إلى الحديبية، قال الشافعي: بعضها من الحل وبعضها من الحرم.
ومنها: أن من نزل قريباً من مكة فإنه ينبغي له أن ينزل في الحل ويصلي في الحرم وكذلك كان ابن عمر يصنع.
ومنها: جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة .
ومنها: احتمال قلة أدب رسول الكفار وجهله وجفوته ولا يقتل على ذلك لما فيه من المصلحة العامة.
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة \" أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء \" دليل على أن مال المشرك المعاهد معصوم وأنه لا يملك بل يرد عليه فإن المغيرة كان قد صحبهم على الأمان ثم غدر بهم وأخذ أموالهم فلم يتعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - لأموالهم ولا ذب عنها ولا ضمنها لهم لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة.
وفي قول الصديق لعروة: \" امصص بظر اللات \" دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال كما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصرح لمن ادعى دعوى الجاهلية بهن أبيه ويقال له: اعضض بهن أبيك ولا يكني له، فلكل مقام مقال.
ومنها: طهارة النخامة سواء كانت من رأس أو صدر.
ومنها: طهارة الماء المستعمل .
ومنها: استحباب التفاؤل وأنه ليس من الطير المكروهة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما جاء سهيل \" سهل أمركم \".
ومنها: أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغنى ذلك عن ذكر الجد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزد على محمد بن عبد الله وقنع من سهيل بذكر اسمه واسم أبيه خاصة، واشتراط ذكر الجد لا أصل له .
ومنها: أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ظلم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما.
ومنها: أن من حلف على فعل شيء أو نذره أو وعد غيره به ولم يعين وقتاً لا بلفظه ولا بنيته لم يكن على الفور بل على التراخي .
ومنها: أن الحلاقة نسك وأنه أفضل من التقصير، وأنه نسك في العمرة كما هو نسك في الحج، وأنه نسك في عمرة المحصور كما هو نسك في عمرة غيره.
ومنها: أن المحصر ينحر هديه حيث أحصر من الحل أو الحرم وأنه لا يجب عليه أن يواعد من ينحره في الحرم إذا لم يصل إليه وأنه لا يتحلل حتى يصل إلى محله بدليل قوله - تعالى -{والهدي معكوفاً أن يبلغ محله} .
ومنها: أن الموضع الذي فيه الهدي كان من الحل لا من الحرم.
ومنها: أن المحصر لا يجب عليه القضاء لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالحلق والنحر ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء والعمرة من العام القابل لم تكن واجبة ولا قضاء عن عمرة الإحصار .
ومنها: أن الأمر على الفور وإلا لم يغضب لتأخيرهم الامتثال عن وقت الأمر، وقد اعتذر عن تأخيرهم الإمتثال بأنهم كانوا يرجون النسخ فأخروا متأولين لذلك.
ومنها: أن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام إلا ما خصه الدليل، ولذلك قالت أم سلمة: \" اخرج ولا تكلم أحداً حتى تحلق رأسك وتنحر هديك \"، وعلمت أن الناس سيتابعونه.
ومنها: جواز صلح الكفار على رد من جاء منهم إلى المسلمين وألا يرد من ذهب من المسلمين إليهم هذا في غير النساء، وأما النساء فلا يجوز اشتراط ردهن إلى الكفار، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب .
ومنها: أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم، ولذلك أوجب الله - سبحانه - رد المهر على من هاجرت امرأته وحيل بينه وبينها وعلى من ارتدت امرأته من المسلمين إذا استحق الكفار عليهم رد مهور من هاجر إليهم من أزواجهم وأخبر أن ذلك حكمه الذي حكم به بينهم ثم لم ينسخه شيء وفي إيجابه رد ما أعطى الأزواج من ذلك دليل على تقومه بالمسمى لا بمهر المثل .
ومنها: أن رد من جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول من خرج منهم مسلماً إلى غير بلد الإمام وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام لا يجب عليه رده بدون الطلب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أبا بصير حين جاءه ولا أكرهه على الرجوع ولكن لما جاءوا في طلبه مكنهم من أخذه ولم يكرهه على الرجوع .
ومنها: أن المعاهدين إذا تسلموه وتمكنوا منه فقتل أحداً منهم لم يضمنه بدية ولا قود ولم يضمنه الإمام بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهدين بذي الحليفة وهي من حكم المدينة ولكن كان قد تسلموه وفصل عن يد الإمام وحكمه .
ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم وسواء دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أولم يدخلوا والعهد الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد