ومن المعالم في تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه
الحادي والعشرون: الهجر.
وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلوب الهجر في موقف مشهور في السيرة، حين تخلف كعب بن مالك - رضي الله عنه - وأصحابه عن غزوة تبوك، فهجرهم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، لا يكلمهم أحد أكثر من شهر حتى تاب الله - تبارك وتعالى - عليهم، إلا أن استخدام هذا الأسلوب لم يكن هدياً دائماً له - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت أن رجلاً كان يشرب الخمر وكان يضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - … والمناط في ذلك هو تحقيقه للمصلحة، فمتى كان الهجر مصلحة وردع للمهجور شرع ذلك وإن كان فيه مفسدة وصد له حرم هجره.
الثاني والعشرون: استخدام التوجيه غير المباشر.
ويتمثل التوجيه غير المباشر في أمور منها: كونه - صلى الله عليه وسلم - يقول ما بال أقوام، دون أن يخصص أحداً بعينه، ومن ذلك قوله في قصة بريرة فعن عائشة - رضي الله عنها - فقالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم - على المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط [رواه البخاري (2735) ومسلم] وكذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» [رواه البخاري (1401)] وأحياناً يثني على صفة في الشخص ويحثه على عمل بطريقة غير مباشرة، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان الرجل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل، قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً [رواه البخاري (3738-3739] وأحياناً يأمر أصحابه بما يريد قوله للرجل، فعن أنس بن مالك أن رجلا دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه أثر صفرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه [رواه أبو داود (4182)] وأحياناً يخاطب غيره وهو يسمع، فعن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إني لست بمجنون [رواه البخاري (6115) ومسلم (2610)]
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد