فتح مكة - سنة رمضان 8 هـ


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش، وانضمت قبيلة خزاعة لحلف المسلمين.

وكان بين بني بكرٍ, وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء، وذات يومٍ, تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ, من قبيلة بكر الموالية لقريش، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً.

ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها، ولكن بني بكرٍ, لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم. فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ, عليهم، وأنشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - شعراً:

يا رب إني نـاشد محمداً * * *  حلف أبـينا وأبيه الأتلدا

إن قريشٌ أخلفوك المـوعدا * * *  ونقضوا ميثاقك المؤكدا

فانصر رسول الله نصراً أعتدا  * * * وادع عباد الله يأتوا مدداً

فقال له رسول الله عليه وسلم: \" نصرت يا عمرو بن سالم، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه \". ودعا الله قائلاً \" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها \".

 

وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ,، ونقضها للعهد، فأرسلت أبا سفيانٍ, إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد، ولكنه عاد خائباً إلى مكة.

 

وأخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة. فحضرت جموعٌ كبيرة من القبائل.

 

ولكن حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً من صحابي. وهو أن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً بعث به إلى قريشٍ, مع امرأة، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ. فإذا الوحي ينزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بما صنع حاطب، فبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة. وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها.

 

فلما عاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه، ولكنه خاف إن فشل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على أهله والذين يعيشون في مكة.

 

فقال عمر: \" يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق \". فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: \" إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم \".

 

وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر. فعفا عنه، وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة. وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل. ووصلوا \" مر الظهران \" قريباً من مكة، فنصبوا خيامهم، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار. فأضاء الوادي.

 

وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان. فأخذه العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال له الرسول - عليه الصلاة والسلام -: \" ويحك يا أبا سفيانٍ, أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ \".

 

فقال العباس: \" والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد \".

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ \"

فقال: \" أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً \".

وبعد حوارٍ, طويلٍ, دخل أبو سفيانٍ, في الإسلام. وقال العباس: \" إن أبا سفيانٍ, يحب الفخر فاجعل له شيئاً. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \" من دخل دار أبي سفيانٍ, فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن \".

 

وأراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يري أبا سفيانٍ, قوة المسلمين، فحبسه عند مضيق الجبل. ومرت القبائل على راياتها، ثم مر رسول الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان: ما لأحدٍ, بهؤلاء من قبل ولا طاقة.

 

ثم رجع أبو سفيانٍ, مسرعاً إلى مكة، ونادى بأعلى صوته: \" يا معشر قريش، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. فمن دخل داري فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن \". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد. وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين، وقد دخل مرفوع الجباه. ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

 

ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله - تعالى -: ((إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً))

 

واستسلمت مكة، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء: الله أكبر..الله أكبر.

 

وتوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرم، وطاف بالكعبة، وأمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها.وكان يشير إليها وهو يقول: ((و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً))

 

وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - بلالاً أن يؤذن فوقها.

 

ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ \" قالوا: \" خيراً. أخٌ كريمٌ وابن أخٍ, كريم \". فقال - عليه الصلاة والسلام -: \" اذهبوا فأنتم الطلقاء\".

 

فما أجمل العفو عند المقدرة، وما أحلى التسامح والبعد عن الانتقام. ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا، قرن الحضارة كما يقولون، لنعلم الفرق ما بين الإسلام والكفر.

 

وهكذا ارتفعت راية الإسلام في مكة وما حولها، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply