إسماعيل بن علي الأكوع علامة اليمن ومؤرخها


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لمحات من حياته اسمه ولقبه ونسبه:

هو القاضي أبو محمد إسماعيل بن علي بن حسين بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل الأَكوَع الحِوالي.

ولَقبُ القاضيº لقبٌ تشريفيُّ لمن كان والدُه يشتغل بالقضاء، ولو لم يكن مع الابن ما يؤهِّله للقضاء. أما نسبة الأكوع، فتعود إلى جدِّه محمد بن إبراهيم، الملقَّب بالأَكوَعº لبُروزٍ, في كُوعِه. وأما الحِوالي فنسبة إلى ذي حِوال الأكبر الحِميَري.

وُلد في مدينة ذِمار ضحى الأربعاء 11 من جمادى الآخرة سنة 1338هـ، الموافق 1 من آذار 1920م.

ومذهب هذه الأسرة في الأصل هو المذهب الزيديِّ، إلا أنه ظهر فيهم منذ منتصف القرن الثالثَ عشرَ الهجريِّ من تحوَّل إلى مذهب أهل السنة، منهم أحمد بن عبد الله الأكوَع والد جدِّ صاحب الترجمة.

 

أسرته وأهل بيته:

والده: القاضي العلامة جمال الدين، علي بن حسين بن أحمد بن عبد الله الأكوع، تولَّى الإفتاء والقضاء في ناحية خُبَّان، وكان يقصده الناس من مختلِف المناطق.

والدته: فاطمة بنت حسين بن عبد الله المجاهد، يتصل نسبها من قِبَل أمِّها بالإمام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله -.

أولاده: أنجب ولدَين وبنتين، اهتمَّ بتربيتهم وتعليمهم العلم الشرعي والدنيوي، فكان منهم أول طبيبة في اليمن، وسفير اليمن في المملكة العربية السعودية.

 

طفولته وبداية طلبه للعلم:

تدور مراحلُ حياة صاحب الترجمة حول محور واحد هو العلم، فقد بدأت مرحلةُ الطلب من حين تخرَّج من المِعلامة (وهي حُجرة صغيرة ملحقةٌ بالمسجد) بعد سنتين أمضاهما فيها، وانتقل إلى (المكتب) وهو كتَّاب حكومي يعلم الطلاب قراءة القرآن وتجويده، والحساب، والخط، ثم دخل المدرسة، فقرأ فيها أول كتاب (شرح الآجُرٌّومِيَّة) للصِّنهاجي.

 

وفي طفولته كان ملازماً لوالده في حلِّه وترحاله، يحضر مجالسه العلمية في المدرسة والمسجد والبيت. ويقول هو عن ذلك: \"إن المدرسة الحقيقية كانت مدرسةَ الوالد - رحمه الله -، وأكثر الاستفادة من جلساته العلمية، وكنت أحضر شطراً من اليوم في مجلس الوالدº ذلك لأني كنت في غالب الأيام أقوم بخدمته وخدمة مَن يرتاد مجلسه من العلماء والباحثين والدارسين..\".

وقد غرسَت مجالس العلم هذه في نفس الشيخ حبَّ العلم والشغف به، وكان يتذوَّق للعلم لذة لا يجد لها مثيلاً في نعيم الدنيا.ومن الواضح أن هذه المرحلة أثرت في مسيرة حياته فيما بعد، حيث صبغتها بالصِّبغة العلمية وحب العلم وأهله، والتفاني في طلب العلم وخدمته.

 

شيوخه:

أخذ القاضي إسماعيل القرآن وعلوم الحديث والفقه وعلم أصول الفقه وعلم النحو وعلم المعاني والبيان عن جِلَّة علماء اليمن وأكابرهمº منهم:

أحمد بن علي التويرة: المقرئ الضرير.

وأحمد بن محمد بن أحمد الأكوع: وهو والد زوجة المترجَم، عالم في الفقه والفرائض مشارك في غيرهما.

وأحمد بن محمد الوائلي: وهو من ألمع تلاميذ العلامة محمد بن علي الأكوع أخي صاحب الترجمة.

وثابت بن سعد بهران: عالم محقق في علوم الحديث، له معرفة تامة بعلوم العربية.

وحسن بن أحمد بن عبد الباري الأَهدَل: وهو عالم في الفقه، له مشاركة جيدة في غيره.

وحسن بن زيد بن علي الديلمي: وهو عالم مبرِّز في علوم العربية والحديث والتفسير.

وحمود بن محمد بن إسماعيل المِحنَبي الهتاري: وهو عالم محقق في الفقه وعلوم العربية والتفسير والحديث.

وزيد بن يحيى عَقَبات: وكان عالماً في الصرف والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه.

وصالح بن محمد الحُودي: وكان إمام القرَّاء في عصره، وعالماً محققاً في علوم القراءات وأصول الدين والفقه.

وعبد القادر بن عبد الله بن علي: وهو عالم محقق في العلوم والحديث واللغة.

وعبد الله بن أحمد الصادق: وهو عالم مشارك.

والعلامة عبد الله بن محمد السٌّوسٌّوَة: وهو عالم محقق في الفقه والفرائض والنحو.

وعلي بن أحمد بن قاسم حميد الدين: وهو عالم مشارك.

وعلي بن حسين الشامي: وهو عالم مبرز في كثير من العلوم، ولا سيما العربية، وكان شاعراً أديباً راوية للأخبار.

وعلي بن محمد بن حسن الأكوع: وهو عالم محقق ومبرز في الفروع والأصول والنحو والصرف والمعاني والبيان والفرائض.

ولطف بن زيد الديلمي: وهو عالم جليل محقق في النحو والصرف والمعاني والبيان وأصول الفقه.

ومحمد بن سالم البَيحاني: العلامة الخطيب والشاعر الضرير، وهو من علماء عدن.

ومحمد بن ناجي وهَّابي: وهو عالم في الفقه، له مشاركات قوية في علوم العربية.

ووالده علي بن حسين الأكوع.

وأخوه محمد بن علي الأكوع.

 

مناشطه السياسية:

نشأ صاحب الترجمة - كما تقدَّم - في بيئة علمية كان لها أثر كبير في توسيع مداركه وزيادة وعيه في أمور الحياة، ولم يكن تقليدياً في تعلٌّمه وتعليمه، فقد غرس فيه شيوخُه بغضَ الظلم والظالمين، فنشأ حرّاً أبيّاً، يأبى الظلم ويسعى إلى تغييره.

 

بدأ القاضي إسماعيل العمل السياسي بعد وفاة والده بانخراطه في صفوف الحركة الوطنية التي انضوى تحت لوائها كثيرٌ من أعلام اليمن ورجالاته. وتكفَّل أول الأمر بمهمة الاتصال بمشايخ بعض القبائل في بلاد ذمار، وتوزيع منشورات الأحرار عليهم، وتبصيرهم بالقضية الوطنية.

وقد جرَّ عليه العمل مع الأحرار متاعب جمَّة، من سجن وتعذيب وهجرة من وطنه سنوات عديدة، حتى عاد إليه سنة 1386هـ 1960م. وعُيِّن سكرتيراً أول للمفوضية اليمنية في موسكو.

 

وبعد قيام الثورة الجمهورية على الملكية، عاد إلى صنعاء، وعُهد إليه منصب مستشارٍ, ثقافيٍّ, في سفارة اليمن بالقاهرة، وفي سنة 1964 عمل في وزاة الخارجية، وعُيِّن نائباً ثانياً لوزير الخارجية، ثم سفيراً متجولاً، إلى أن استقرَّ به الحال وزيراً للإعلام في وزارة حسن العمري في عهد القاضي عبد الرحمن الأرياني.

 

وبعد استقالة الحكومة سنة 1969م، رفض العودةَ للعمل في السلك السياسي، وبدأ بتأسيس مؤسسة تهتمٌّ بالحفاظ على المخطوطات والكتب والآثار، والتي سميت فيما بعد (الهيئة العامة للآثار ودور الكتب)، وبقي في رئاستها 21 سنة، إلى أواخر سنة 1990م. وفي خلال هذا العمل تفرَّغ صاحب الترجمة للقراءة والكتابة، والاطلاع على المخطوطات المتعلقة بما قام بتأليفه. وحضر مؤتمرات الآثار التي عُقدت في بعض الدول العربية.

 

أما أبرز الأعمال التي قامت بها دار الكتب أثناء رئاسته، فهي إنشاء متحف للآثار اليمانية، وعمل مسح أثري لكثير من مناطق اليمن بمساعدة بعثات دولية متخصِّصة. وكان النصيب الأوفر من اهتمام الدار منصبّاً نحو اقتناء المخطوطات الإسلامية النادرة، والتي جمعت منها نحو ثلاثة آلاف من رسائل وكتب.

 

رحلاته:

عُرف عن الشيخ حبٌّه للأسفار منذ صغره، وكان يعد السفر أفضلَ هواياته ويجد فيه متعة وفائدة كبيرين. فقد تجول داخل اليمنº فلم يدع مدينة ولا هجرة في اليمن إلا زارها، واطلع على معالمها، وتعرف أهلها وعلماءها. وخارج اليمنº زار بلدان العالم العربي جميعها وبعضاً من بلدان العالم الأخرى، ومن تلك الزيارات ما كانت رسمية بحكم عمله في السلك السياسي، ومنها ما كانت خاصة للبحث والاستزادة من المعرفة.

 

وكانت له رحلتان طويلتان: إحداهما من الإسكندرية إلى إيطاليا مروراً بأثينة وبلغراد وزغرب وتريستة ثم إلى برينديزي على شاطئ الأدرياتيك ثم العودة إلى الإسكندرية.

والأخرى من موسكو إلى ألمانية ومنها إلى فرنسة ثم إسبانية فالمغرب فالجزائر فتونس فرومة، انتهاءً بالقاهرة.

وقد زار الولايات المتحدة سنة 1979م بدعوة رسمية، وبقي فيها شهراً، تجوَّل خلاله في عدد من ولاياتها.

وفي آسية، زار الصين وأندونيسية وماليزية وبروناي وسنغافورة بالإضافة إلى الدول العربية فيها.

وزار المملكة العربية السعودية حاجاً وزائراً سنة 1378هـ.

وقد عرف الشيخ من خلال رحلاته وعمله السياسي والعلمي، عدداً كبيراً من العلماء والأدباء من عرب وعجم، مسلمين وغير مسلمين، وربطته بهم علاقات وثيقة.

 

مناشطه العلمية وعضويته في المجامع:

شارك القاضي إسماعيل الأكوع في كثير من المؤتمرات والندوات واللجان العربية والدولية، بعضها ممثلاً عن اليمن، وبعضها بصفته الشخصية.

فقد تمتع بمكانة علمية رفيعة، رغبت لأجلها الكثيرُ من المجامع العربية والإسلامية في انضمامه إليها، فهو عضو في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، وعضو في مجمع اللغة العربية الأردني، وعضو في المجمع العلمي الهندي، وعضو في اتحاد المؤرخين العرب، وعضو في معهد الآثار الألماني في برلين.

 

منهجه العلمي:

يقول صاحب الترجمة عن منهجه في التأليف: \"البحث عن الحقيقة وإبرازها في صورة بعيدة عن الغلوِّ والتشويه أو الزيادة مما ليس منها، أو حذف ما لا ينسجم مع رغبة الكاتب\".

ويقول: \"على المؤرخ الصادق الأمين أن يبرز الجوانب المضيئة في تاريخ بلاده، وألا يَغفل عن ذكر الجوانب المظلمة، حتى يهتمَّ من بيده الأمر لإزاحة الظلام عنها. وعلى المؤرِّخ أن يكتب ما يراه صحيحاً بتجرٌّد من الهوى لغرض ما، وأن يكون صادقاً منصفاً فيما يتناوله\".

 

ويقول: \"وقد أخذت على نفسي أن أتحرى الحقَّº فلا حُبٌّ من أحبٌّه يجعلني أخفي ما له من عيوب ضارَّة بغيره، فإذا ذكرتُ ذلك فما بي زجرُه والتشهير به، ولكن ليتَّعظ به غيرُه. ولا كُرهُ مَن أكرهُ في سبيل الحقِّ يجعلني أسلبُه محاسنه، بل أُشيدُ بها ليكون قدوةً حسنةً لغيره\".

 

وهذا المنهج الذي اتبعه صاحب الترجمة - إظهار الحق وبيانه للناس - طبَّقه على كل من ترجم له، حتى لو كان أقربَ الناس إليه، ذاكراً محاسنهم ومثالبهم.

 

نبذه للتقليد:

لم يتقيَّد الشيخ بمذهب فقهي بعينه، بل نجده يدور مع الدليل، من الكتاب وصحيح السنَّة، حيث دار، ويُثني على مَن هذا شأنه، ويَعيب على من يجمُد على رأي في الأصول أو الفروع وإن كان الدليل يخالفُه، وقد بيَّن منهجَه هذا في مقدمة كتاب (هِجَر العلم ومعاقله في اليمن) بقوله: \"أنكرت على المتعصِّبين تعصٌّبهم لغير الحق، وشدَّدت النكير عليهم\".

 

وقال - حفظه الله - منكرًا الجمودَ والتعصٌّب: \"وهذا ما يحدث عند كثير من الجامدين على آراء مذاهبهم، فإنَّهم وإن كانوا يعرفون أنَّ الحق مع غيرهم، وأنَّهم على غير الحقِّ، فإنَّهم لا يتزحزحون قِيدَ أُنملة رجوعًا إلى الصواب، مع أنَّ الحقَّ أحقٌّ أن يُتَّبع، ولو كان مخالفاً لما نشأ عليه المقلِّد واعتقده، ولكن (لهوى النفوسِ سَريرةٌ لا تُعلَمُ). وقد جرت بيني وبين أحد العلماء المحقِّقين لكثير من كتب السنَّة محاورةٌ، فكان دائماً يستشهد بكلام مذهبه، فنبَّهته لذلك، ولكنه مُصرُّ على ذلك، ولو كان مخالفًا للسنَّة! ولا قوة إلا بالله\".

 

دفاعه عن السنة:

ولنبذه التقليد، نجده دائمَ الدفاع عن السنَّة النبوية وأهلها من العلماء، ولا يَدَعُ مناسبةً في كتابٍ, ألَّفه أو مقالة يكتبها، أو مجلسَ علم، إلا ويتصدَّى للدفاع عن السنَّة، والإشادة بعلمائها في شتَّى الأمصار، وعلى مرِّ الأزمان، ومن قرأ كتاب (أئمة العلم المجتهدون في اليمن)، وكتاب (هِجَر العلم ومعاقله في اليمن)، فسيرى مصداقَ ذلك.

 

وقد قال في مقدمته: \"وأفضتُ في تراجم علماء السنَّة، لاسيما المجتهدين منهم، الذين كان لهم فَضلٌ كبير ويدٌ عظيمة في نشر السنَّة النبوية في اليمن والعمل بها، وحثِّ الناس على ترك التقليد، والرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح... \".

مثالُ ذلك ما أورده في ترجمة عقيل بن يحيى الإرياني في كتاب (هِجَر العلم ومعاقله في اليمن)، حيث قال فيه: \"سلك مَسلَك أهل السنَّة في اتِّباع أدلة كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونعى على المقلِّدين والمعتقدين بالأولياء جمودَهم... فاتَّهمه بعض الغُلاة بأنه يَنزِع إلى عقيدة الوهابية، فقال:

إن أنا نزَّهتُ إلهي عن الأندادِ قالوا أنتَ وهَّابي

لكنَّ لي بالمصطفى أسوةً فقَومُهُ سَمَّوه بالصابي

وعلَّق الشيخ الأكوع في هامش الترجمة بقوله: \"مازال هذا دأبَ أعداء السنَّةº فمن قبلُ كانوا يتَّهمون مَن يميل إلى العمل بالكتاب والسنة بأنه ناصبيُّ، واليوم يتهمونه بأنه وهَّابي، فلا حول ولا قوة إلا بالله\".

بل إنَّه من شدةِ تمسٌّكه بالسنَّة كان يشترط في إجازاته لمن يأخذُ عنه ألا يأخذَ عن رافضيٍّ, أو أحدٍ, من أهل البدع.

 

مؤلفاته:

خلَّف صاحب الترجمة مجموعة قيِّمة من المؤلَّفات و التحقيقات، بالإضافة إلى البحوث والمقالات النقدية، وأذكر هنا أهمَّ مؤلفاته وتحقيقاته:

1 - أئمة العلم المجتهدون في اليمن.

2 - أعراف وتقاليد حكَّام اليمن في العصر الإسلامي.

3 - الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم والقواصم.

4 - الأمثال اليمانية.

5 - تاريخ أعلام آل الأكوع.

6 - الدولة الرسولية في اليمن.

7 - الزيدية: نشأتها ومعتقداتها.

8 - سدود اليمن، أبرز مظاهر حضارتها القديمة.

9 - مخاليف اليمن.

10 - المدارس الإسلامية في اليمن.

11 - نشوان بن سعيد الحميري، والصِّراع الفكري والسياسي والمذهبي في عصره.

12 - هِجَر العلم ومعاقله في اليمن.

13 - البلدان اليمانية عند ياقوت (تحقيق).

14 - مجموع بلدان اليمن وقبائلها للقاضي محمد بن أحمد الحجري (تحقيق).

 

المرجع:

كتاب (إسماعيل بن علي الأكوع، علاَّمة اليمن ومؤرِّخها)، تأليف: إبراهيم باجس عبد المجيد المقدسي، وهو الكتاب رقم (27) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2005م.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply