الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب .. مناقب وفصول دعوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تتعرض الكتب السلفية ومؤلفات أعلام الأمة أمثال المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ ابن باز وابن عثيمين - رحمهم الله - لحملة شرسة واعتداء صارخ وتجريح متعمد لإقصاء دورهم وتبديد جهودهم في العالم الإسلامي، وفتح الباب للفرق الضالة وخزعبلات الصوفية المنحرفة لتنتشر وتحل مكان العقيدة السليمة ولواء التوحيد.

ومن هنا ارتأينا أن نفتتح في الفرقان هذه الحلقات لبيان مآثر علماء السلف الصالح ودعوتهم وجهودهم الدعوية المباركة.. ذلك أن الحديث عن المصلحين وأئمة الدين لا يبلى مهما تعدد، ولا يمل مهما ترددº لأن الحديث عنهم معين ثرّ، يستطيبه الكاتب والمتحدث، كما يولع به المتلقي والسامع.

وإمامنا محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأجزل الله له الثواب - تعددت الكتابات عنه لتؤكد أن دعوة الإمام هي دعوة الإسلام، دعوة السلف الصالح.. يمكن أن يتحدث عنها المؤرخ فيسهب، والأديب فيطنب، والعالم فيؤسس، والمربي فيقرب، وغيرهم.

حال عصره

يلخص لنا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن حال العصر الذي ظهر فيه الشيخ محمد بقوله:

-كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه آهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة و القرآن وشب الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه من الآباء والأجداد، و أعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريق الآباء و الأسلاف مرفوعة الأعلام وأحاديث الكهان والطواغيت مقبول غير مردود-.

{وقد قيل للشيخ محمد بن عبد الوهاب حينما رأى الناس يتمسحون ويستغيثون عند قبور آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويطوفون: ماذا تقول في هؤلاء؟ قال: هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.

عقيدته ومنهجه

كان - رحمه الله - على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعقيدة أئمة السنة والهدى لم يخالفهم في شيء لا في باب أسماء الله وصفاته ولا في الإيمان والكفر، ولا في الوعد والوعيد والشفاعة، ولا في أمر من الأمور الغيبية، ولا في غيرها، ولا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وكفره السلف الصالح واقتضى ذلك أصول أهل السنة ومنهجهم.

{وأما توحيد العبادة والألوهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ، وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شُعب الإيمان، وهذا الأصل لابد فيه من العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائناً من كان، وهذا هو الحكمة التي خُلقت لها الأنس والجن وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وهذا هو دين الإسلام وهو يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم كان مستكبراً عن عبادته<.

{وأما مسائل القدر والجبر والإمامة والتشيع ونحو ذلك من المقالات والنحل فهو أيضاً فيها على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الهدى والدين يبرأ مما قالته النفاة القدرية المجبرة، وماقالته المرجئة والرافضة، وما عليه غلاة الشيعة والناصبة، يوالي جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكف عما شجر بينهم، ويرى أنهم أحق الناس بالعفو عما يصدر عنهم، وأقرب الخلق إلى مغفرة الله وإحسانه لفضائلهم وسوابقهم وجهادهم، وما جرى على أيديهم من فتح القلوب بالعلم النافع والعمل الصالح، وفتح البلاد ومحو آثار الشرك وعبادة الأوثان والنيران والأصنام والكواكب، ونحو ذلك مما عبده جهال الأنام، ويرى البراءة مما عليه الرافضة وأنهم سفهاء لئام، ويرى أن أفضل الأئمة بعد نبيها، أبو بكر فعمر فعثمان فعلي - رضي الله عنهم - أجمعين، ويعتقد أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ويبرأ من رأي الجهمية القائلين بخلق القرآن، ويحكى تكفيرهم عن جمهور السلف أهل العلم والإيمان، ويبرأ من رأي الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب القائلين بأن كلام الله هو المعنى القائم بنفس الباري وإنما نزل به جبريل حكاية وعبارة عن المعنى النفسي، ويقول هذا من قول الجهمية، وأول من قسم هذا التقسيم هو ابن كلاب وأخذ عنه الأشعري وغيره، ويخالف الجهمية.

{ولا يرى ما ابتدعه الصوفية من البدع والطرائق المختلفة المخالفة لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته في العبادات والخلوات والأذكار المخالفة للمشروع.

{ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده، بل السنة أجل في صدره وأعظم عنده من أن تترك لقول أحد كائناً من كان.

{ويوالي الأئمة الأربعة ويرى فضلهم وأمانتهم وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائه من أهل الحديث والفقه والتفسير وأهل الزهد والعبادة، ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع، وقول مخترع، فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع، وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر، ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى وقال ما ليس له به علم، وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين.

ضوابط التكفير

وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، - رحمه الله تعالى -، عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب:

أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها، والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود، ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان.

وأيضاً: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع ثم ذهب يبين هذه الأنواع. الدرر السنية -1/102-.

ومن ذلك قوله: وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.

وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم وجود من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟ ! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل -سبحانك هذا بهتان عظيم-.

{وقال - رحمه الله -: ونكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، وكذلك من عبد الأوثان، بعد ماعرف أنها دين للمشركين وزينه للناس، فهذا الذي نكفره، ونكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله.

وكذا الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفاً من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد، فهذا أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها، ولم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله على خوف أم مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لايكره إلا على الكلام والفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد.

الجهاد مع أئمة الجور

{وقال - رحمه الله - في الجهاد والصلاة مع أئمة الجور:

وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أم فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل.

الخلاصة

أن هذا الإمام الذي هو الشيخ محمد ابن عبد الوهاب - رحمة الله عليه - إنما قام لإظهار دين الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق، وزجرهم عن الباطل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.. هذه خلاصة دعوته - رحمة الله - تعالى - عليه- وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح.

رحم الله الشيخ وأجزل له المثوبة على تجديده لهذا الدين وتحرير المسلمين من ربقة الشرك وذل الإعراض عن رب العالمين آمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply