بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ترجمة مختصرة للحبر الرباني والناقد المحدث شيخ نقاد العصر الحديث الزاهد البحاثة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني وهي من مقدمة كتاب بلوغ الأماني من كلام المعلمي اليماني (فوائد وقواعد في الجرح والتعديل من كلام العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي) طبع دار أضواء السلف
فإن الله - عز وجل - أنزل القرآن ومثله معه وتعهد بحفظهما، فقال - عز وجل -: {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وتوفي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأقام الشرعة وأكمل الملة قال - عز وجل -: {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً}[المائدة: 3].
وورثه صحابته من بعده وحملوا أمانة هذا الدين وبلغوا من بعدهم وهكذا حمل المسلمون الأمانة جيلا بعد جيل حتى وصلنا ميراثه في زماننا هذا صافيا نقيا من التحريف والتبديل. وذلك بفضل الله - عز وجل - ومصداقا لوعده ثم بما سخره الله لهذه الأمة من وجود علماء ربانيين يذبون عن حياض الدين وينشرون علوم الكتاب والسنة.
((فالحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذي، يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال بائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي الكتاب، يفولون على الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين))(1).
وقد جاء ((المعلمي)) - رحمه الله - في فترة كانت الأمة فيها في سبات عميق وبعد عن النبعين الصافيين، الكتاب والسنة، سوى طائفة قليلة غريبة بين الناس قائمة بأمر الله مصداعا لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك))(2).
وسوى أفراد قد عرفوا الحق وتعلموا العلم وأحسوا بفصله وأهميته للأمة فنذروا حياتهم لنشره وبيانه وبقريبه إلى الخلق حرصا على هدايتهم وطلبا لما فيه صلاحهم.
وقد كان ((المعلمي)) - رحمه الله - أحد أولئك الأشاوس الأكابر الذين عملوا على هداية الأمة ونشر العلم الصحيح ووقفوا لجيوش الباطل وكسروا هجماته وصولاته على جموع أهل السنة والحديث.
وكان من أولئك الذين يعملون في صمت لإحياء منهج أهل السنة والجماعة أصحاب الحديث السلف الصالحين. يكتم آلامه وآلام أمته، ويبث أماله ليحي روح السنة والتوحيد والإتباع في أمته، حتى مضى في صمت صابرا مرابطا محتسبا ف- رحمه الله -.
وكلما طاف ذكر ((المعلمي)) بخاطري تذكرت حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي))(3).
وأما الجانب الآخر الذي برز من خلاله ((المعلمي)): فهو جهاده وتصديه لأهل البدع، فقد كان من المجاهدين المنافحين عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكشف الله به عوار أهل البدع المخالفين للسنة، ورد به حقد الزنادقة المعادين لشرعه(4).
العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني
اسمه ونسبه:
هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي بكر المعلمي العتمي اليماني، ينسب إلى بني المعلم من بلاد عتمة باليمن.
مولده ونشأته:
ولد في أول سنة (1313هـ) بقرية (المحاقرة) من بلاد عزلة (الطفن) من مخلاف ((رازح)) من ناحية (عُتمة)، نشأ في بيئة متدينة صالحة، وقد كفله والداه وكانا من خيار تلك البيئة.
طلبه للعلم:
• قرأ القرآن على رجل من عشيرته وعلى والده قراءة متقنة مجودة وكان يذهب مع والده إلى بيت ((الريمي)) حيث كان أبوه يعلم أولادهم ويصلي بهم.
• ثم سافر إلى الحجرية- وكان أخوه الأكبر محمد كاتبا في محكمتها الشرعية- وأدخل في مدرسة حكومية يدرس فيها القرآن والتجويد والحساب فمكث فيها مدة ثم قدم والده فأوصاه بقراءة النحو فقرأ شيئا من ((شرح الكفراوي)) على الآجرومية.
• ورجع مع والده وقد أتجهت رغبته إلى قراءة النحو، فاشترى كتبا في النحو، فلما وصل إلى بيت ((الريمي)) وجد رجلا يدعى ((أحمد بن مصلح الريمي)) فصارا يتذاكران النحو في عامة أوقاتهما، مستفيدين من تفسيري ((الخازن)) و((النسفي)) فأخذت معرفته تتقوى حتى طالع [المغني] لابن هشام نحو سنة، وحاول تلخيص فوائده المهمة في دفتر وحصلت له ملكة لا بأس بها.
• ثم ذهب إلى بلده (الطفن) وأشار عليه والده بأن يبقى مدة ليقرأ على الفقيه العلامة ((أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي)) فلازمه وقرأ عليه الفقه والفرائض والنحو ثم رجع إلى ((بيت الريمي)) فقرأ كتاب [الفوائد الشنشورية في علم الفرائض].
• وقرأ [المقامات] للحريري وبعض كتب الأدب، وأولع بالشعر فقرضه ثم سافر إلى ((الحجرية))، وبقى فيها مدة يحضر بعض المجالس يذاكر فيها الفقه، ثم رجع إلى ((عتمة)) وكان القضاء قد صار إلى الزيديه فاستنابه الشيخ ((علي بن مصلح الريمي)) وكان كاتبا للقاضي ((علي بن يحيى المتوكل)) ثم عين بعده القاضي ((محمد بن علي الرازي))، فكتب عنده مدة.
أعماله ورحلاته:
ثم ارتحل إلى جيزان سنة((1336هـ)) فولاه محمد الإدريسي- أمير عسير حينذاك- رئاسة القضاء، فلما ظهر له ورعه وعلمه وزهده وعدله لقبه بـ ((شيخ الإسلام)) وكان إلى جانب القضاء يشتغل بالتدريس، فلما توفي محمد الإدريسي سنة ((1341هـ)) ارتحل إلى الهند وعين في دائرة المعارف قرابة الثلاثين عاما، ثم سافر إلى مكة عام ((1371هـ))، فعين أمينا لمكتبة الحرم المكي في شهر ((ربيع الأول)) من نفس العام.
شيوخه:
قد مر أنه أخذ العلم عن بعض العلماء في اليمن وذاكرهم في الفقه والنحو والفرائض وغيرها، وقبل ذلك درس القرآن على والده.
* ومن هؤلاء العلماء:
1- والده ((يحيى))حيث قرأ عليه القرآن.
2- الشيخ ((أحمد بن مصلح الريمي)) حيث تذاكر معه بعض كتب النحر.
3- والشيخ ((أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي)) حيث قرأ عليه الفقه والفرائض والنحو.
4- والشيخ ((سالم بن عبد الرحمن باصهي. ذكره الشيخ في رسالة له في الرد على القائلين بوحدة الوجود، ألفها الشيخ عام ((1341هـ)).
تلاميذه:
ذكر في ترجمة الشيخ - رحمه الله - أنه اشتغل بالتدريس والوعظ في الفترة التي قضاها قاضيا في ((جيزان))، وكذلك في الفترة التي قضاها في ((عدن)) ولكن لم يذكر في ترجمته تلاميذ له، ولعل السبب في ذلك كثرة تنقله وعدم استقراره في مكان واحد مدة طويلة حتى الأماكن التي استقر فيها فقد كان مشتغلا بتصحيح الكتب والتصنيف، ولعل هذا من الأسباب التي لم تجعل الشيخ يتفرغ للتدريس.
أخلاقه وشمائله:
لم أقف على وصف لأخلاق الشيخ وشمائله - رحمه الله - ولم ألق من عاشره، ولكن من خلال قراءتي لمؤلفاته تكونت في مخيلتي صورة لأخلاق الشيخ وشمائله حيث انطبعت في نفسي انطباعات تستشف من خلال الكلمات ومن ذلك:
(أ) أدبه مع المخالف وأنصافه وأمانته العلمية:
* في ترجمة عمر بن قيس المكي، ذكر الكوثري قصة في إسنادها عمر بن قيس المكي فذكر الشيخ كلام الكوثري ثم قال: ((صدق الأستاذ ولم يحسن الخطيب بذكر هذه الحكاية))(10).
* ذكر الشيخ شيئا من بذائة الكوثري ورميه أهل السنة بالحشوية ثم قال معقبا: ((ولا أجازي الأستاذ على هذا ولكني أقول: الموفق حقا من وفق لمعرفة الحق واتباعه ومحبته والمحروم من حرم ذلك كله فما بالك بمن وقع في التنفير من الحق وعيب أهله))(11).
(ب) من ورع الشيخ وخشيته:
* بعد أن ذكر شيئا من فعال أهل الرأي قال: ((وقد جرني الغضب للسنة وأئمتها إلى طرف مما أكره، وأعوذ بالله من شر نفسي وسيء عملي {رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(12)[الحشر: 10].
(ج) غيرته وشدته على أعداء السنة من الزنادقة والمبتدعة المتعصبة:
* قال - رحمه الله - في ترجمة الإمام عبد الأعلى بن مسهر: ((هذا إمام جليل من الشهداء في سبيل السنة ومن فرائس الحنفية الجهمية لمخالفته لهم في الفقه والعقيدة))(13).
* وقال عن أبي رية: ((وذكر حديث الحوض، وكأنه استهزأ به ومن استهزأ به فليس من أهله))(14).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد