من سيرة الفضيل بن عياض


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعد،

إن سير العلماء مما يبعث الهمم على الاقتداء بهم، ومن العلماء الذين سارت الركبان بسيرته الفضيل بن عياض - رحمه الله -.

 

ومن الوقفات العجيبة في سيرة هذا الإمام قصة توبته.

قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/423):

قال أبو عمار الحسين بن حُريث، عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبِيوَرد وسَرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو \" أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم...\" [الحديد: 16] فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خَرِبة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا.

 

قال ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مُجاورة البيت الحرام.

 

قال الإمام الذهبي تعليقا على القصة:

وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك خلق صاروا أفضل الأمة. فنواصي العباد بيد الله، وهو يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب.

 

- موقف للفضيل مع هارون الرشيد:

عباس الدوري: حدثنا محمد بن عبد الله الأنباري، قال: سمعت فضيلا يقول: لما قدم هارون الرشيد إلى مكة قعد في الحِجر هو وولده، وقوم من الهاشمين، وأحضروا المشايخ، فبعثوا إليّ فأردت أن لا أذهب، فاستشرت جاري، فقال: اذهب لعله يريد أن تعظه، فدخلت المسجد، فلما صرت إلى الحجر، قلت لأدناهم: أيكم أمير المؤمنين؟ فأشار إليه، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فرد علي، وقال: اقعد، ثم قال: إنما دعوناك لتحدثنا بشيء، وتعظنا، فأقبلت عليه، فقلت: يا حسن الوجه، حساب الخلق كلهم عليك. فجعل يبكي ويشهق، فرددت عليه، وهو يبكي، حتى جاء الخادم فحملوني وأخرجوني، وقال: اذهب بسلام.

 

قال الذهبي (8/440):

وعنه: يا مسكين، أنت مسيءٌ وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وتبخل وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلك قصير، وأملك طويل.

 

قلت (الذهبي): إي والله، صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله.

 

- رسالة ابن المبارك إلى الفضيل بن عياض:

روى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال: أملي عليَّ عبد اللّه بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وأنشدها إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** رهج السنابك والغبار الأطيب

ولقد أتانا من مقال نبينا *** قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي غبَّار خيل اللّه في *** أنف امرىء ودخان نار تلهب

هذا كتاب اللّه ينطق بيننا *** ليس الشهيد بميت لا يكذب

 

قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قال: قلت: نعم، قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، وأملى عليّ الفضيل بن عياض:

 

حدثنا منصور بن المعتمر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول اللّه علِّمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل اللّه، فقال: \"هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ \" فقال: يا رسول اللّه أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" فوالذي نفسي بيده لو طُوِّقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله، أو ما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات؟!

الحديث رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجهاد والسير.

والله أعلم

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply