الشيخ عبد العزيز السلمان


بسم الله الرحمن الرحيم

رحل شيخ المعلمين وعلامة القرن العشرين كما سماه بذلك الشيخ كامل محمد عويضة المؤرخ المعروف في كتاب أصدره عن الشيخ عبد العزيز السلمان ما يزال مخطوطاً يقارب(230) صفحة. رحل هذا العالم الجليل بصمت وعاش طوال حياته بصمت دون أي بروز أو مظهر من مظاهر الدنيا الزائفة بل كأنه لا يحب الإطراء ولا المدح بل كانت جميع أعماله العلمية لله - عز وجل - وجميع العروض المادية لأجل بيع مؤلفاته رفضها بل كان يأذن لأهل الخير أن يطبعوا كتبه وقفاً لله - عز وجل - رحمك الله أيها الشيخ الورع وجعل الجنة مأواك.

 

ميلاده ونشأته:

هو الشيخ الفقيه المدقق الزاهد عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان ولد سنة 1337هـ أو 1339هـ على ما ذكره ليّ ابنه عبد الحميد نقلاً عن أبيه بخطه ولقد نشأ في بيت علم وصلاح وخير ونشأ بين أبوين كريمين ولكن أباه قد توفي وهو صغير فكفلته أمه واعتنت به أيما عناية وأدخلته مدرسة المعلم محمد بن عبد العزيز الدامغ لتحفيظ القرآن الكريم ومكث في هذه المدرسة ثلاث سنوات حفظ فيها القرآن الكريم، بعد ذلك دخل مدرسة الأستاذ صالح بن ناصر بن صالح - رحمه الله - وتعلم في هذه المدرسة الكتابة والقراءة والخط والحساب وتخرج منها، وقد انشغل في بداية شبابه بالتجارة وفتح محلاً يقوم فيه بالبيع والشراء ثم لما حصل الكساد أثناء الحرب العالمية الثانية على العالم كله وخصوصاً الجزيرة العربية أصبحت التجارة ليس لها مردود جيد فترك الشيخ عبد العزيز مزاولة التجارة واتجه إلى طلب العلم.

 

طلبه للعلم:

كانت الخطوة الأولى للشيخ - رحمه الله - إلى عالم العلم والعلماء هي مدرسة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي 1376هـ - رحمه الله - التي كانت في الحقيقة منارة العلم والمعرفة انضم الشيخ عبد العزيز إلى هذه المدرسة التي كانت تعقد غالباً في جامع عنيزة الكبير كان ذلك سنة 1353هـ وكانت حلقة الشيخ عبد الرحمن السعدي أشبه بخلية نحل يتوافد عليها الطلبة من كل حدب وصوب ينهلون من علم الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - حيث لازمه ستة عشر عاماً إلى سنة 1369هـ وقد قرأ على الشيخ مع زملائه علوم العقيدة والفقه والحديث واللغة العربية وقد عرف الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - بحرصه الشديد على تعهد تلاميذه بطريقته الفذة التي تميز بها عن بقية العلماء في طريقة التدريس وتوصيل المعلومات إلى ذهن التلميذ وجعل الاختيار له في الكتاب الذي يريده وأسلوب النقاش الذي يفتح لطالب العلم الكثير من أبواب العلم وفهم المسائل بشكل جيد. ولقد تأثر شيخنا عبد العزيز - رحمه الله - بشيخه السعدي كثيراً لا في طريقة تدريسه وتعامله مع التلاميذ والعطف عليهم والسؤال عن حالهم فحسب، بل في التقلل من حطام الدنيا والعيش بالكفاف والقناعة وعدم الخوض في أعراض الناس وتركه ما لا يعنيه - رحمه الله - مع الانكباب على العلم وطلب المعرفة التي كانت شغله الشاغل لا من ناحية التدريس في معهد الرياض العالي أو التأليف الذي كان يفرغ له جل وقته عندما أحيل إلى التقاعد ولقد تعين - رحمه الله - في المعهد العلمي بالرياض إبان إنشائه سنة 1370هـ رشحه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 1389هـ - رحمه الله - وهذا دليل على كفاءته العلمية وقدرته المعرفية فلقد جاء إلى الرياض وهو قد ارتوى من العلم والمعرفة من حلقة شيخه عبد الرحمن - رحمه الله -، الذي كان دائماً يلهج بالثناء عليه والدعاء له وهذا دليل وفائه - رحمه الله - وهكذا كان دأب سلفنا الصالح مع شيوخهم وعلمائهم.

استمر الشيخ عبد العزيز مدرساً في معهد إمام الدعوة حتى سنة 1404هـ.

 

ما قاله عنه تلاميذه ومحبوه:

قال عنه العلامة الشيخ صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي بوزارة العدل أنه «رجل تعلوه السكينة والبساطة، جم الأخلاق، واسع البال، كان يشرح درسه مرتين بأسلوب شيق، وكان يمازح تلامذته بمداعبة جادة وموزونة. وكان - رحمه الله - جاداً صبوراً واسع النظر، وربما يذكرك بمن سلف من السلف، وكان ذا طول في التأني والتحمل وحسن الأداء وتعلمنا منه النقاش والشعور بالمسؤولية واسنطاق حال النص بشجاعة علميّة وأدبية.

وكما قال أيضاً الشيخ عبد المحسن بن محمد العجمي وهو أحد تلامذة الشيخ قائلاً: ... كنا نزوره - رحمه الله - في بيته القديم بحي الديرة شارع السويلم ونصلي معه في مسجده القديم فيستقبلنا بحفاوة ونحن بعد لم نناهز الحلم ويتحدث معنا وكأنه أب لنا يحرص ويهمه أن نسير على منهج الحق ونقتفي أثر السلف ثم يدخلنا في بيته ويزودنا بالكتب والمؤلفات القيمة له ولغيره لاسيما كتابه الزاخر بالعلم والأدب والأخلاق والمواعظ «موارد الظمآن» ثم يقوم - رحمه الله - بحثنا على طلب العلم والحرص في تحصيله والجد في تعلمه وحفظ أوقاتنا بما ينفعنا وكان يوصينا كثيراً بقراءة كتب السلف مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيّم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة السلفية - رحمهم الله - كل ذلك بتوجيه حكيم ومنطق رزين وشفقة وحب، ومما ذكره الشيخ عبد الرحمن الرحمة عن الشيخ السلمان قائلاً: «فلقد رزئت الأمة الإسلامية بوفاة عالم من علمائها المخلصين ومجاهد من مجاهديها الصادقين نذر وقته ونفسه لنشر العلم الصافي وبيان أحكام الدين وذلك عن طريق التأليف والتصنيف.

 

مؤلفاته وآثاره العلمية:

الشيخ عبد العزيز السلمان من المكثرين في التأليف وأول كتاب ألفه هو الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية سنة 1382هـ وكتبه الوعظية لها قبول لدى الناس ويحرص عليها أئمة المساجد يقرأونها بعد صلاة العصر على المصلين وقبل صلاة العشاء وخصوصاً في ليالي شهر رمضان من كتاب موارد الظمأن وهو اسم على مسمى ففيه من المواعظ والرقائق ما يروي الظمأن، ووضع الشيخ السلمان ثقله العلمي كله في هذا الكتاب وصدر هذا الكتاب، في ستة مجلدات كبار ضخام، وبقية مؤلفاته كلها معروفة لدى الناس فلا حاجة لذكرها، وقد تجاوزت طباعة بعض كتبه إلى ما يقارب (36) طبعة وهو كتاب محاسن الدين الإسلامي، والطبعة (37) فسوف تصدر بعد فترة وجيزة وقد ترجمت جميع كتبه إلى اللغة الأوردية وحصل لها فتح عظيم وتأثير كبير عند الشعوب التي تتكلم بهذه اللغة، والجدير بالذكر أن كثيراً من دور النشر كانت تلح على الشيخ أن تطبع كتبه وعرضها للبيع فرفض رفضاً باتاً وقال هي وقف لله - تعالى - ولا أريد إلا الثواب من الله - عز وجل - في هذه الكتب. ومع ذلك قامت بعض دور النشر بطبع كتبه بدون إذنه وعرضتها للبيع، والكتاب الذي طبعته هو كتابه من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

اللحظات الأخيرة للشيخ السلمان:

يروي لنا ابنه عبد الحميد عن أبيه اللحظات الأخيرة قبل أن يتوفى والده بساعات قائلاً: كان الوالد - رحمه الله - في حياته لا يعاني من أمراض مستعصيه سوى داء الركبتين حيث إنه في المدة الأخيرة أصبح لا يستطيع المشي إلا بصعوبة وكان يستعمل العكازين وكان يخدم نفسه بنفسه في داخل البيت وكان يستمتع بكامل قواه ويضيف ابنه قائلاً: إن أبي عندما ألف كتابه الأخير مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار قال ليّ يا عبد الحميد أريد أن أتأهب بهذا الكتاب -إن شاء الله- عز وجل - لدخول دار القرار، ولم يؤلف الشيخ بعد هذا الكتاب أي كتاب.

ويقول ابنه عبد الحميد كان من عادة الوالد قبل أن ينام أن أجلس معه قليلاً وأسأله هل يريد شيئاً أقضيه له وفي يوم وفاته في الساعة الثانية عشرة ليلاً يوم الأحد التاسع عشر من شهر صفر لعام 1422هـ وكالعادة ذهبت إليه وكان بجانبه شريط به تسجيل لأحد قراء القرآن الكريم يستمع إليه وكان هذا دأبه إما قارئاً للقرآن الكريم أو مستمعاً. وقلت له هل تريد شيئاً يا أبي؟ قال لا وإذا أردت شيئاً سأطلبك ولمست يده فإذا هي مرتفعة الحرارة وذهبت إلى غرفتي وأنا غير مطمئن ورجعت له مرة ثانية ولمست يده فإذا هي أكثر حرارة وبلغ منه الجهد والإعياء وأصبح واضحاً فقلت له سوف نحملك إلى المستشفى فرفض وقال أعاني من ألم شديد «وهو يشير إلى صدره» لا يعلم مداه إلا الله - عز وجل - ولو كان الموت يُشترى لأشتريته ولكن لا يجوز تمني الموت. ولعل ذلك مرض الموت وذكرت له أول الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أريد معرفة ذاكرته وأكمل ليّ الحديث، نصف الحديث بأكمله - رحمه الله - وأتت الوالدة - حفظها الله - وأسقته من ماء زمزم فشرب منه ثم استقبل القبلة - رحمه الله - وتشهد الشهادة كلمة التوحيد وفاضت روحه الطاهرة في الساعة الثالثة ليلاً في وقت تستجاب فيه الدعوات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply