بسم الله الرحمن الرحيم
بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - به:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مبشراً بأبي حنيفة: \" لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجل من فارس \". وفي لفظ لمسلم: \" لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله \".
نزل ثابت والد الإمام الكوفة وكان من وجوه بلاد فارس، وعمل بالتجارة و كان ماهراً فيها و حافظ على نفس المستوى الاجتماعي الذي عاشته الأسرة من قبل، في رخاء و بحبوحة. التقى ثابت الإمام عليّ كرَّم الله وجهه الذي دعا له بالبركة فيه وفي ذريته.
والإمام أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت بن زوطي، ولِدَ سنة 80 من الهجرة بالكوفة. بدأ أبو حنيفة و منذ نعومة أظافره يذهب مع أبيه إلى متجره حيث كان يلازمه ويتعلم منه أصول وأسس التعامل مع البائعين والمشترين، وتابع خطى أبيه و عاش في رخاء ويُسر وكان بزّازاً أي تاجر أقمشة وثياب وكان له شريك في متجره يساعده.
حرصه على الكسب الحلال: كان يقول: \" أفضل المال الكسب من الحلال وأطيب ما يأكله المرء من عمل يده \".
جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له فقال كم ثمنه، قالت مئة، فقال هو خير من مئة، فقالت مئتين، فقال هو خير من ذلك، حتى وصلت إلى أربع مئة فقال هو خير من ذلك، قالت أتهزأ بي؟ فجاء برجل فاشتراه بخمسمائة.
وذات يوم أعطى شريكه متاعاً وأعلمه أنَّ في ثوب منه عيب وأوجب عليه أن يبين العيب عند بيعه. باع شريكه المتاع ونسي أن يبين ولم يعلم من الذي اشتراه، فلما علم أبو حنيفة تصدَّق بثمن المتاع كله.
وكان أبو حنيفة يجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة فيشتري بها حوائج الأشياخ و المحدثين و أقواتهم وكسوتهم و جميع لوازمهم ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً ولكن من فضل الله عليّ فيكم.
كان الخليفة أبو منصور يرفع من شأن أبي حنيفة و يكرمه ويرسل له العطايا و الأموال و لكن أبا حنيفة كان لا يقبل عطاءً. و لقد عاتبه المنصور على ذلك قائلاً: لم لا تقبل صلتي؟. فقال أبو حنيفة: ما وصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته ولو وصلني بذلك لقبِلتُه إنما وصلني من بيت مال المسلمين ولا حق لي به.
وقع يوماً بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها، فطلبت منه العدل فقال لها من ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ قالت أبا حنيفة، فرضي هو به فجاءه فقال له: يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها، فقال له أبو حنيفة: لِيتكلَّم أمير المؤمنين. فقال المنصور: كم يحلٌّ للرجال أن يتزوج من النساء؟ قال: أربع. قال المنصور لزوجته: أسمعتِ. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إنما أحلَّ الله هذا لأهل العدل فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله - تعالى -: {فَإِن خِفتُم أَلا تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فينبغي لنا أن نتأدَّب مع الله و نتَّعظ بمواعظه. فسكت المنصور وطال سكوته، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادماً ومعه مال وثياب، فردها وقال: أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلتُ عن ديني وقمتُ بذلك المقام لله ولم أرد بذلك تقرباً إلى أحد ولا التمستُ به دنيا.
حرصه على مظهره: كان حريصاً على أن يكون مظهره حسناً تماماً لذا كان كثير العناية
بثيابه.
رأى مرة على بعض جلسائه ثياباً رثة فأمره أن ينتظر حتى تفرَّق المجلس وبقي وحده فقال له: ارفع المصلى وخذ ما تحته، فرفع الرجل المصلى وكان تحته ألف درهم، وقال له خذ هذه الدراهم وغيِّر بها حالك، فقال له الرجل إني موسر وأنا في نعمة و لستُ أحتاج إليه، فقال له أبو حنيفة: أما بلغك الحديث: \" إنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده \"؟.
طلبه للعلم:
لزم أبو حنيفة عالِم عصره حمّاد بن أبي سليمان وتخرَّج عليه في الفقه و استمر معه إلى أن مات. بدأ بالتعلم عنه وهو ابن 22 سنة و لازمه 18 سنة من غير انقطاع و لا نزاع. يقول أبو حنيفة: \" بعد أن صحبتُ حمّاداً عشر سنين نازعتني نفسي لطلب الرياسة، فأردتُ أن أعتزله و أجلس في حلقة لنفسي. فخرجتُ يوماً بالعشيّ وعزمي أن أفعل، فلمّا دخلتُ المسجد رأيتُه ولم تطب نفسي أن أعتزله فجئتُ فجلستُ معه، فجاء في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالاً و ليس له وارث غيره، فأمرني أن أجلس مكانه. فما هو إلا أن خرج حتى وردت عليَّ مسائل لم أسمعها منه، فكنتُ أجيب وأكتب جوابي. ثم قَدِمَ، فعرضتُ عليه المسائل وكانت نحواً من ستين مسألة، فوافقني بأربعين وخالفني في عشرين، فآليتُ على نفسي ألا أفارقه حتى يموت و هكذا كان \".
وكان أبو حنيفة شديد الأدب مع شيوخه حتى أنه كان لا يتخلى باتِّجاه بيت شيخه حمَّاد كان إذا نام يحرص أن لا تتوجه قدماه باتجاه بيت شيخه حمَّاد. و قيل إن أبا حنيفة لم يكثر من الشيوخ مخافة أن تكثر حقوقهم عليه فلا يستطيع أداءها، فتأملوا في أدبه الرائع!.
ولعه بالفقه الفَرَضي:
أولع أبو حنيفة بالفقه الفرضي بخلاف معظم علماء عصره الذين كانوا يقولون نحن مضطرون أن نُعَلِّم حكم الله في أمر حصل أمّا إذا لم يقع لا نحمِّل أنفسنا هذه المؤونة. ومعظم شيوخ أبي حنيفة كانوا على هذا المنوال وإن وُجِدَ فيهم من استجاز لنفسه أن يتوسع قليلاً فإلى حد محدود جداً. وأبو حنيفة كان على النقيض إذ كان يفرض الوقائع و إن لم تقع و كان يتأمل في حكمها و يعطي كلاً منها فتوى. هذا الأمر أعطى فقهه غزارة و غنى و مدعاة لأن يتبع الناس الفقه الأوسع والأكثر استجابة لواقع الحال، فما لم يقع اليوم سيقع غداً لاسيما عندما يكون هذا الإمام عالماً بعلم الإجتماع و خبيراً بالمشكلات التي ستنجم، مثال ذلك: لقي أبو حنيفة قتادة رضي الله عنه وهو عالِم من أجلِّ علماء الحديث فسأله ما تقول في رجل غاب عن أهله أمداً طويلاً ولم يُعرَف مصيره، فتزوجت امرأته من زوج آخر وبعد حين جاء زوجها، ما تقول في هذا؟ قال قتادة: أوقعت هذه المسألة؟ قال لا، فقال له و قد ظهر الغضب على وجهه: فلماذا تسألني عنها؟ قال له هذا الكلام المهم: \" إننا نستعد للبلاء قبل نزوله فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه \".
فتنته مع أبي هبيرة:
كان أبو هبيرة والياً بالكوفة في زمان بني أميّة، فظهرت الفتن بالعراق، فجمع فقهاءها ببابه وفيهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود بن أبي هند، فولّى كل واحد منهم صدراً من عمله، وأرسل إلى أبي حنيفة فأراد أن يجعل الخاتم في يده ولا يُنفذ كتاب إلا من تحت يده ولا يخرج من بيت المال شيء إلا من تحت يد أبي حنيفة. وكان المقصود حمل أبي حنيفة على الولاء له قسراً وقهراً أو إغراءً بالإكثار من المسؤوليات والمهمات، فامتنع أبو حنيفة وقال لو أرادني أن أعد له أبواب ماجد واسط لما فعلتُ!
سُجِنَ أبو حنيفة وضُرِبَ ضرباً مبرحاً مؤلماً أياماً متتالية حتى سقط فاقد الوعي.
منهج أبي حنيفة العلمي:
كان يقول: آخذ ما في كتاب الله وبما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و ربما اشترط زيادة عن الصحة الشهرة فيما تقتضيه الشهرة في الأحكام والمسائل، فإن لم أجد آخذ بقول الصحابة، آخذ بقول من شئتُ منهم و أدع قول من شئتُ منهم عندما يختلفون ولكني ألزم نفسي بالأخذ من الصحابة وإذا لم أجد وآل الأمر إلى إبراهيم النخعي وإلى التابعين كالأوزاعي، فإني أجتهد كما اجتهدوا ولا ألزم نفسي باتِّباع رأي واحد منهم ما دام الأمر اجتهادياً. و كان يأخذ بحديث الآحاد و يعمل بها ما أمكن.
مثال: قوله - تعالى -: {فَاقرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِن القُرآنِ} [المزمل: 20] وحديث النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: \" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب \"، متفق عليه، فحكم أنَّ أصل قراءة القرآن في الصلاة ركن، أمّا تقسيم القراءة للقرآن الكريم إلى الفاتحة وبعض ما تيسر من القرآن فواجب و بذلك عمل بالقرآن و السنة معاً.
وكذلك الطمأنينة في الركوع ليست فرضاً عند أبي حنيفة لإطلاق قوله - تعالى -: {اركعوا}، أمّا الطمأنينة فثابتة بخبر الآحاد لذلك هي عنده واجبة.
ومن منهجه أنه يقدِّم السنّة القولية على الفعلية لجواز أن يكون الفعل خصوصية للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ويقدِّم السنّة المتواترة على خبر الآحاد عند التعارض و عدم إمكان الجمع بينهما، كالجمع في السفر حيث قال أنه جمع صوري وهكذا كان يفعل عبد الله بن عمر. أبو حنيفة لا يجيز للمسافر أن يجمع بين الصلوات ولكن القصر عنده واجب.
ويقدِّم السنّة ولو حديثاً مرسلاً أو ضعيفاً على القياس، لذلك قال بنقض الوضوء من الدم السائل معتمداً على حديث مرسل، و كذلك نقض وضوء و بطلان الصلاة بالقهقهة أيضاً بحديث مرسل.
ومن منهجه أيضاً الاستحسان: والاستحسان لغةً هو وجود الشيء حسناً و معناه طلب الأحسن للإتباع الذي هو مأمورٌ به كما قال - تعالى -: {فَبَشِّر عِبَادِي * الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ} [الزمر: 17-18]. و هو عند الفقهاء نوعان:
1- العمل بالاجتهاد و غالب الرأي في تقدير ما جعله الشرع مدلولاً إلى آرائنا نحو قوله - تعالى -: {مَتَاعًا بِالمَعرُوفِ حَقًّا عَلَى المُحسِنِينَ} [البقرة: 236]، أوجب ذلك بحسب اليسار والعسرة و شرط أن يكون بالمعروف، فعرفنا أنَّ المراد ما يُعرَف استحسانه بغالب الرأي ولا خلاف في هذا النوع.
2- هو الدليل الذي يكون معارضاً للقياس الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل إمعان التأمّل فيه، و بعد إمعان التأمل في حكم الحادثة وأشباهها من الأصول يظهر أنَّ الذي عارضه فوقه في القوة، فإنّ العمل به هو الواجب، فسمّوه بذلك إستحساناً للتمييز بين هذا النوع من الدليل و بين الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام. مثاله: لو قال لامرأته: إذا حضتِ فأنت طالق، فقالت: قد حضتُ، فكذَّبها الزوج، فإنها لا تُصَدَّق في القياس باعتبار الظاهر وهو أنَّ الحيض شرط للطلاق كدخولها الدار وكلامها زيداً. وفي الاستحسان تُطَلَّق لأن الحيض شيء في باطنها لا يقف عليه غيرها، فلا بدمن قبول قولها فيه.
العرف والعادة: هو ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول. وإنما يكون العرف دليلاً حيث لا دليل شرعي من كتاب وسنة. قال ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن.
وألَّف ابن عابدين رسالة \" العرف \" تضمنت مسألة تضمين الخياط و الكواء (و مثالهما إذا أحرقا القماش أو أضاعاه).
وأبو حنيفة هو أساس من جمع بين مذهبي أهل الحجاز أهل الحديث و أهل العراق أهل الرأي. كان أبو حنيفة من علماء الرأي و لكنه ذهب إلى الحجاز و أقام في مكة ست سنوات يأخذ العلم من علماء الحجاز أمثال عبد الله بن عمر...
دخل يوماً أبو حنيفة على المنصور فقال له أحد الجالسين: هذا عالِم الدنيا اليوم.
فقال له المنصور: يا نعمان من أين أخذتَ علمك؟ قال: من أصحاب عبد الله ابن عمر عن عبد الله ابن عمر(أهل الحديث) ومن أصحاب عبد الله ابن عباس عن عبد الله ابن عباس و من أصحاب عبد الله ابن مسعود عن عبد الله ابن مسعود (أهل الرأي).
إذاَ لأول مرة خرق أبو حنيفة الحدود الفاصلة بين المذهبين. عندما ذهب إلى أهل الحجاز تعلم منهم الحديث و تعلموا منه كيفية استخراج الأحكام فاستفاد وأفاد. وانعكس هذا الأمر على تلامذته مثل أبو يوسف و محمد بن الحسن الشيباني وغيرهم...
وكان لإخلاصه في طلب العلم يرجع عن رأيه إذا اطلع على حديث أو فتوى صحابي.
تأديبه لتلميذه أبي يوسف:
لمّا مرض أبو يوسف قال أبو حنيفة: لئن مات هذا الغلام لم يخلفه أحد على وجه الأرض. فلمّا عوفي أُعجِبَ بنفسه وعقد له مجلساً في الفقه فانصرفت وجوه الناس إليه، فلمّا بلغ ذلك أبا حنيفة قال لبعض من عنده: اذهب إلى مجلس يعقوب (يعني أبو يوسف) و قل له: ما تقول في قصّار دفع إليه رجل ثوباً ليقصِّره بدرهمين ثم طلب ثوبه فأنكره القصّار ثم عاد له وطلبه فدفعه له مقصوراً، له أجرة؟ فإن قال نعم قل له أخطأت و إن قال لا قل أخطأت. فسار إليه الرجل فسأله فقال نعم له أجرة فقال له أخطأت، فنظر ساعة فقال لا، فقال أخطأت، فقام من ساعته لأبي حنيفة فلما رآه قال: ما جاء بك إلا مسألة القصّار. قال: أجل. قال: سبحان الله من قعد يفتي الناس و عقد لنفسه مجلساً يتكلم في دين الله - تعالى - و هذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات، فقال: علِّمني، قال: إن كان قصَّره بعد ما غصبه فلا أجرة له لأنه قصَّره لنفسه، فإن قصَّره قبل غصبه فله الأجرة لأنه قصَّره لصاحبه.
فعاد أبو يوسف و لم يترك بعدها مجلس أبي حنيفة قط.
موقفه من آل بيت النبي صلى الله - تعالى - عليه و سلم:
موقفه من آل بيت النبي صلى الله - تعالى - عليه وسلم في عصره كموقف الأئمة الأربعة وموقفنا جميعاً وهو حب آل البيت والانتصار لهم كما قال الإمام الشافعي عندما اتٌّهِمَ بالتشيع: إن كان رَفضُنا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافض.
ومن المعلوم أنَّ أبا حنيفة كان متشيِّعاً إن صح التعبير لآل البيت (أي كان يحبهم و يقف معهم إذا تعارضوا مع الخليفة في عصره)، لكنه كان دائماً يعلن أنَّ أبا بكر أفضل من عمر وعمر أفضل من عثمان ويرى أنَّ كلاً من عثمان وعلي بمستوى واحد. ومعنى ذلك أنَّ حبه لآل البيت كان حباً شعورياً تفرَّع عن حبه للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن حباً مذهبياً ينحاز عن أهل السنّة و الجماعة. وذكر أبو حنيفة أنه التقى بالإمام محمد الباقر وهو من أئمة الإمامية و هو والد جعفر الصادق، فسأله أبو حنيفة: ما تقول أصلحك الله في أبي بكر وعمر؟ فأثنى محمد الباقر عليهما خيراً وقال - يرحمهما الله تعالى - وأخذ يفيض بالحديث عن آثارهما فقال له بعضاً من أهل العراق يقولون إنك تتبرأ منهما، قال معاذ الله، كذبوا ورب الكعبة! أتعلم من هو عمر لا أباً لك؟ إنه ذاك الذي زوجه عليّ من ابنته أم كلثوم، وهل تدري من هي أم كلثوم لا أباً لك؟ إنَّ جدها رسول الله وإن جدتها السيدة خديجة سيدة نساء الجنة وإنَّ أمها فاطمة الزهراء وإنَّ أباها عليّ فلو لم يكن عمر أهلاً لها لما أعطاه عليّ ابنته!.
وقد اشتُهِرَت كلمة لأبي حنيفة جاء فيها: \" ما قاتل عليّ أحداً إلا وعليّ أولى بالحق منه أي في عصره بعد أبي بكر وعمر \". لم يكن حبه لآل البيت يدفعه إلى الانتقاص من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل على العكس، لأن أصحاب النبي صلى الله - تعالى - عليه وسلم كلهم يحبون ويوقرون آل بيته صلى الله - تعالى - عليه وسلم وآل البيت كلهم يحبون ويُجِلّون ويوقرون كل صحابة النبي صلى الله - تعالى - عليه وسلم. هذا الخط يجسِّد الصراط العريض الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث بلغت في مجموعها مبلغ التواتر المعنوي مثاله: \" عليكم بالجماعة \"، \" عليكم بالسواد الأعظم ومن شذَّ شذَّ في النار\"، \" إنَّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد \"، \" سألتُ ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة \"، \" من أراد أن يلزم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة \"...
وكان أبو حنيفة على علاقة طيبة مع المنصور و لكن لما قتل أبو جعفر المنصور محمد بن عبد الله بن حسن الملقَّب بالنفس الزكية من الطالبيين بدأ أبو حنيفة يغير موقفه من الخليفة وأخذ ينتقد مواقفه وأخطاءه عندما تطرح عليه الأسئلة وكان ذلك يغيظ الخليفة كثيراً. انتفض أهل الموصل على المنصور وكان المنصور قد اشترط عليهم أنهم إن انتفضوا حلَّت دماؤهم، فجمع المنصور العلماء والفقهاء والقضاة وكان بينهم أبا حنيفة و قال لهم: أليس صح أنَّ رسول الله قال المؤمنون عند شروطهم يلتزمون بها وأهل الموصل قد اشترطوا ألا يخرجوا عليّ وها هم قد خرجوا وانتفضوا ولقد حلَّت دماؤهم فماذا ترون؟ قال أحد الحاضرين: يا أمير المؤمنين، يدك مبسوطة عليهم وقولك مقبول فيهم فإن عفوتَ فأنت أهل العفو وإن عاقبتَ فبما يستحقون. التفت المنصور إلى أبي حنيفة يسأله و يستنطقه ليوقع به فقال أبو حنيفة: إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه وشرطتَ عليهم ما ليس لك لأنَّ دم المسلم لا يحِلٌّ إلا بإحدى ثلاث فإن أخذتهم أخذتَ بما لا يحلٌّ وشرط الله أحق أن يوفى به. عندئذ أمر المنصور الجميع أن ينصرفوا ما عدا أبي حنيفة و قال له: إنَّ الحق ما قلتَ، انصرِف إلى بلادك.
ويُروى أنه كان لأبي حنيفة جار رافضي كان عنده بغلان سمى واحداً أبا بكر و الآخر عمر، و في أحد الأيام رفسته بغلة فوقع ميتاً، فقال أبو حنيفة: انظروا البغلة التي رفسته هي التي سماها عمر، و هكذا كان!.
سبب انتشار مذهب أبي حنيفة و اتِّباع الناس له بخلاف مذهب معاصريه أمثال الأوزاعي وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وهم شيوخ أبي حنيفة وذلك لعدة عوامل نذكر منها ما يلي:
1- أخذ أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ من التابعين و أفتى في زمن التابعين.
2- قيَّض الله - تعالى - لأبي حنيفة تلاميذ كانوا في الوقت نفسه فطاحل من العلماء وقد دوَّنوا آراءه و فتاويه و اجتهاداته بخلاف باقي الأئمة في عصره. فأبو يوسف دوَّن فقه أبي حنيفة في الكتب و كذا فعل محمد بن الحسن الذي دوَّن كل فقهه والاجتهادات الأخرى حتى التي تراجع عنها، وهناك كتب تُسمّى كتب \" ظاهر الرواية \" كلها للإمام محمد. وقام كلُّ من أبي يوسف ومحمد بجمع الأحاديث التي يرويها الإمام في فتاويه كمستندات لفقهه مثل كتاب الآثار و كتب أخرى وأحاديث كثيرة موزَّعة في هذه المدونات. ولقد كانت طريقة أبي حنيفة بالتعليم مبنيةً على السؤال و الإقناع برأي ثم قوله ولكني أرى غير هذا و يعلم أصحابه الفتوى وطريقة التفكير.
وأبو حنيفة هو أول من رتب مسائل الفقه حسب أبوابها من طهارة وصلاة... دوَّنها الإمام أبو يوسف -في غالب الأحيان- في سجلات حتى بلغت مسائله المدونة خمسمائة ألف مسالة. انتقل تلامذته الفحول البالغون 730 شيخاً إلى بلادهم خاصة بلاد الأفغان وبخارى و الهند... فشرَّق فقه الإمام أبي حنيفة وغرَّب وشمأل وجنَّب حتى ليعد علي بن سلطان القاري المتوفى سنة 1014 هجري ثلثي المسلمين في العالم على مذهب الإمام أبي حنيفة.
3- إنَّ الله - تعالى - شاء أن يكون أبو يوسف قاضياً وأن يتولى القضاء لثلاث من الخلفاء المهدي و الهادي وهارون الرشيد و سُمّيَ بعد ذلك قاضي القضاة وكان وهو حنفي يقضي بمذهب أبي حنيفة وكذلك كان أغلب القضاة الذين كان ينصِّبهم والمدونات التي كانت تُدَوَّن في دار الخلافة كانت تدوَّن على مذهب أبي حنيفة، كل هذا وغيره جعل فقه الإمام أبي حنيفة ينتشر أكثر من فقه من سبقه أمثال الأوزاعي وجعفر الصادق وغيرهم ….
أهم مؤلفاته: تميَّز عصر أبي حنيفة بوجود الفرق المبتدعة المختلفة مثل: الشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية أو المعطلة... هذه الفِرَق كلها كانت أشبه ما تكون بالحاشية على الجسم الكبير كحاشية في أطراف جسم المجتمع الإسلامي، فكانت هذه الفرق مع قلة أتباعها يبثّون الشٌّبَه و تسمَّت كل فرقة بِاسمٍ,، فقام علماء المسلمين يردون على هؤلاء المبتدعة. وكان لا بد من أن يسمّوا أنفسهم بِاسم حتى يتبين قول هؤلاء المبتدعة من قول عامة المسلمين، فسمّوا عامة المسلمين أهل السُنَّة والجماعة وهي ما كان عليه صلى الله - تعالى - عليه وسلم والصحابة والتابعين وهم السواد الأعظم من الأمَّة. وبظهور الأئمة الأربعة، اشرأبَّت أعناق الناس إليهم يأخذون من فقههم وينهلون من علومهم وكانت لهم عبقرية نادرة في الاستنباط مما دعا الناس إلى الإقبال عليهم والأخذ منهم، فجمع هؤلاء الأئمة الناس على منهج أهل السنّة و الجماعة فيما يتعلق بالعقيدة وحذَّروا الناس من البدع ودافعوا عن الإسلام دفاعاً قوياً. وألَّف أبو حنيفة كتاب \" الفقه الأكبر \" بيَّن فيه عقيدة المسلمين ورد فيه على المبتدعة.
ونُقِلَ أنَّ له مسنداً و لكن المحقق أنَّ هذا المسند من جمع أبي يوسف عن أبي حنيفة سماه “ الآثار \".
أقوال معاصريه فيه:
- الفضيل بن عياض قال فيه: كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، واسع المال معروفاً بالأفضال على كل من يطوف به، صبوراً على تعلٌّم العلم بالليل والنهار، حَسَنَ الليل، يقوم الليل (و هذا شيء معروف عنه)، كثير الصمت، قليل الكلام حتى يرد مسألة في حلال أو حرام.
- عبد الله بن المبارك العالِم الكبير والتابعي الجليل يقول: كان أبو حنيفة مخ علم أو مخ العِلم أي كنت تأخذ منه لباب العلم.
- مالك بن أنس قال عنه: لو جاء إلى أساطينكم فقايسكم على أنها خشب لظننتم إنها خشب.
- الإمام زُفَر قال: جالستُ أبا حنيفة أكثر من عشرين سنة فلم أر أحداً أنصح للناس منه و لا أشفق عليهم منه، كان بذل نفسه لله - تعالى -، أمّا عامة النهار فهو مشتغل في العلم و في المسائل وتعليمها وفيما يُسأل من النوازل وجواباتها و إذا قام من المجلس عاد مريضاً (أي زار) أو شيَّع جنازة أو واسى فقيراً أو وصل أخاً أو سعى في حاجة، فإذا كان الليل خلى للعبادة و الصلاة و قراءة القرآن، فكان هذا سبيله حتى توفي - رضي الله تعالى عنه -.
- أجمع علماء عصره على أنه لم يجتمع لأحد غيره في ذلك العصر ذكاء و قوة بادرة و علم و قوة استنتاج.
- كان أبو حنيفة في زيارة شيخه الأعمش يوماً (والأعمش من كبار المحدثين)، فجاء إلى الأعمش رجل يسأله عن مسألة في العلم فقال لأبي حنيفة: أجبه. فأجابه، فقال له: و من أين لك هذا؟ قال: من حديث حدثتَنيه هو كذا و كذا. فقال الأعمش: حسبك ما حدَّثتُكَ به في سنة تحدِّث به في ساعة، أنتم الأطباء و نحن الصيادلة.
سؤال: لماذا نتبع أبا حنيفة و لا نتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
الجواب: بعد أن أوضحنا الأدوار الثلاثة و بدأنا الكلام عن الدور الرابع لم يبقَ لهذا السؤال أي معنى فأبو حنيفة لم يخترع شيئاً بل اتِّباعُنا له هو عين اتِّباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الذي فعله أبو حنيفة هو أن شرح لنا آيات كتاب الله - عز وجل - وأحاديث النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - واستخرج منها الأحكام وبوَّبها على أبواب الفقه. فمن المعلوم أن للقرآن الكريم تفاسير عديدة، كل تفسير عُنِيَ بناحية من النواحي، فتفسير يُعنى بالعقيدة كتفسير الرازي وتفسير يعنى بالمأثور كتفسير ابن كثير وتفسير يعنى باللغة كتفسير الآلوسي وابن عاشور و غيرهم، كذلك هؤلاء الأئمة الأربعة، كل ما فعلوه أنهم عمدوا إلى الكتاب والسٌّنة و أقوال الصحابة فجمعوها و استنبطوا منها الأحكام و بوَّبوها بأبوابها: باب الطهارة باب الصلاة…إلخ ودوَّنوها لنا، فإذا أخذنا عنهم نكون حقيقة قد أخذنا عن الله - عز وجل - و عن رسوله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، ذلك لأن عامة الناس لا يفقهون آيات كتاب الله - تعالى - و لا أحاديث النبي - عليه الصلاة والسلام - ولا يعلمون الناسخ والمنسوخ والعام والخاص وما إلى ذلك...
سؤال:
إنَّ أبا حنيفة بشر غير معصوم يصيب و يخطىء فكيف نتبعه؟
الجواب: كونه بشر لا ينقص من مكانته ولا يمنع من جوازه، لا بل ضرورة اتباعه أو أحد الأئمة الأربعة لكل من لم يبلغ درجة الاجتهاد ثم من الذي يستطيع أصلاً أن يكشف خطأ الإمام في الاجتهاد خاصة إذا كان من العوام؟ وإن كان مجتهداً وصل إلى درجة الإجتهاد المطلق فهذا المجتهد نفسه غير معصوم أيضاً، فمن نتبع إذاً!!!؟ إنَّ الله - تعالى - أمرنا باتباع العلماء و المجتهدين المخلصين في قوله - تعالى -: {واسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون}، {وأطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وأهل الذكر هم أمثال أبي حنيفة ومالك... ومن المعلوم أنه ليس من الضرورة أن يكون قول الإمام هو القول المفتى به في المذهب، فالإمام لم يكن لوحده يمثِّل مذهبه، هناك فقهاء كثيرون محققون ينتسبون للمذهب نفسه يصوِّبون الإمام إن أخطأ. والذي يريد أن يحقق في مسألة مس المرأة الأجنبية عند الحنفية والشافعية ليُرَجِّح قول أحدهما، إن كان هذا الإنسان وصل بدرجة اجتهاده إلى مرتبة هؤلاء الأئمة فلا بأس وعلى كل الأحوال هو بعد بحثه سيخرج بقولٍ, ما، وقوله أيضاً سيكون اجتهادياً وهو غير معصوم فماذا فعل إذاً؟ وإذا أراد أحد العلماء في درس عام مثلاً أن يرجِّح قولاً على قول فإنما يكون الهدف من ورائه أن يقول الناس إنَّ فلاناً عالِماً جليلاً بلغ من العِلم درجة يستطيع أن يحكم فيها على الأئمة و لن يفيد الناس شيئاً إلا حملهم من تقليد أبي حنيفة أو الشافعي وغيرهما من الذين اتفقت الأمّة على وجوب تقليد واحد منهم، إلى تقليده هو في هذه القضية، فبماذا يكون قد نفع المسلمين؟!!!. يقول المثل: من جهل شيئاً عاداه. و بالفعل فالرجل الذي يسمع بإنسان عالِم و يسمع آراءه و اجتهاداته لكن ما جالسه وما سمع منه حججه، لن يستطيع أن يحكم عليه. عندما لمع اسم أبي حنيفة و انتشر صيته في العراق و قبل أن يراه علماء الحجاز أو علماء الشام ربما كان هنالك كثير من علماء الحجاز من يضيق ذرعاً باجتهاداته وربما نعتوه بأنه مبتدع ولكن بعد أن رأوه و جاء هو إلى الحجاز وجالسوه وسمعوا منه وسمعوا حججه اختلف الأمر تماماً! مثال ذلك: يقول عبد الله بن المبارك إنَّ الإمام الأوزاعي سأله من هو هذا المبتدع الذي ظهر في العراق (ويقصد أبا حنيفة)، فقال ابن المبارك: لم أجب، ثم أخذتُ أعرض له مسائل عويصة في الفقه و أحدثه عن فتاوى يمكن أن تكون جواباً، فقال لي: و الله إنَّ هذه الأجوبة لأجوبة سديدة، من هو صاحبها؟ قلتُ له: فقيه في العراق. قال: من هو؟ قلتُ: هو أبو حنيفة. قال: إنَّ هذا الإنسان نبيل و ذو علم غزير فالزمه. ثم إنَّ الأوزاعي التقى بعد ذلك بأبي حنيفة و تناقشا في كثير من المسائل العلمية فتحولت نظرة الأوزاعي و أخذ يوصي الناس بمجالس أبي حنيفة والاستكثار من علمه وفضله.
كثيرون اليوم هم الذين ينتقصون من مكانة أبي حنيفة وينتقدون فتاويه واجتهاداته وهذا سهل لأنهم يزنون تلك الإجتهادات بميزانهم هم، فتبين من خلال ميزانهم هذا أنَّ أبا حنيفة جاهل مع العلم أنهم لن يكونوا أعلم من الأوزاعي أو عبد الله بن المبارك. ومما يُذكر أيضاً أنَّ الشافعي عندما رحل إلى بغداد، التقى بمحمد بن الحسن ليتتلمذ على يده ولو وسعه أن يتتلمذ على أبي حنيفة لفعل و لكنه لم يستطع بسبب وفاة أبي حنيفة في العام الذي وُلِدَ فيه الشافعي وكان يقول: أخذتُ من محمد وقر بعير من علم. و كثيرة هي المسائل التي أخذ فيها الشافعي براي محمد و كثيرة هي المسائل التي اخذ فيها محمد برأي الشافعي وتراجع عن رأيه.
هناك من يتهم أبا حنيفة بأنه لم يكن يحفظ إلا بضعة عشر حديثاً ولم تكن له بضاعة في رواية الأحاديث.
إذا رجعتَ إلى ترجمة الإمام لوجدتَ الإجماع على أنَّ هذا كذب، فقد صح عنه أنه:
- تفرَّد برواية و تخريج أكثر من مئتي حديث فضلاً عن الأحاديث التي اشترك مع المحدثين الآخرين في روايتها.
- لو أردتَ أن تجمع الأحاديث من مصنفات محمد بن الحسن وأبي يوسف و غيرهما من مرويّات أبي حنيفة فلسوف تجد الشيء الكثير.
- لو وقفتَ على مناقشة بسيطة في مسألة من مسائل الفقه بينه وبين أحد الأئمة لرأيته يروي عدداً كبيراً من الأحاديث.
• مروياته في باب الصلاة تزيد عن مئة حديث.
ورعه و تقواه و عبادته لله - تعالى -: قال ابن المبارك: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدواً له. قال: والله هو أعقل من أن يسلِّط على حسناته ما يذهب بها.
كان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط و اجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاث في الوتر.
صلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة وحج خمساً وخمسين حجة.
قال مِسعَر بن كِدَام: رأيتُ الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلتُ في نفسي متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حسبة لله - تعالى -. فانتصب للصلاة إلى الفجر ثم دخل فلبس ثيابه. و كانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطراً ولا بالليل نائماً. وكان يغفو قبل الظهر إغفاءة خفيفة، وقرأ ليلة حتى وصل إلى قوله - تعالى -: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فما زال يرددها حتى أذَّن الفجر. وردد قوله - تعالى -: {بَلِ السَّاعَةُ مَوعِدُهُم وَالسَّاعَةُ أَدهَى وَأَمَرٌّ} [القمر: 46]، ليلة كاملة في الصلاة. و قالت أم ولده: ما توسَّد فراشاً بليل منذ عرفتُه و إنما كان نومه بين الظهر و العصر في الصيف وأول الليل بمسجده في الشتاء.
عرض القضاء عليه ووفاته:
عرض عليه الخليفة القضاء مراراً وضُرِبَ عليه وقال إني لا أصلُح، قال الخليفة بل أنت تكذب أنت تصلُح، فقال: أرأيت، أنت تقول عني كذاب، فإني لا أصلح للقضاء. و كان أبو حنيفة ينقد قضاء القضاة بشدة ويبين أخطاءهم، فاتخذ المنصور هذا الموقف ذريعة للتخلص منه فعرض عليه من جديد تولي منصب القضاء فأبى ورفض فحبسه و جرى بينهما حوار قال فيه: اتقِ الله ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله والله ما أنا بمأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب، لك حاشية يحتاجون إلى من يُكرمهم لك فلا أصلح لذلك. ثم حبسه وضربه على مشهد من العامة ثم أُخرِجَ من السجن و مُنِعَ من الفتوى والجلوس إلى الناس حتى توفي.وقبِلَ أبو حنيفة أن يعمل كأحد العمال في بناء سور بغداد تفادياً للنقمة، ولمّا أحسَّ بالموت سجد فخرجت نفسه وهو ساجد عام 150 هجري و كان يردد المنصور بعد
وفاة الإمام:من يعذرني من أبي حنيفة حياً وميتاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
الامام ابو حنيفة رحمه الله
06:35:04 2020-05-27