بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستعرض تاريخ الصحابة الأماجد - عليهم من الله سحائب الرحمة والرضوان - نجد تاريخاً عظيماً لأبطال عمالقة، ومن هؤلاء معن بن عدي بن عجلان الأنصاري، وهو صحابي مجاهد، كان رجلاً مثقفاً في جاهليته، يجيد الكتابة بالعربية، وكان من يكتب حينئذ في العرب تتجه إليه الأنظار بكل الاهتمام والتقدير.
انطلق معن بن عدي وكان مثقفاً متعلماً، فأسرع للإسلام والإيمان برسالة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك كان أحد السبعين البواسل الذين سبقوا إلى الاستجابة في بيعة العقبة الأخيرة.
وتمت الهجرة النبوية، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين معن بن عدي وزيد بن الخطاب شقيق عمر - رضي الله عنهما -، والغريب أن هذين المتآخيَين في الله تآخيا كذلك في ميدان الجهاد في سبيل الله - تعالى -، وتآخيا كذلك لنيل الشهادة معاً في معركة واحدة، هي موقعة اليمامة فمضيا أخوين إلى عالم البقاء.
معن يشارك في هدم مسجد الفتنة:
حرص معن بن عدي - رضي الله عنه - على مواقف الفداء والوفاء لكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فشهد غزوات بدر، وأحد، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن في غزوة تبوك قام المنافقون بالإقدام على عمل غاية في الخطر، من شأنه تفريق كلمة المسلمين وتشتيت وحدتهم فبنوا (مسجد الضرار)º ليكون مكاناً تحاك فيه المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين.
هذا التصرف الذي صوَّره القرآن الكريم في سورة التوبة: (والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسجِداً ضِرَاراً وكُفراً وتَفرِيقاً بَينَ المُؤمِنِينَ وإرصَاداً لِّمَن حَارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبلُ ولَيَحلِفُنَّ إن أَرَدنَا إلاَّ الحُسنَى واللَّهُ يَشهَدُ إنَّهُم لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 107]، اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رجال، وأمرهم بالتوجه إلى ذلك المسجد وهدمه وإحراقه، انطلق الرجال وكانوا: مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وشقيقه: عاصم بن عدي، وأنجزوا المهمة على خير وجه، حرصاً على كلمة الإسلام ووحدة المسلمين، ومنعاً من انتشار الفتنة.
معن بعد وفاة النبي (- صلى الله عليه وسلم -):
تتجلى معادن الرجال في المواقف التي تتطلب الرجولة والسيطرة، ولا يعرف تاريخ الإسلام كله موقفاً في منتهى الخطورة مثلما حدث عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا الموقف الذي - لولا عناية الله (تعالى) بدينه - ما كان للإسلام بقية.
انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جوار ربه الكريم، وأخذ المسلمون يبكون وهم يقولون: (والله لوددنا أنا مُتنا قبله، نخشى أن نُفتنن بعده)، وبكل الثبات والرجولة والإيمان العميق الكامل، يقف معن بن عدي - رضي الله عنه - كما جاء في (الطبقات الكبرى) لابن سعد ويقول: (وإني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً).
هذه العبارة رغم أنها توضح عدم استخفاف معن بن عدي بالمصيبة الكبرى في فقد النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنها تشير إلى وجوب الثبات على الإسلام وعلى متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء أكان حاضراً أم كان غائباً.
ولذلك نرى معن بن عدي يحرص على ألا تكون هناك فتنة بسبب اختيار خليفة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعندما رأى بعض التعدد في الآراء في اختيار الخليفة، سارع مع الصحابي (عويم بن ساعدة) إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وجعل يقول له مع صاحبه: (إنه باب فتنة... نرجو أن يغلقه الله بك).
معن شهيداً في سبيل الله: لكل إنسان أجل لا يتقدم ولا يتأخر لحظة أو ثانية واحدة...
وظل الصحابي المجاهد النبيل يجاهد في كل موقع، ويحافظ على وحدة المسلمين، ويحارب تفرقهم إلى أن حانت اللحظة الأخيرة المجيدة.
كانت هذه اللحظة يوم موقعة اليمامة، إذ خرج الأخوان المجاهدان - معن بن عدي، وزيد بن الخطاب (رضي الله عنهما) -، وكانت الفتنة يومها ضاريةº إذ انتشرت الردة هناك بقيادة (مسيلمة بن حبيب) -مسيلمة الكذاب - انتشاراً خطيراً.
تقدم معن بن عدي وزيد بن الخطاب ومعهما أبطال الإسلام، كان هدف الجميع وضع حد نهائي لهذه الفتنة مهما كان الثمن، وحمل زيد الراية، وهتف معن بالمسلمين ليثبتوا ويتقدموا، وظل البطلان يتقدمان ويجاهدان حتى حققا - مع إخوانهما - النصر المبين.
وكان للنصر ثمن كبير هو الشهادة في سبيل الله.
وسقط معن بن عدي مع زيد بن الخطاب...
فرضوان الله - تعالى - عليهم أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد