اسمه ونسبه:
بسم الله الرحمن الرحيم
هو أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب بن حسان بن هلال بن بكار بن ربيعة بن عبد الله التنوخي الحمصي الأصل المغربي القيرواني المالكي قاضي القيروان وصاحب المدونة يلقب (بسحنون)، وسُحنون بضم السين وفتحها اسم طائر بالمغرب يوصف بالفطنة والتحرّز.
مولده:
ولد سنة مائة وستين تقريبًا.
شيوخه:
سمع من سفيان بن عيينة والوليد بن مسلم وعبد الله بن وهب ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن القاسم وأشهب ويزيد بن هارون وأبي داود والطيالسي وغيرهم.
تلامذته:
أخذ عنه ولده محمد فقيه القيروان وأصبغ بن خليل القرطبي وبقي بن مخلد ومحمد بن عبد الله بن عبدوس المغربي ووهب بن نافع قاضي قرطبة وعدد كثير من الفقهاء وقيل إنَّ الرواه عن سحنون بلغوا تسعمائة.
ثناء العلماء عليه:
قال أشهب: ما قدم علينا أحد مثل سحنون وقال: سحنون أفقه من أسد (يعني بن الفرات) بتسع وتسعين مرة.
قال يونس بن عبد الأعلى: سحنون سيد أهل المغرب.
قال ابن عجلان الأندلسي: ما بورك لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه ما بورك لسحنون في أصحابه فإنهم كانوا في كل بلد أئمة.
قال الحافظ أحمد بن خالد: كان محمد بن وضاح لا يفضل أحدًا من لقى على سحنون في الفقيه وبدقيق المسائل.
قال عيسى بن مسكين: سحنون راهب هذه الأمة ولم يكن بين مالك وسحنون أحد أفقه من سحنون.
قال الذهبي: لازم ابن وهب وابن القاسم وأشهب حتى صار من نظرائهم وساد أهل المغرب في تحرير المذهب (مذهب مالك) وانتهت إليه رئاسة العلم وعلى قوله المعول بتلك الناحية، وكان موصوفًا بالعقل والديانة الأمة والورع مشهورًا بالجود والبذل وافر الحرمة عديم النظير.
من أحوال وأقواله: قال سحنون: من لم يعمل بعلمه لم ينفعه علمه بل يضره. قال: إذا أتى الرجل مجلس القضاء ثلاثة أيام متوالية بلا حاجة فينبغي أن لا تقبل شهادته.
سُئِل: أيسع العالم أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ قال: أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة فلا، وأما ما كان من هذا الرأي فإنه يسعه ذلك لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ.
قال: أكل بالمسكنة ولا أكل بالعلم، محب الدنيا أعمى لم ينوره العلم، ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء، والله ما دخلت على السلطان إلا وإذا خرجت حاسبت نفس فوجدت عليها الدرك، وأنتم ترون مخالفتي لهواه، وما ألقاه به من الغلطة، والله ما أخذت ولا لبست لهم ثوبًا.
قال: كان بعض من مضى يريد أن يتكلم بالكلمة ولو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير فيحسبها ولا يتكلم بها مخافة المباهاة وكان إذا أعجبه الصمت تكلم.
قال: أجرأ الناس على الفيتا أقلهم علمًا.
قال: أنا أحفظ مسائل فيها ثمانية أقاويل من ثمانية أئمة، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب؟ يعني حتى ينظر في أرجحها بالدليل.
قال: ما وجدت من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي.
دخل سحنون على ابن القصار وهو مريض فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم على الله، قال له سحنون: ألست مصدقًا بالرسل وبالبعث والحساب والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يَرى يوم القيامة، وأنه على العرش استوى، ولا تخرج على الأئمة بالسيف وإن جاروا؟ قال: إي والله فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت، قلت: جمع الإمام في هذا الكلام القليل عقائد أهل السنة والجماعة فيما تخالف فيه إحدى الطوائف المبتدعة من الدهرية والرافضة والجهمية والمعتزلة والخوارج وغيرهم نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا.
قال سحنون لأصحابه: كبرنا وساءت أخلاقنا ويعلم الله ما أصبح عليكم إلا لأؤوبكم. قلت: صدق من قال: نقسها لينزجروا ومن يك ذا حزم فليقسو أحيانا على من يرحم.
قال: حججت زميل ابن وهب، قلت: فهذه منزلة عظيمة ابن وهب الإمام.
قال: إني حفظت هذه الكتب حتى صارت في صدري كأم القرآن.
قال: إني لأخرج من الدنيا ولا يسألني أحد عن مسألة قلت فيها برأيي وما أكثر ما لا أعرف.
قال: سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال، قلت: لأن ذلك يؤدى إلا الإعجاب بالنفس الذي يخرج بصاحبه عن الإخلاص.
قيل إن طالبًا قال: رأيت في النوم كأن سحنونًا يبني الكعبة، قال: فغدوت إليه فوجدته يقرأ للناس مناسك الحج الذي جمعه.
قال عبد الجبار بن خالد: كنا نسمع من سحنون بقريته فصلى الصبح وخرج وعلى كتفه محراث وبين يديه زوج بقر فقال لنا: حُمّ الغلام البارحة فأنا أحرث عنه اليوم وأجيئكم، فقلت: أنا أحرث عنك، فقرّب إليّ غداءه خبز شعير وزيتًا.
قيل إن الأمير زيادة الله، بعث يسأل سحنونًا عن مسألة فلم يجبه، فقال له محمد بن عبدوس: اخرج من يلد القوم، أمس ترجع عن الصلاة خلف قاضيهم واليوم لا تجبهم؟ قال: أفأجيب من يريد أن يتفكه يريد أن يأخذ قولي وقول غيري، ولو كان شيئًا يقصد به الدين لأجبته.
قال أبو داود العطار: باع سحنون زيوتًاً له بثمان مئة فدفعها إليّ ففرقتها عنه صدقة.
كان سحنون إذا قرئ عليه \"مغازى\" ابن وهب تسيل دموعه، وإذا قرئ عليه \"الزهد\" لابن وهب يبكي.
قيل: كان يحضر مجلس سحنون من العُبّاد أكثر من الطلبة، كانوا يأتون إليه من أقطار الأرض ولما ولي القضاء بأخرة عوتب فقال: ما زلت في القضاء منذ أربعين سنة هل الفتيا إلا الضعفاء.
وفي تاريخ القيروان لأبي بكر بن محمد المالكي: قال أبو العرب: اجتمعت في سحنون خلال قلما اجتمعت في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهادة في الدنيا والتخشن في الملبس والمطعم، والسماحة، كان ربما وصل إخوانه بالثلاثين دينارًا وكان لا يقبل من أحدٍ, شيئًا، ولم يكن يهاب سلطانًا في حقٍ,، شديدًا على أهل البدع انتشرت إمامته وأجمعوا على فضله، قدم به أبوه مع جند الحمصيين وهو من تنوخ صليبة.
قال: كنت عند ابن القاسم وأجوبة مالك ترد عليه فقال لي: ما يمنعك من السماع منه؟ قال: قلت قلة الدراهم، وقال مرة: ألجأ إليه الفقر فلولاه لأدركت مالكًا.
\"والمدونة\" في فقه الإمام مالك التي اشتهر بها سحنون قال الذهبي: أصلها أسئلة سألها أسد بن الفرات لابن القاسم، فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم فأصلح فيها كثيرًا وأسقط ثم رتبها سحنون وبوبها واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته مع أن فيها أشياءً لا ينهض دليلها، بل رأى محض، وحكوا أن سحنون في أواخر الأمر علّم عليها وهمّ بإسقاطها وتهذيب \"المدونة، فأدركته المنية - رحمه الله - فكبراء المالكية، يعرفون تلك المسائل ويقررون منها ما قدروا عليه ويوهنون ما ضُعف دليله، فهي لها أسوة بغيرها من دواوين الفقه، وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذاك القبر - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا فالعلم بحر لا ساحل وهو مفرّق في الأمة موجود لمن التمسه. اه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد