ذكريات الشيخ علي الطنطاوي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

طالما سمعت عنها وطالما تمنيت أن أقتنيها، فأنا ممن يحب كتابات الشيخ الأديب الكبير علي الطنطاوي - رحمه الله - وكذلك أحاديثه الإذاعية، ومن منا لا يذكر ذلك الشيخ الشامي وبرنامجه (على مائدة الإفطار) وهو ينظر إلى ساعته بين وقت وآخر ويمتع مشاهديه بأسلوبه الشائق، أو برنامجه الإذاعي مسائل ومشكلات، ومن منا لم يقرأ كتابه تعريف عام بدين الإسلام، وصور وخواطر، وقصص من التاريخ و..... ؟

وأنا لا أنسى عندما شرفني الله بأداء العمرة منذ زمن ليس بالقصير، فدخلت إحدى المكتبات بالمدينة المنورة ووقعت عيناي على هذه الذكريات، فجلست وأخذت أقرأ وأقرأ فقررت شراءها لكنني في تلك اللحظة كنت عصي الجيب فبخلت عن شرائها وندمت على هذه الفعلة ندامة الكسعي كما يقولون. ولكن الله شاء أن يكافأني على حبي لهذا الكتاب وصاحبه ولم يؤاخذني على بخلي فيسر لي أحد الأصدقاء فأهدانيه كاملاً.

ذكريات الأديب علي الطنطاوي تقع في ثمانية أجزاء مضاف إليها ملحق بالفهارس والذي هو بحق إضافة مهمة لهذه الذكريات سهلت مهمة الباحث، الذي لا يستطيع أن يصبر على قراءتها كاملة، ويهمه منها جزئية محددة.

هذه الذكريات كما هو ظاهر من اسمها ذكريات وليست مذكرات لأنه اعتمد على ما بقي في ذاكرته فدونه بعد انقضاء زمن، ولطالما كرر تأسفه على ذلك ورغم ذلك فإن هذه الذكريات ذات قيمة عالية لما تحمله بين طياتها من سيرة ذاتية ورحلات ورُؤًى للكاتب في كثير من القضايا الأدبية والفكرية والسياسية والتعليمية والقضائية، فقد تقلد الرجل وظائف متعددة وكانت له اهتمامات متنوعة، فهو خطيب مفوه على أعلى المنابر وقاض شرعي ومدرس وكاتب صحفي وأديب كتب في أشهر الجرائد والمجلات وعاصر ورافق أكبر الشخصيات في عصره. وفي الكتاب تأريخ لكثير من البلدان والأحداث والأعلام وكذلك ُيستخرج منه معجم خاص بالشيخº فالشيخ له تصوره الخاص لكثير من المفردات وخصوصاً المترجمة إلى العربية وكذلك حوت هذه الذكريات بعض الصور التذكارية النادرة.

ويغلب بل ويطغى أسلوب الأديب البارع المتمكن على هذه الذكريات وهو أسلوب السهل الممتنع، كما وصفه صهره الأستاذ عصام العطار، أسلوب لا تكلف فيه يسهل فهمه ولكن تصعب مجاراته. ويستمتع القارئ باستشهاداته الشعرية وكذلك الأمثال والحكم وخلاصة تجارب الحياة، وللقارئ أن يضحك ملء فيه أحياناً، ويستدعيه شجن الشيخ فيحزنه أحياناً أخرى. وإن كان الجو الغالب جو المرح والانبساط.

ما أحوج شبابنا اليوم الذين هجروا لغتهم وأدبهم أو قصرت بهم همتهم أن يعكفوا على هذه الذكريات وغيرها من كتب هؤلاء العباقرة الذين تركوا بصمات الإنجاز والإتقان والإحسان، وأن ينسجوا على منوالهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply