عبد الله بن حذافة السهمي - رضي الله عنه - رسول رسول الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه ونسبه:

عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، أبو حذافة أو حذيفة، أخو خنيس بن حذافة زوج حفصة بنت عمر قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أمه بنت حرثان من بني الحارث، من السابقين الأولين..

 

بعض مواقف من حياته:

هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقيل شهد بدراً ولم يذكر اسمه فيهم، أمّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سرية، وكان فيه دعابة، فأمرهم أن يوقدوا ناراً فيدخلوها، فهموا أن يفعلوا ثم كفوا، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: [إنما الطاعة في المعروف]. شهد فتح مصر، وعنه قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي أهل منى أن لا يصوم هذه الأيام أحد. أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتابه إلى كسرى، فمزق كسرى كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمزق الله ملكه.

أخرج البيهقي من طريق ضرار بن عمر وعن أبي رافع قال: وجه عمر جيشاً إلى الروم وفيهم عبد الله بن حذافة فأسروه فقال له ملك الروم: تنصر أشركك في ملكيº فأبى، فأمر به فصلب وأمر برميه بالسهام فلم يجزع، فأنزل وأمر بقدر فيها ماء يغلي، وأمر بإلقاء أسير فيهاº فإذا عظامه تلوح، فأمر بإلقائه إن لم يتنصر، فلما ذهبوا به بكى، قال: ردوه، فقال: لِمَ بكيت؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله، فعجب فقال: قبل رأسي وأنا أخلي عنك فقال: وعن جميع أسارى المسلمين، قال: نعم. فقبل رأسه فخلى عنهم، فقدم بهم على عمر، فقام عمر فقبل رأسه.

 

وفاته - رضي الله عنه -:

توفي - رضي الله عنه - في مصر، أيام خلافة عثمان - رضي الله عنه -، ودفن فيها.

 

قصته مع ملك فارس وملك الروم بالتفصيل وبشيء أدبي بليغ:

لقد كان في وسع التاريخ أن يمر بهذا الرجل كما مر بملايين العرب من قبله دون أن يأبه لهم أو يخطروا له على بال، لكن الإسلام العظيم أتاح لعبدالله بن حذافة السهمي أن يلقى سيدي الدنيا في زمانه: كسرى ملك الفرس، و قيصر عظيم الروم، وأن تكون له مع كل منهما قصة ما تزال تعيها ذاكرة الدهر و يروها لسان التاريخ.

 

أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث طائفة من أصحابه بكتب إلى ملوك الأعجام يدعهم فيها إلى الإسلام.

انتدب - عليه الصلاة والسلام - ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم، و كان أحد هؤلاء الستة عبدالله بن حذافة السهمي، فقد اختير لحمل رسالة النبي صلوات الله عليه إلى كسرى ملك الفرس.

 

جهز عبد الله بن حذافة راحلته، وودع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد و تحطه الوهادº وحيدا فريدا ليس معه إلا الله، حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكها، وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له.. عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزين، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه.

 

دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس مرتديا شملته الرقيقة، مرتديا عباءته الصفيقة، عليه بساطة العراب، لكنه كان عالي الهامة، مشدود القامة تتأجج بين جوانحه عزة الإسلام، وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان.. فما إن رآه كسرى مقبلا حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال:

لا، إنما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمرا لرسول الله.. فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة وأمره أن يفض الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه فإذا فيه:

 

\" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى..... \"

 

فما أن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه لأن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بنفسه... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: أيكتب لي بهذا، وهو عبدي؟!! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه فأخرج.

خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى وهو لا يدري ما يفعل الله له... أيقتل أم يترك حرا طليقا؟ لكنه ما لبث أن قال: والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وركب راحلته وانطلق. ولما سكت عن كسرى الغضب، أمر بأن يدخل عليه عبد الله فلم يوجد.

 

فلما قدم عبد الله على النبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب، فما زاد - عليه الصلاة والسلام - على أن قال: \" مزق الله ملكه\".

 

أما كسرى فقد كتب إلى (باذان) نائبه على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك، ومرهما أن يأتياني به.. فبعث (باذان) رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله الله - صلى الله عليه وسلم -، وحملهما رسالة له، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون ابطاء.

 

خرج الرجلان يغذان السير حتى لقيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودفعا إليه رسالة (باذان) وقالا له:

إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا (باذان) أن يبعث إليك من يأتيه بك... وقد أتيناك اتنطلق معنا إليه، فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ويكف أذاه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.. فتبسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما: ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غدا.. فلما غدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم التالي، قالا له: هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى؟ فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: لن تلقيا كسرى بعد اليوم.. فلقد قتله الله، حيث سلط عليه ابنه (شيرويه) في ليلة كذا من شهر كذا.. فحدقا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدت الدهشة على وجهيهما، وقالا: أتدري ما تقول؟! أنكتب بذلك (لباذان)؟! قال: نعم، وقولا له: إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى، وإنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك.

خرج الرجلان من عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقدما على (باذان) وأخبراه الخبر، فقال: لئن كان ما قاله محمد حقا فهو نبي، وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا.. فلم يلبث أن قدم على (باذان) كتاب (شيرويه) وفيه يقول:

أما بعد فقد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا، فقد استحل قتل أشرافهم و سبي نسائهم وانتهاب أموالهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك. فما إن قرأ (باذان) كتاب (شيرويه) حتى طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن.

 

وفي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة وكان قيصر الروم قد تناهت إليه أخبار المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله، فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه وأن يأتو به حيا.. وكان عبد الله بن حذافة ممن وقع في الأسر.

نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلا: إني أعرض عليك أمراً!!

قال: وما هو؟

فقال: أعرض عليك أن تتنصر... فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مثواك، فقال الأسير في أنفة وحزم: هيهات.. إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه.

فقال قيصر: إني لأراك رجلا شهما... فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني. فتبسم الأسير المكبل بقيوده وقال: والله لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت.

قال: إذن أقتلك.

قال: أنت وما تريد، ثم أمر به فصلب، وقال لقناصته - بالرومية - ارموه قريبا من رجليه، وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى.

عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب، ثم دعا بقدر عظيمة فصب فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين، فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي، فإذا لحمه يتفتت، وإذا عظامه تبدو عارية...

 

ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية، فكان أشد إباء لها من قبل.

فلما يأس منه، أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه، فقال رجال قيصر لملكهم: إنه قد بكى... فظن أنه قد جزع وقال: ردوه إلي، فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأبى، فقال: ويحك، فما الذي أبكاك إذا؟!

فقال: أبكاني أني قلت في نفسي: تلقى الآن في هذه القدر، فتذهب بنفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله.

فقال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟

فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا؟

قال: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.

قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من اعداء الله، أقبل رأسه فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعا، لا ضير في ذلك علي. ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين، وأن يدفعوهم إليه فدفعوا له.

 

قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأخبره خبره، فسر به الفاروق أعظم السرور، ولما نظر إلى الأسرى قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة..وأنا أبدأ بذلك...

ثم قام وقبل رأسه...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply