كان أحد الأعلام الأثبات، وأحد أصحاب ابن عباس - رضي الله عنهما -، وأوثقهم رواية عنه، وإن كان أقلهم رواية عنه، وأكثرهم دراية في تفسير كتاب الله. لازم ابن عباس مدة، وأخذ التفسير عنه رواية ودراية، لهذا وجدنا الإمام البخاري في \"صحيحه\" يعتمد عليه، وينقل عنه كثيراً من تفسير القرآن الكريم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة الإمام مجاهد وعدالته عند أهل العلم وقبوله عندهم.
ومما يدل على علو كعبه وطول باعه في تفسير كتاب الله وفهمه له، ما روي عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية، أسأله فيم نزلت، وكيف كانت. وروى ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله.
وقد أجمع كل من عاصره على مكانته العالية في معرفته لتفسير كتاب الله، حتى رويَ القول عن بعضهم: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك بهº وهذا ما دفع الإمام الذهبي أن يقول في آخر ترجمة مجاهد: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به. ويكفي لبيان مكانته ما ذكرناه من اعتماد الإمام البخاري على رواية مجاهد في كتاب التفسير من كتابه \"الجامع الصحيح\" وكذلك رواية أصحاب الكتب الستة عنه في كتبهم.
بيد أنه يُلاحظ على منهج تفسير هذا العَلَم أمران - وهذا ما أخذه بعضهم عليه - الأول: أنه كان يسأل أهل الكتاب عن تفسير بعض الآيات التي لم يثبت فيها نَقل لديه. والثاني: اعتماده الرأي أحياناً في فهم بعض نصوص القرآن الكريمº ولا يسعنا أن نفهم هذين المنهجين إلا على وفق ما يليق بمكانة هذا الإمام.
فسؤاله أهل الكتاب كان في حدود ما هو جائز ومشروع، ولم يتعدَّ ذلك إلى ما هو محظور وممنوع. كيف لا، وهو تلميذ ابن عباس الذي كان يشدد النكير على من يأخذ عن أهل الكتاب، أو يصدقهم فيما يقولونه، إلا ما شهد له شاهد من الشرع.
وأما مسألة إعماله العقل في تفسير بعض الآيات، فحاصل القول فيها: إن كل الناس يؤخذ منه ويُرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي عصمه الله عن الخطأ، وعلى هذا فإن هذا المنهج من مجاهد لا يقلل من القيمة العلمية لهذا الإمام، الذي أجمع الناس على إمامته في التفسير من غير منازع ولا مدافع.
بعد هذا نقول: إن من بين التفاسير التي كُتب لها أن تصل إلينا تفسير الإمام مجاهد، وهو تفسير مطبوع ومتداول بين أهل العلم، وهذا أيضًا يدل على مكانة هذا الإمام.
نسأل الله أن يوفقنا لخير العمل وصوابه، وأن يلهمنا الرشد في الأمر كله، إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم المرسلين، وعلى صحابته والتابعين أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد