علو الهمة صفة ملازمة لعلماء هذه الأمة، وقد قيل فيما قيل: رجل ذو همة يحيي أمة. وعلو الهمة لا تحتاج إلى جمال منظر، ولا إلى كثرة مال، ولا إلى منصب رفيع، بل تحتاج إلى إخلاص نية، وحسن طوية، وصدق عزيمة، وتوكل على الله.
هذه الصفات التي أتينا على ذكرها كانت صفات التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح الذي انتهت إليه الفتوى في مكة، والذي خاطب فيه ابن عباس - رضي الله عنهما - أهل مكة بقوله: \" تجتمعون إليَّ يا أهل مكة وعندكم عطاء \"، وهو الذي قال فيه أبو حنيفة - رحمه الله -: \"ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء \" حتى إنه في موسم الحج كان ينادي المنادي: \"لا يفتى الناس إلا عطاء \".
كل هذا - وغيره كثير - يشهد للمكانة العلمية التي كان عليها عطاء بن أبي رباح، الذي لقي عدداً غير قليل من الصحابة، وروى عن بعضهم، ثم لازم ابن عباس - رضي الله عنهما - فترة طويلة وأخذ عنه علم التفسيرº وعلى الرغم من مكانته العلمية، وملازمته لـ ابن عباس - رضي الله عنهما - إلا أنه لم يرو عنه الكثير من التفسير، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة تورعه عن القول في كتاب الله برأيهº وقد رُويَ أنه سئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ قال: أستحي من الله أن يدان في الأرض برأي. ومع ذلك فقد روى عنه أهل العلم جملة من التفاسير التي رواها عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
لقد كان - رحمه الله - عازفًا عن الدنيا وزخارفها، مقبلاً على الله بقلبه وجوارحهº ليس له حاجة إلى سلطان ولا إلى غيره، وكان كل ما يرجوه رحمة ربه في كل أمره، دعاه الخلفاء والأمراء إليهم فأبى أن يبيع دينه بدنياه، وأغدقوا عليه في العطاء فلم يقبل منهم.
أكبَّ - رحمه الله - على طلب العلم وتعليمه كدأب العلماء المخلصين، وأخلص في كل ذلك لله - سبحانه وتعالى - نحسبه كذلك والله حسيبه - فلم يكن ينتظر من الناس جزاء ولا شكورًا...وبهذا نفع الله به المسلمين، ووقع عندهم موقع القبول، حتى وجدنا أصحاب الكتب الستة يُوثِّقونه ويروون عنه، وهو عندهم من المنـزلة بمكان.
لقد كان لـ عطاء من اسمه نصيب أي نصيب، كان معطاءً للخير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. توفي - رحمه الله - سنة 114هـ بعد أن أمدَّ الله له في عمره، وبارك له في علمه، فكان مثالاً يحتذى للعلماء العاملين المخلصين، فنفع الله به كثيرًا، ورحل عن هذه الدار والناس أحوج ما يحتاجون إلى علمه وعطائه. ف- رحمه الله - رحمة واسعة، وجمعنا وإياه تحت ظل عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظله، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد